مع كل كارثة طبيعية تجتاح العالم العربي، تشتد الحاجة إلى محتوى علمي دقيق ينقل لسكان المنطقة الصورة الكاملة، ويروي لهم كيف تقف التغيرات المناخية خلف كل تلك الأضرار التي تقلب حياتهم رأساً على عقب، وتُهدِّد مصادر دخلهم، وما يجب عليهم فعله للحفاظ على البيئة.
"جرين بالعربي" حاورت الإعلامي اليمني أحمد الشميري رئيس الشبكة العربية للصحافة العلمية، وهي إحدى أبرز المبادرات التي انطلقت لدعم المحتوى العلمي في المنطقة؛ للحديث عما يفتقر إليه المحتوى العربي، وكيفية تطوير مهارات الصحفيين لتعزيز الوعي البيئي.. وإلى نص الحوار.
– شاركتَ في العديد من المبادرات الصحفية، وفي تأسيس الشبكة العربية للصحافة العلمية في 2021.. ما أهم العوامل التي دفعتك إلى هذه الخطوة؟
الأكثر قراءة
أهم العوامل التي جعلتنا نؤمن بإنشاء كيان يعزز الوعي العلمي العربي كانت انتشار الكثير من الشائعات حول فيروس كورونا "كوفيد–19"، بالتزامن مع تواتر الحديث حول أخطار التغيرات المناخية وأهمية التصدي لها، مقابل شح المعلومات العلمية الصحيحة في الصحافة العربية، ووجود فجوة بين الباحث والصحفي، هذا لا يعني أننا ننكر الجهود التي يقوم بها عدد من الزملاء مشكورين، لكن أراه لا يكفي لصناعة وتعزيز الوعي العلمي لدى القارئ العربي.
– برأيك.. ما العناصر التي يفتقر إليها المحتوى العربي لتعزيز الوعي البيئي؟
هناك جهود صحفية كبيرة يبذلها الزملاء الصحفيون من خلال مؤسسات ومنصات ومبادرات، ولكنها جهود فردية، ونحتاج فعلياً إلى عمل جماعي واستراتيجي لتعزيز الجهود الصحفية في المجال، وفي الوقت ذاته خلق حراك أكثر لتعزيز الوعي البيئي والعلمي الرصين لدى الشارع العربي.
كذلك يحتاج الصحفي العربي المتخصص في البيئة إلى دعم من الحكومات والمجتمع الدولي، ومنظمات المجتمع المدني؛ لصقل مهاراتهم، وتقديم الدعم لتنفيذ الكثير من الأعمال والأنشطة الصحفية التي تحقق الأهداف المنشودة.
– ما الأهداف التي تخطط الشبكة العربية للصحافة العلمية للعمل عليها خلال عام 2024؟
سيكون العام القادم استثنائياً، وأثق بأن الشبكة ستحقق الكثير خلال 2024؛ إذ سنسعى خلال هذا العام إلى أن نكون أكثر حضوراً على أرض الواقع، مع فتح الشراكات التي تخلق حراكاً يعود بالنفع على الصحفيين، ويرفع مستوى الوعي العلمي العربي، علاوةً على إقامة المؤتمر الثاني للشبكة، وإنتاج الأعمال الإعلامية، والتشجيع على إنتاجها، والاستمرار في بناء قدرات الصحفيين العرب. وجارٍ الترتيب للبدء ببرامج خاصة بالتربية البيئية، وإشراك المجتمع في الوعي البيئي والعلمي بوجه عام.
– تدقيق المعلومات التي يحصل عليها الصحفي هو أحد الجوانب المهمة لإنتاج محتوى علمي.. كيف تعمل الشبكة على تطوير مهارة الصحفيين في هذا الجانب؟
خلال العامين الماضيين، أقامت الشبكة عدداً من الورش التدريبية التي تنوعت بين الافتراضية والحضورية، إضافةً إلى إقامة مؤتمرها الأول الذي كان للتحقق من المعلومات مساحة كبيرة فيه، إضافة إلى تنظيم ندوات رقمية نقاشية مع متخصصين وأكاديميين حول أهمية تدقيق المعلومات العلمية.
– ماذا عن التعاون مع الجامعات وكليات الإعلام لزيادة الاهتمام بمناهج الصحافة العلمية؟
أحد أهداف الشبكة العربية للصحافة العلمية الستة، هو العمل على اعتماد مادة الصحافة العلمية مقررًا يُدرس في عدد من الجامعات، بالقدر الذي نسعى إلى تطوير واقع الصحافة العلمية العربية.
لكن مستقبل الصحافة العلمية العربية مسؤولية وأمانة تقع على عاتقنا جميعاً؛ فاعتماد الصحافة العلمية باعتباره تخصصاً جامعياً يعني أننا ننتظر تخريج أجيال من الصحفيين المتخصصين لإحداث نقلة نوعية في المجال، وأتوقع أن يكون لهم إسهامات كبيرة.
– عملتَ مديراً للإعلام والاتصال في مؤسسة الصحافة الإنسانية المهتمة بربط الإعلام بقضايا الإنسان.. كيف يمكن تعزيز الجانب الإنساني في القصص البيئية؟
"أنسنة الإعلام" وجعل القصص والمواد الصحفية قريبةً من الإنسان، تلمس احتياجاته وتُطوِّر من وعيه، هو محور هذه المهنة السامية؛ فاليوم أصبحت التغيرات المناخية تهدد حياة الناس.. أعاصير وفيضانات هنا، وحرائق هناك شهدتها البلدان العربية خلال العامين الماضيين، ولا ندري ماذا يحمل المستقبل في ظل تصاعد مخاطر التغيرات المناخية.
ومن المهم أن يعرف الإنسان على الأقل أساسيات التعامل مع البيئة، كالحد من التلوث، وأهمية الزراعة، ومخاطر التصحر والاحتطاب، وغير ذلك من القضايا التي يستطيع من خلالها الحفاظ على البيئة المحيطة.
وأؤكد أن كل إنسان مسؤول عن الحفاظ على البيئة، ومواجهة التغيرات المناخية، والحد من التلوث؛ فالمسؤولية تقع على عاتق الجميع.
– ماذا عن إشراك الجمهور في المبادرات الصحفية البيئية؟ وكيف يمكن الاستفادة من فكرة "صحافة المواطن" في هذا النوع من المحتوى؟
لديَّ وجهة نظر أخرى في هذا الأمر، وهي أنه لا يوجد في قاموس الصحافة العلمية ثقافة العاجل والأخبار السريعة؛ إذ تعتمد على معلومات دقيقة ورصينة ومبسطة للمواطن، ومن الممكن أن يساهم المتخصصون في البيئة أو العلوم المختلفة في نشر الوعي العلمي على مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها من المنصات. وهنا يحتاج الأمر إلى أن يخرج الباحث أو المتخصص من اللغة العلمية المعقدة إلى استخدام مصطلحات بسيطة قريبة من المتلقي.
أما عن إشراك الجمهور فالأمر يختلف حسب نوع هذا الجمهور؛ فمن الممكن أن يكونوا شهود عيان على ظاهرة بيئية مثلاً، كما أرى أنه يمكن إشراك المجتمع في التوعية البيئية من خلال النزول الميداني إلى المدارس والجامعات على سبيل المثال، أو تنظيم الفعاليات الشبابية التي تحفز المجتمع وترفع من وعيه البيئي والعلمي.
– اليمن ضمن أكثر الدول تضرراً من التغير المناخي، ومن ثم تبرز أهمية الدور الذي تلعبه الصحافة البيئية.. ما أهم التحديات التي تواجه الصحفيين هناك لإنتاج قصص بيئية؟
نعم، اليمن يواجه فيضانات وأعاصير شبه سنوية، وخاصةً الشريط الساحلي الواقع على بحر العرب، كما أن هناك تقارير تشير إلى أن مدينة عدن مهددة بالغرق، وفي الوقت نفسه يفتقر اليمن إلى السلام المستدام الذي يسمح بعمل استراتيجيات وتنفيذ البرامج والآليات التي تسهم إسهاماً حقيقياً في التصدي للتغيرات المناخية، لكن هناك جهوداً تبذلها دول الجوار، والحكومة، ومنظمات المجتمع المدني لمواجهة الظاهرة.
وهناك تحديات كبيرة يواجهها الصحفيون لإنتاج قصص بيئية في اليمن؛ أبرزها ضعف البنية التحتية وشبكة الإنترنت؛ ما يجعل الكثير من الدراسات البحثية حبيسة الورق، وبعيدة عن العالم الرقمي، ويحرم الكثير من الصحفيين من المشاركة في الفعاليات والتدريبات التي تُقَام عبر الإنترنت، إضافةً إلى صعوبة توافر بعض الخدمات الأساسية كالكهرباء، وصعوبة التنقل بين المدن؛ ما يشكل تحدياً كبيراً أمام الصحفي البيئي للحصول على المعلومة التي يبحث عنها.
– الكوارث الطبيعية تشكل خطراً على حياة الصحفيين أنفسهم.. كيف يمكن تأهيلهم للتعامل مع مثل هذه الظروف؟
من وجهة نظري، هذه مسؤوليتنا جميعاً؛ فتدريب الصحفي على السلامة المهنية أمر بالغ الأهمية، من خلال إقامة ورش تدريبية متخصصة في تغطية الكوارث البيئية، وكيفية استغلال التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، مثل استخدام طائرة "الدرون" التي أصبحت تنقل لنا الصورة ونحن بعيدون عن منطقة الخطر، إضافة إلى الاستفادة من المواقع التي توفر المعلومات عبر الإنترنت، والتنسيق مع السلطات والمتخصصين للحصول على المعلومة.. باختصار، "سلامة الصحفي أولاً".
– الكوارث الطبيعية قد تؤثر كذلك على سير العمل داخل المؤسسات الصحفية.. كيف يمكن تعزيز قدرة المؤسسات على مواجهة هذا الخطر؟
كما ذكرنا في السابق، الصحافة البيئية والعلمية بحاجة إلى تبني ودعم من الحكومات والمجتمع الدولي ومنظمات المجتمع المدني، والإيمان أيضاً بأن هذا المجال مسؤولية مجتمعية قبل أن يكون مصدراً للربح.
– ما الدور الذي يمكن للباحثين في مجال البيئة القيام به عند التعامل مع وسائل الإعلام لتوصيل رسالتهم بالطريقة الصحيحة؟
لا يمكن إتمام جهود رفع الوعي البيئي أو العلمي دون تعاون بين مصدر المعلومة ومن يُبسِّطها للجمهور؛ فأحد أهداف الشبكة العربية للصحافة العلمية هو سد الفجوة بين الصحفي والباحث، من خلال إقامة الندوات والمؤتمرات، وغيرهما من الطرق.
– هناك ندرة في الدراسات العربية المتعلقة ببعض القضايا البيئية ومن ثم يلجأ الصحفيون إلى الاستعانة بدراسات أجنبية.. ما دور المبادرات الصحفية العلمية في علاج هذه المشكلة؟
في الحقيقة هناك دراسات عربية كثيرة في المجال، لكنها حبيسة الورق، ولم تدخل العالم الرقمي، وعلى المبادرات الصحفية العلمية العمل مع الجامعات ومراكز الأبحاث لرقمنة الدراسات، إضافة إلى العمل على ترجمة الدراسات الأجنبية، وتشجيع الباحثين العرب على الكتابة باللغة العربية، وهذا الأمر ليس سهلاً، فلا بد من دعم وتبني الحكومات والمجتمع الدولي مثلَ هذه الأفكار والبرامج لتُترجَم على أرض الواقع.
– عايشتَ مؤخراً –خلال زيارة طويلة– التجربة الصينية في الاستدامة ومكافحة التغيرات المناخية.. ماذا رصدتَ خلال رحلتك؟
خلال رحلتي، زرت ميناء تيانجين الصيني، وهو أحد الموانئ الاستراتيجية، ويعمل بأسلوب ذكي وصديق للبيئة، ويعتمد تماماً على الطاقة الكهربائية، ويعمل ذاتياً دون تدخل للإنسان؛ بدايةً من وصول السفينة وحركة الرافعات والنقل داخل الميناء، إلى وصول الحاويات خارج الميناء ونقلها إلى مدن أخرى والعكس.
وهناك تجربة أخرى شهدتها مدينة تيانجين كذلك بإقامة مدينة ذكية مصغرة مساحتها قرابة 70 كيلومتراً مربعاً، ولا تعتمد إلا على الطاقة الكهربية، وكافة الخدمات الحكومية تعمل بذكاء "دون تدخل الإنسان" عدا غرفة تحكم ومراقبة.
كما زرنا في مقاطعة نينجشيا بمدينة ينتشوان مشروعات مكافحة التصحر وتحويل الصحراء إلى غابات، وشاهدنا كيف كانت قبل عامين صحراء واليوم أصبحت غابات مليئة بالأشجار. ولفت انتباهي خلال رحلة السفر من العاصمة بكين إلى جوانزو عبر القطار السريع، وجود مساحات خضراء، وبحيرات، وأنهار، إضافة إلى توربينات الرياح.
إضافة إلى ذلك، رصدنا وعياً بيئياً لدى المواطن الصيني، مثل إعادة التدوير والحد من التلوث والحرص على نظافة الحدائق.
وهناك برامج ومبادرات صينية عديدة تدعم الجهود في مواجهة التغيرات المناخية خارج الصين، وتُخصِّصها لدول العالم الثالث، وأنصح زملائي الصحفيين المهتمين بالبيئة بزيارة الصين؛ لمعرفتها عن كثب.
وأخيراً.. أود أن أُعرِب عن تقديري وامتناني الكبير لكل الزملاء الصحفيين والصحفيات في مختلف الدول العربية الذين ساهموا، ويسهمون بشكل إيجابي في رفع الوعي العلمي العربي، وأقول لهم: "جهودكم قيِّمة"، وأشدد على ضرورة العمل المشترك الذي يسعى إلى تطوير واقع الصحافة العلمية والوعي العلمي العربي.