محمد السنباطي: نعيش العصر الذهبي لتغطية قضية تغير المناخ صحفياً


سلمى عرفة
الاثنين 15 يناير 2024 | 07:17 مساءً

 عوامل عديدة تقف خلف التطور الذي شهده الإعلام العربي خلال السنوات الماضية، لا سيما فيما يخص إنتاج المحتوى العلمي الذي نقل قضايا البيئة والصحة وغيرهما من أروقة المراكز العلمية إلى الجمهور غير المتخصص الذي تتأثر حياته اليومية دون أن يدري بتلك القضايا.

هذا التطور كان وراءه إعلاميون وباحثون ساهموا في نقل خبراتهم إلى غيرهم من المهتمين بمجال الصحافة العلمية، الذي لم يَحْظَ في الماضي بمثل هذا الزخم الذي نشهده اليوم.

أحد هؤلاء الخبراء هو الإعلامي محمد السنباطي المؤسس المشارك للمنتدى العربي للإعلام والتواصل العلمي المقرر انعقاد النسخة الرابعة منه في 5 و6 فبراير 2024؛ إذ تحدث إلى "جرين بالعربي" في حوار خاص حول أسباب اهتمامه بالصحافة العلمية، ورؤيته لمستقبل هذا المجال في العالم العربي.. وإلى نص الحوار:

السنبــاطــي:عندما نقول كلمة "عالم" أول ما يطرأ على أذهاننا صورة رجل يرتدي "بالطو" ويقف داخل المختبر، وهو أمر يعود إلى أسبابٍ جذورُها ممتدةٌ في التاريخ؛ بسبب اقتصار الدراسة الجامعية، حتى تاريخ قريب، على الرجال

في البداية.. لماذا اخترت مجال الصحافة العلمية؟

بحكم دراستي في كلية الصيدلة، كان لديَّ اهتمام بالموضوعات العلمية، لكن في الوقت نفسه كنت مهتماً بالكتابة والصحافة والأدب. وخلال السنة قبل الأخيرة من الدراسة، شاركت في مسابقة "Fame Lab" التي تعطي للمشاركين فرصة الوقوف على خشبة المسرح لشرح موضوع علمي لجمهور غير متخصص، ونجحت في الوصول إلى المرحلة النهائية للمسابقة.

وخلال هذه المسابقة، تعرفت إلى د. نادية العوضي رئيسة الاتحاد العالمي للصحفيين العلميين – آنذاك – وكانت المرة الأولى التي فيها أعرف أن هناك مجالاً للصحافة العلمية.

وفي عام 2012، تعرفت إلى فريق يعمل على إنشاء موقع للأخبار العلمية خلال مشاركتي في مهرجان علمي ينظمه مركز القبة السماوية للعلوم التابع لمكتبة الإسكندرية، والتحقت بالموقع بعد اجتيازي الاختبار، وكان أول موضوع لي حواراً مع العالم السويسري ريتشارد إرنست الحائز على جائزة نوبل في الكيمياء عام 1991.

قلتَ إن الصورة الذهنية للعلماء ترتبط بالرجال.. هل هذا هو الحال في الصحافة العلمية؟

عندما نقول كلمة "عالم" أول ما يطرأ على أذهاننا صورة رجل يرتدي "بالطو" ويقف داخل المختبر، وهو أمر يعود إلى أسبابٍ جذورُها ممتدةٌ في التاريخ؛ بسبب اقتصار الدراسة الجامعية، حتى تاريخ قريب، على الرجال، ومحدودية فرص النساء في دراسة المجالات العلمية، ومن ثم تراجعت فرص عملهن في مجالات البحث، كما أن العلماء الذين تُسلِّط وسائل الإعلام الضوء عليهم غالباً ما يكونون رجالاً، وهو ما ساهم في تعزيز هذه الصورة النمطية.

وبالنسبة إلى الصحافة العلمية، لا توجد صورة نمطية عنها؛ لأن عدد الملمين بها ليس كبيراً، لكن غالبية مَن يعملون بها في العالم العربي هن النساء، والكثير منهن في أدوار قيادية، ومعظم من تتلمذتُ على أيديهم وتعلمتُ منهم سيدات.

برأيك.. ما دور الإعلام العلمي في مواجهة التمييز بين الجنسين بمجال العلوم؟

دور الإعلام العلمي مهم، ويبدأ من تسليط الضوء على فكرة وجود تمييز ضد النساء في مجال العلوم، وأنها جزء من مشكلات مجال البحث العلمي؛ فهناك تمييز في الحصول على ترقيات مقارنةً بالرجال، وهناك تمييز في الوصول إلى الأدوار القيادية والريادية، علاوةً على انخفاض نسبة النساء اللاتي يحصلن على تمويل.

ومن خلال عملي في موقع "SciDev"، أجريتُ حوارات مع عدد من الباحثات العربيات لتغطية أبحاثهن وإنجازاتهن العلمية، ليكنَّ مثلاً أعلى للفتيات الأصغر سناً الراغبات في الانضمام إلى المجال.

السنبــاطــي:

 تخوفي هو ألا نكمل ما بدأناه خلال هذين العامين في المستقبل، وأن تتراجع تغطية قضية التغير المناخي والمساحات المخصصة لها. ورغم أن الصحافة البيئية تطوَّرت خلال فترة قصيرة، فإنه دائماً يمكن تقديم الأفضل.

الصحافة البيئية في المنطقة العربية شهدت خلال السنوات الأخيرة حالة من التطور.. كيف تُقيِّم المستوى الذي وصلت إليه؟

أعتقد أننا في العصر الذهبي لتغطية قضية تغير المناخ صحفياً باللغة العربية. واستضافة مصر مؤتمر المناخ "COP 27" كان حدثاً فارقاً. ولحسن الحظ أن النسخة اللاحقة للمؤتمر "COP 28" كانت في دبي. وخلال هذين العامين كان هناك تطور ملحوظ في التغطية بعد توجيه تمويل ضخم لتدريب الصحفيين غير المتخصصين على تغطية تلك القضايا، بعدما كان الأمر يقتصر على الصحفيين العلميين فحسب، وهذا أمر إيجابي.

لكن تخوفي هو ألا نكمل ما بدأناه خلال هذين العامين في المستقبل، وأن تتراجع تغطية قضية التغير المناخي والمساحات المخصصة لها. ورغم أن الصحافة البيئية تطوَّرت خلال فترة قصيرة، فإنه دائماً يمكن تقديم الأفضل.

شاركت في تدريب أعداد كبيرة من الصحفيين العاملين بمجال البيئة.. ما النصيحة الذهبية التي تحرص على تقديمها دائماً؟

هناك نصيحتان أحرص على تقديمهما: الأولى– بناء قاعدة معرفية كبيرة، والقراءة كثيراً حول التغير المناخي، ومعرفة أبجديات القضية، وكافة المصطلحات التي تعبر عنها، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بها.. وغيرها.

النصيحة الثانية هي فكرة أنسنة موضوعات التغيرات المناخية؛ فإذا كنا نريد أن يشعر الجمهور بالقضية، فلا بد أن نربطها بحياتهم اليومية بشكل مباشر، وأن نتناول الأمر من منظور إنساني ومحلي في آن واحد.

حصلت على منحة "تشيفنينج" لدراسة الاتصال العلمي في بريطانيا، ومنحة "يوريك أليرت" من الجمعية الأمريكية لتقدم العلوم.. ما نصيحتك للصحفيين المتخصصين الباحثين عن المنح العلمية؟

الجهات المانحة تُقدِّم مبالغ مالية للاستثمار في الشخص، ومن ثم تحتاج إلى معرفة العائد الذي ستخرج به من هذا الاستثمار، ومن ثم فإن التفكير في هذا الأمر عند ملء طلبات التقديم، يساعد على تقديم طلب مميز ومختلف.

وعند تقدمي لمنحة "تشفنينج"، أوضحت خلال التقديم أنني سأكون أول مصري يحصل على درجة الماجستير في التواصل العلمي من جامعة بريطانية، وأوضحت كيف سأقوم بعد عودتي بنقل المعرفة للغير في هذا المجال، وإنشاء شبكة للتواصل العلمي، وهو ما حدث من خلال مشاركتي في تأسيس المنتدى العربي للتواصل والإعلام العلمي.

الصحافة العلمية تخصصية في الأساس، ورغم ذلك نرى من يتخصص بأحد فروعها.. فهل يحتاج ذلك إلى تطوير الصحافة العلمية؟

بالطبع هناك حاجة إلى تطوير الصحافة العلمية في العالم العربي؛ ففي الخارج – على سبيل المثال – هناك مَن يتخصَّص في تغطية مرض معين؛ لأن مشهد الصحافة العلمية ضخم، ومن ثم يسمح بوجود تخصصات دقيقة.

ونفتقر إلى هذا الأمر في الوطن العربي؛ حيث إن مشهد الصحافة العلمية محدود، وعدد الجهات الإعلامية المتخصصة محدود، ومعظمها نسخ عربية لجهات تصدر باللغات الأخرى، وهذا لا يسمح بوجود عدد كبير من التغطيات أو التخصصات.

الفئات الهشة هي الأكثر تضرراً من التغير المناخي، مثل المزارعين أو الصيادين.. كيف يمكن إنتاج محتوى يراعي خصوصية هذه الفئات؟

طبيعة العمل الصحفي تتطلب فهماً جيداً للجمهور قبل محاولة إنتاج المحتوى. وفيما يخص الفئات الهشة، لا بد من إنتاج تغطيات ملائمة لهم، وتجنب استخدام مصطلحات علمية معقدة، والعمل على تبسيط المعلومات، وربط الموضوعات بحياتهم اليومية، لتكون الموضوعات "منهم ولهم".

التناول العلمي لقضية التغير المناخي في حالة تطور دائم نتيجة تصاعد آثار الظاهرة.. كيف يواكب الصحفي البيئي هذا التطور؟

لا بد من تعلم جديد كل يوم، وهذا الأمر لا ينطبق على الصحفي البيئي، بل إن كافة الصحفيين عليهم عدم الاكتفاء بالمعلومات التي حصلوا عليها، بل لا بد من تطوير قدراتهم.

ونحن محظوظون في العصر الذي نعيشه بتوافر المعلومات على الإنترنت؛ ففي موضوع التغير المناخي، هناك منصة "UN CC:e-Learn" التابعة للأمم المتحدة التي تتيح قدراً كبيراً من الدورات المتعلقة بالتغير المناخي مجاناً، وهناك مصادر أخرى عديدة تستهدف الصحفيين لتحديث معلوماتهم باستمرار.

شاركتَ في تأسيس المنتدى العربي للإعلام والتواصل العلمي.. حدثنا عن رؤيتك للتجربة في بداية الأمر.

المشاركة في تأسيس المنتدى العربي للإعلام والتواصل العلمي من أكثر الأمور التي أعتز بها في حياتي؛ لأنني معنيٌّ منذ زمن طويل ببناء القدرات في مجال التواصل العلمي؛ فعندما بدأت العمل في المجال كانت فرص التعلم محدودة، وكنت أشعر أن الطريق ليس سهلاً، فكانت لديَّ رغبة في تقصير الطرق والمسافات على المهتمين بالانضمام إلى المجال.

وخلال جائحة كورونا، دخلت في مناقشة مع الزميلين سعد لطفي رئيس تحرير النسخة العربية من "Popular science" – آنذاك – وبثينة أسامة المنسق الإقليمي للنسخة العربية من "SciDev"، حول رغبتنا في تطوير المجال وتجميع العاملين فيه، وتزامن ذلك مع الاهتمام بعقد المؤتمرات الافتراضية بالتزامن مع الجائحة، وانطلقت النسخة الأولى من المؤتمر افتراضياً.

ورغم انعقادها عن بُعد، شهدت النسخة الأولى نجاحاً كبيراً، بحضور عدد هائل من المتحدثين من مختلف الدول العربية، علاوةً على مشاركة مئات الإعلاميين والطلاب وغيرهم، وشهدت حالة من الزخم بسبب إفساح المجال للتواصل والتشبيك.

ثم انعقدت النسخة الثانية افتراضياً كذلك، وجرى التوسع أكثر في فكرة بناء القدرات، وقررنا عدم الاكتفاء بالفعاليات السنوية، لكن عقدنا ورش عمل ومؤتمرات عبر الإنترنت "ويبنار" دورياً كل شهر أو شهرين، يجتمع فيها الخبراء للحديث عن أحدث الاتجاهات في مجال الصحافة العلمية.

وفي النسخة الثالثة نجحنا في نقل المنتدى على الأرض، وكان اليوم الأول منه حضورياً، وبُثَّت جلساته عبر الإنترنت. أما اليوم الثاني فكان افتراضياً.

جَمْع الباحثين والصحفيين في منتدى واحد كان من أبرز إنجازات النسخ الثلاثة الماضية من المنتدى.. برأيك، كيف يمكن تعزيز هذا التواصل على مدار العام؟

هذا هو موضوع النسخة الرابعة للمنتدى؛ فهناك حلقة مفقودة في المنتصف، وهناك فجوة بين العاملين في مجال الإعلام والتواصل وبين الباحثين، ونركز على كيفية سد هذه الفجوة.

ما الجديد في النسخة الرابعة المقرر انطلاقها في فبراير المقبل؟

في اليوم الأول الحضوري، ستكون هناك جلسة تجمع الخبراء في البحث العلمي، بجانب خبراء الإعلام والتواصل، لتحديد أسباب الفجوة بين الطرفين، وكيف يؤثر هذا الأمر في عدم مشاركة مخرجات البحث العلمي مع الجمهور العام.

وسنقوم بعمل ما يشبه "بيت خبرة" مقسم إلى 3 جلسات: الأولى– جلسة تضم الباحثين والأكاديميين في مجال البحث العلمي، والثانية تضم خبراء الإعلام والتواصل العلمي، ثم انعقاد جلسة أخيرة تعتمد على محتوى الجلستين، بهدف بلورة مخرجات وتوصيات واضحة تصدر عن هذه النسخة من المنتدى لسد الفجوة بين المجالين.

ومن المقرر إفساح المجال للباحثين بعرض الأبحاث التي أُجريت في مجال الإعلام والتواصل العلمي خلال الجلسات، وسيتمكَّن هؤلاء الباحثون من نشر أبحاثهم في دوريات أكاديمية محكمة، كما سنركز بصورة أكبر على بعض الاتجاهات الجديدة في الصحافة العلمية، مثل استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي، وكيفية استخدامها بأسلوب فعال وأخلاقي في آن واحد.

كما ستكون هناك ورشة عمل عن المهارات الإعلامية التي يحتاجها الباحثون والعلماء؛ حتى يتمكنوا من التواصل مع الجمهور العام من خلال الإعلاميين.