مع تعدد الظواهر المناخية المتطرفة التي ضربت جميع أنحاء الأرض هذا العام، من الأعاصير والفيضانات وموجات الجفاف وصولاً إلى ظاهرة "النينو" وتوقعات العلماء بأن 2023 هو العام الأكثر دفئاً على الإطلاق؛ لا يزال هناك خط رجعة وفرصة لرأب الصدع المناخي.
"العالم ما زال قادراً على التوحد والارتقاء إلى مستوى التحدي المتمثل في أزمة المناخ".. كلمات قالها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش مع اختتام مؤتمر Cop 28 منحت بعضاً من الأمل في غدٍ أفضل لكوكبنا، ولكن يبقى تحقيق صافي انبعاثات صفرية بحلول 2050، والحد من ارتفاع درجة حرارة الأرض بحيث لا يتجاوز 1.5 درجة مئوية، هما الهدفين اللذين تلتف حولهما كل الجهود الدولية.
الدول والمؤسسات العربية لها دور فاعل أيضاً في حشد جهود العمل المناخي لدفع القضية للأمام، عبر العديد من المبادرات الطموحة والمؤتمرات المهمة لصناعة القرار المناخي محلياً وإقليمياً وعالمياً. وفي هذا الصدد، يرصد "جرين بالعربي" ما تحقق بالفعل على أرض الواقع عربياً خلال عام 2023.
في مجال حماية المناطق البرية والبحرية والحفاظ على التنوع البيولوجي، نجحت المملكة هذا العام في تشكيل شبكة تضم 15 ألف كيلومتر مربع من المناطق المحمية في محافظة العلا لتحقيق التنوع البيولوجي
السعودية الخضراء
جهود المملكة البيئية تضمنت عدة مبادرات للتصدي لظاهرة تغير المناخ، من أهمها مبادرة السعودية الخضراء التي تم إطلاقها عام 2021؛ بهدف تحقيق أهداف المناخ العالمية وتوحيد جهود المملكة لمكافحة التغيرات المناخية.
وحددت المبادرة التي تجمع بين حماية البيئة وانتقال الطاقة وبرامج الاستدامة، وزيادة الاعتماد على الطاقة النظيفة، 3 أهداف رئيسية لتحقيق تأثير ملموس وهي: تقليل الانبعاثات الكربونية، وتشجير السعودية، وحماية المناطق البرية والبحرية.
وتحت مظلة مبادرة السعودية الخضراء تم تفعيل عدة مبادرات مناخية وبيئية؛ فما الذي تم إنجازه في المبادرة خلال هذا العام؟ وإلى أي مدى حققت أهدافها؟
في مجال حماية المناطق البرية والبحرية والحفاظ على التنوع البيولوجي، نجحت المملكة هذا العام – بالتعاون مع الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة – في تشكيل شبكة تضم 15 ألف كيلومتر مربع من المناطق المحمية في محافظة العلا لتحقيق التنوع البيولوجي، وصولاً إلى هدف المملكة لتصبح 50% من مساحة العلا محميات طبيعية، مع حصر المجموعتين النباتية والحيوانية داخل المحافظة وتحديد الأنواع المحلية المهددة بالانقراض من أجل توجيه جهود الحفظ لها، بما يساهم في حماية البيئة وإدارة الموارد الطبيعية بطريقة مستدامة، وفقاً للموقع الرسمي للمبادرة.
كما أعلنت محافظة العلا عن ولادة سبعة من صغار النمر العربي خلال 2023، في إطار برنامج حماية الحيوانات من الانقراض وإعادة توطينها؛ علمًا بأن النمر العربي يصنف ضمن الأنواع المهددة بالانقراض بشدة، حسب الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة.
وفي مجال مبادرات التشجير، تمت زراعة 30 ألف شجرة في محيط 100 مسجد، وريها باستخدام المياه الرمادية المُعالجة، كجزء من خطة لزراعة 10 مليارات شجرة في جميع أنحاء المملكة من أجل زيادة الغطاء النباتي والمساعدة في مكافحة التصحر وتحسين جودة الهواء والحد من العواصف الغبارية والرملية، بالإضافة إلى المشروع التجريبي لزراعة أشجار المانجروف في ميناء جدة الإسلامي، للمساهمة في تنظيف مياه البحر، واستعادة الحياة البحرية وتكاثر الكائنات الحية.
أما في مجال خفض الانبعاثات الكربونية، فأعلنت السعودية أنه بحلول نهاية هذا العام، سوف تبلغ السعة الإنتاجية لمشروعات الطاقة المتجددة قيد الإنشاء بالبلاد أكثر من ثمانية ميغاواط.
تتصدر أزمة المياه أولويات المملكة الأردنية. وجاء العام الحالي ليكون فرصة لحسم الأزمة، عبر إعلان الاستراتيجية الوطنية للمياه (2023-2040) من قبل وزارة المياه والري الأردنية، وهي بمنزلة خطة لتحقيق الأمن المائي، وتحقيق التوازن المستدام بين العرض والطلب.
الأردن يكافح شح المياه بالاستدامة
حسب البنك الدولي، يُعد الأردن من أكثر البلدان التي تعاني نقص المياه في العالم، ومن ثم يعيش أزمة مائية شديدة تؤثر على جميع مناحي الحياة؛ حيث يبلغ متوسط نصيب الفرد من المياه نحو 97 متراً مكعباً سنوياً، وهو أقل بكثير من الحد المطلق لشح المياه، الذي يبلغ 500 متر مكعب للفرد سنوياً.
وتعود أسباب تفاقم هذه الأزمة إلى النمو السكاني وتدفق اللاجئين، بالإضافة إلى أن من المتوقع أن يتسبب التغير المناخي في انخفاض موارد المياه العذبة من المصادر التقليدية، بنسبة تبلغ 15% بحلول عام 2040، بحسب وزارة المياه والري.
ولا تقف المشكلة عند احتياجات الماء، بل تمتد إلى الأمن الغذائي الذي يعتمد على الأمن المائي، وضرورة تلبية احتياجات مياه الري للزراعة دون الإفراط في ضخ المياه الجوفية؛ حتى لا يؤدي ذلك إلى تدمير طبقات المياه الجوفية العميقة.
وتتصدر أزمة المياه أولويات المملكة الأردنية. وجاء العام الحالي ليكون فرصة لحسم الأزمة، عبر إعلان الاستراتيجية الوطنية للمياه (2023-2040) من قبل وزارة المياه والري الأردنية، وهي بمنزلة خطة لتحقيق الأمن المائي، وتحقيق التوازن المستدام بين العرض والطلب.
وتعكس هذه الاستراتيجية الخطوات التي يجب اتخاذها للتصدي للتحديات غير المسبوقة لشح المصادر المائية، والتي تتحقق من خلال تحلية المياه على نطاق واسع، مع الإدارة المستدامة للمياه العذبة المتجددة، ووقف التدهور وسوء الاستخدام؛ ما يعطي مصادر المياه الجوفية وقتاً لاستعادة عافيتها.
ومن أهم آليات الاستراتيجية الأردنية مشروع الناقل الوطني، الذي يعتمد على تحلية مياه البحر الأحمر من خليج العقبة ونقلها إلى المناطق المزدحمة سكانياً. وسوف يعمل المشروع على تقليل الفجوة بين العرض والطلب حتى عام 2035 ويخفض استخراج المياه الجوفية، بالإضافة إلى تمكين شركات المياه من تأمين احتياجاتها المستمرة من المياه لمختلف الاستخدامات، سواء الزراعية أو الصناعية.
تعمل عدة دول عربية على ضخ المزيد من الاستثمارات الضخمة في إنتاج الهيدروجين الأخضر، ومنها مصر، وهي أكثر دولة عربية أعلنت عن مشروعات مرتبطة بتصدير الهيدروجين ومشتقاته
مصر واستراتيجية الهيدروجين الأخضر
يتصدر الهيدروجين الأخضر الساحة العالمية حالياً على المستويين الاقتصادي والبيئي، وأعلنت عدة دول عن مبادرات رائدة للاستثمار في إنتاجه مصدراً للطاقة النظيفة أو الوقود المنعدم الكربون؛ حيث يتم الاعتماد على الكهرباء المولدة من مصادر متجددة مثل الرياح والشمس.
وبحسب كلية "كولومبيا" للمناخ، يعتبر الهيدروجين أكثر كفاءة من الوقود الأحفوري؛ حيث يحتوي على طاقة أكبر بنحو 3 أضعاف، ومن المتوقع تزايد الطلب عليه خلال السنوات المقبلة مع الاتجاه العالمي نحو تقليص الاعتماد على الوقود الأحفوري، وربما يدفع انخفاض أسعار الطاقة المتجددة هذا الاتجاه إلى الأمام.
وتعمل عدة دول عربية على ضخ المزيد من الاستثمارات الضخمة في إنتاج الهيدروجين الأخضر، ومنها مصر، وهي أكثر دولة عربية أعلنت عن مشروعات مرتبطة بتصدير الهيدروجين ومشتقاته، بحسب "أوابك".
وأعلنت مصر خلال عام 2023 عن الاستراتيجية الوطنية للهيدروجين الأخضر. وتستهدف الاستراتيجية جعل مصر دولة رائدة في اقتصاد الهيدروجين الأخضر عالمياً، ومركزاً إقليمياً لإنتاجه بالاستعانة بالخبرات والابتكارات الرائدة.
ووفق بيان رسمي لرئاسة مجلس الوزراء المصري، تعمل الاستراتيجية على تحقيق خطة مصر الطموحة للوصول إلى إنتاج ما يقدر بـ5% إلى 8% من السوق العالمية للهيدروجين؛ ما يساهم في تحقيق أمن الطاقة ويقلل انبعاثات الكربون بواقع 40 مليون طن سنوياً بحلول عام 2040، بجانب تحقيق فوائد اقتصادية لهذه المشروعات؛ منها توفير نحو 100 ألف فرصة عمل خلال 15 عاماً، وارتفاع الناتج المحلي الإجمالي بمعدل 10 مليارات إلى 18 مليار دولار بحلول عام 2040.
كما تهدف الاستراتيجية إلى تحقيق متطلبات التنمية المستدامة وتحفيز الاستثمار في مجال الهيدروجين الأخضر ومشتقاته، استغلالاً لعدة مزايا تتمتع بها مصر، من شأنها أن تساعدها على التقدم في تلك الصناعة، منها الموقع الاستراتيجي، والموارد الكبيرة من الطاقات المتجددة، مثل الشمس والرياح، بالإضافة إلى البنية التحتية والمشروعات التي تتوسع بها مصر منذ فترة في ذلك المجال.
الإمارات وإنجازات "COP 28"
وتعتمد الإمارات العديد من المبادرات البيئية التي حققت إنجازات كثيرة، لكن يبقى الحدث الأبرز في عام 2023 هو مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ "COP 28" الذي احتضنته دبي من 30 نوفمبر حتى 12 ديسمبر لمدة أسبوعين.
واستطاعت الإمارات التوصل إلى اتفاقات وُصفت بـ"التاريخية"، بدأت منذ اليوم الأول للقمة مع تفعيل صندوق "الخسائر والأضرار" الناجمة عن تغير المناخ، بهدف تعويض الدول الضعيفة عن تأثير التغيرات المناخية ومساعدتها على التكيف وإعادة بناء بنية تحتية مستدامة، وهو الصندوق الذي بلغت إجمالي المساهمات العالمية المقدمة له 792 مليون دولار، تتضمن 100 مليون دولار من الإمارات العربية المتحدة، وفقاً لموقع المؤتمر.
واختُتم مؤتمر الأطراف الـ28 برئاسة الإمارات، باتفاق يمهد الطريق لانتقال سريع وعادل بعيداً عن الوقود الأحفوري مدعوماً بتخفيضات كبيرة في الانبعاثات وزيادة التمويل، مع الالتزام الدولي بزيادة الاعتماد على الطاقة المتجددة بمقدار 3 مرات عن القدرة الحالية، ومضاعفة المعدل السنوي العالمي لتحسين كفاءة استخدام الطاقة بحلول عام 2030، وفقاً لبيان الأمم المتحدة.
خلال عام 2023، حاول العالم العربي التقدم بخطوات مستدامة في قضية المناخ، لكن ما زالت أزمة المناخ تحتاج إلى الكثير من الجهود العالمية والعربية لتحقيق أهداف اتفاق باريس التاريخي وأجندة الأمم المتحدة 2030 للتنمية المستدامة، التي ربما تتحول إلى واقع في السنوات المقبلة.