الشفاء الذاتي للبيئة.. كيف تعيد الطبيعة بناء نفسها بعد الكوارث البيئية؟


إسراء ياقوت
الاثنين 14 يوليو 2025 | 04:04 مساءً
التعافي الذاتي للبيئة
التعافي الذاتي للبيئة

يُعد الشفاء البيئي إحدى القدرات الأساسية في النظم الطبيعية، ويقصد به قدرة البيئة على استعادة توازنها ووظائفها الحيوية بعد التعرض لكوارث طبيعية أو تدخل بشري بشرط توقف الأذى ومنح النظام الوقت والمساحة اللازمين، ورغم اختلاف قدرة التعافي من نظام بيئي لآخر، فقد أثبتت أبحاث حديثة أن الطبيعة قادرة بشكل مذهل على التجدد الذاتي.

 

الغابات: من الرماد إلى الحياة

أظهرت دراسة نُشرت في دورية Fire Ecology عام 2024 أن أكثر من 85% من مواقع الغابات المحترقة شرق جبال روكي بالولايات المتحدة أظهرت علامات على تعافي الغطاء النباتي، وذلك بعد عقود رغم تفاوت معدلات الاستعادة، كما تشير النتائج إلى أن بعض الأنواع مثل الصنوبر واليوكالبتوس تعتمد على الحرائق لإنتشار بذورها، مما يحول الحدث المدمر إلى فرصة للنمو.

وفي أستراليا وكاليفورنيا، ساعدت درجات الحرارة المرتفعة الناتجة عن الحرائق في إعادة تنشيط البذور، كما ساهم الرماد في إعادة المغذيات المعدنية في التربة، ما يدعم دورة الحياة من جديد.

الشعاب المرجانية: تجدد حذر

بين عامي 2020 و2023، عانى "الحاجز المرجاني العظيم" بأستراليا من موجات تبييض متكررة بسبب ارتفاع درجات حرارة المياه، ومع ذلك، سجلت مناطق جنوبية من الحاجز المرجاني بداية ظهور مستعمرات جديدة.

ووفقاً لـ رصد أجرته الهيئة الأسترالية للشعاب المرجاني، تعافي هذه الشعاب يعتمد بشكل كبير على خفض التلوث المحلي وتثبيت درجات الحرارة، وهو ما تحاول مبادرات علمية مراقبته بدقة باستخدام تقنيات الاستشعار والذكاء الاصطناعي.

الأنهار: حياة تعود من جديد

نهر التمز في لندن، والذي كان يُعتبر ميتاً بيئياً في خمسينيات القرن الماضي، يُعد الآن من أنجح نماذج الشفاء البيئي، وقد وثقت "وكالة البيئة البريطانية" في تقرير عام 2023 وجود أكثر من 115 نوع من الأسماك والكائنات المائية في النهر بعد عقود من تحسين البنية التحتية للمياه والتقليل من التصريف الصناعي.

بكتيريا آكلة للنفط

في حالات تسرب النفط كشفت دراسات سابقة مثل تلك المنشورة في مجلة Environmental Microbiology، أن هناك مجموعات من البكتيريا مثل Alcanivorax تعمل على تفكيك مكونات النفط الخام بشكل طبيعي، وقد رُصدت هذه الظاهرة خلال كارثة "ديب ووتر هورايزن" في خليج المكسيك، ما يشير إلى آليات شفاء طبيعية فعالة رغم محدوديتها في بعض الظروف.

الطبيعة حين تغيب عنها الأيدي و الأقدام

منطقة منزوعة السلاح بين الكوريتين، والتي لم تشهد نشاطاً بشرياً منذ عقود، تحولت بشكل غير رسمي إلى محمية طبيعية تحتوي على أكثر من 5700 نوع من النباتات والحيوانات، بينها طيور مهددة بالانقراض مثل الكركي الأحمر التاج، وتدل هذه الظاهرة على أن تقليل الوجود البشري قد يكون أحد أسرع طرق دعم الشفاء الذاتي في بعض المناطق.

هل تكفي قدرة البيئة وحدها؟

رغم كل هذه الأمثلة الإيجابية لا يمكن الاعتماد فقط على قدرة البيئة على الشفاء، فبعض الأنظمة البيئية مثل الشعاب المرجانية أو الغابات المطيرة باتت تقترب من نقاط تحول قد تجعل عملية التعافي الطبيعية غير ممكنة دون تدخل علمي مباشر.

وقد نشرت مجلة Nature Sustainability عام 2024 مراجعة علمية خلصت إلى أن نحو 30% من النظم البيئية المتدهورة يمكنها استعادة توازنها خلال عقدين فقط، بشرط وقف الأنشطة التخريبية ودعم سياسات بيئية مستدامة.

وفي هذا الصدد، الشفاء الذاتي ليس حلاً سحرياً، بل هو فرصة تمنحها الطبيعة إذا أحسن البشر التصرف، فبعض النظم تتعافى وحدها، وبعضها يحتاج إلى توجيه علمي ومساعدة فنية، لكن ما يجمع بينها هو حاجتها إلى التوقف عن الإضرار بها والسماح لها بالعمل وفق قوانينها الخاصة.