إن كنت من محبي الأعمال الفنية الرمضانية، فأنت من المؤكد محاصر بفواصل الإعلانات الطويلة التي تروج لسلع وخدمات قد لا يربطها شيء سوى السعي إلى لفت انتباهك لاتخاذ قرار الشراء.
بمرور الزمن، تطور الأمر وأصبح للإعلانات جمهور منفصل ينتظرها، ويقضي أوقاتا طويلة يناقش محتواها على المنصات المختلفة، كما باتت الإعلانات تلاحق المستخدمين عبر الوسائل الرقمية ولم يعد التلفاز هو المسيطر على وسائل الترويج.
جوانب مختلفة للعلاقة بين عالم التسويق والتغيرات المناخية، فمن ناحية يساهم التسويق بطرق مختلفة في تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري وما يليها من ظواهر طبيعية، لكن في الوقت نفسه يراه البعض طريقاً يمكن من خلاله توعية الجمهور بالمخاطر المختلفة، وهو ما يطلق عليه التسويق الاجتماعي.
تتجاوز الانبعاثات الناتجة عن عمليات التصوير والتنقل للمقطع الإعلاني الواحد ما يعادل 200 طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون
صناعة الإعلانات والبيئة
تبدأ الآثار البيئية لصناعة الإعلانات منذ اللحظة الأولى لعملية الإنتاج، بداية من مرحلة التصوير التي قد تتطلب التنقل لمسافات طويلة، ما يعني انطلاق انبعاثات غازات الدفيئة عبر وسائل المواصلات، والمزيد منها في حال السفر إلى الخارج، علاوة على الطاقة المستهلكة خلال عملية التصوير.
ووفقا لموقع Martech، فقد تتجاوز الانبعاثات الناتجة عن عمليات التصوير والتنقل للمقطع الإعلاني الواحد ما يعادل 200 طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
إعلانات الإنترنت والبيئة
سواء شاهدت الإعلانات على شاشة التلفاز أو على الوسائل الرقمية، فهذا يعني استهلاك كميات من الطاقة لتشغيل تلك الوسائل، وبالتالي المزيد من الإضرار بالبيئة في وقت لازال فيه الوقود الأحفوري مصدر رئيسي لتوليد الطاقة حول العالم.
لكن التأثير يتفاقم عند المشاهدة عبر الإنترنت، فمشاهدة مقاطع الفيديو باختلاف أنواعها لها النصيب الأكبر من حجم الزيارات الرقمية، ويصل إجمالي الانبعاثات الناتجة عنها 300 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون سنوياً، وهو ما يعادل 1% تقريبا من إجمالي الانبعاثات العالمية، وفقاً لإحصائيات مركز The shift Policy، وهو مركز بحثي فرنسي غير ربحي معني بمواجهة التغيرات المناخية.
الحملة الإعلانية الرقمية تتسبب في انبعاث 5.4 طن من ثاني أكسيد الكربون إلى الغلاف الجوي، وفقا لـ"Good loope"، لكن باحتساب جميع الخطوات بداية من تنفيذ الإعلان حتى نشره على الإنترنت فالأمر يتجاوز 300 طن للحملة الواحدة، وهو ما يعادل الانبعاثات الناتجة عن 160 رحلة طيران من العاصمة الفرنسية باريس إلى مدينة نيويورك الأمريكية ذهاباً وإياباً.
هناك جانب مظلم آخر وهو حجم الإعلانات التي يشاهدها الجمهور دون أن يلتفت إليها، ففي بحث أجرته مؤسستا " Scope3" و "Playground xyz" بالاستعانة ببيانات تتبع العين من خلال الذكاء الاصطناعي، رصدت أن 40% من الإعلانات الإلكترونية لا يجري مشاهدتها خلال عرضها على الشاشة.
الدراسة كشفت كذلك أن ما يزيد عن 15% من الإنفاق الإعلاني في الوسائل الرقمية يضيع دون تحقيق قيمة حقيقية للمعلنين.
الحل كان في حذف الإعلانات التي ينخفض مدة الالتفات إليها عن 0.5 ثانية، لتكشف التجربة عن فعاليتها في انخفاض إجمالي الانبعاثات الناتجة، وفقا لموقع Performance Marketing.
عند النظر إلى المنطقة التي نعيش فيها، سنجد أن حجم الإنفاق على الإعلانات الإلكترونية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ارتفع من 156 مليون دولار في عام 2010 إلى أكثر من 5 مليار دولار في 2022، مع توقعات بالاقتراب من 8 مليار دولار، وفقا لموقع "Statista" للإحصائيات.
شهدت الولايات المتحدة إنفاق نحو 13 مليون دولار في 2021 على منتجات اللحوم الجاهزة، رغم الأضرار البيئية لإنتاجها والتي تشمل استنزاف مساحات واسعة من الأراضي لرعي الماشية التي تطلق بدورها غاز الميثان
الإعلانات والاستهلاكية
صناعة الإعلانات تواجه اتهامات أخرى بدفع العالم على مدار العقود الماضية إلى المزيد من الاستهلاك، وروجت لنمط حياة غير صديق للبيئة مليء بالسلع والمنتجات المبهرة ظاهريا.
رصد تقرير نشرته منظمات معنية بالتغير المناخي هي معهد The new Weather، ومؤسسة Possible، ومؤسسة KR ، ما توصلت إليه الأبحاث حول ارتباط تفاقم النظرة المادية بين فئات عمرية مختلفة وبين التعرض للإعلانات.
العديد من السلع التي يدعو نشطاء المناخ إلى تجنبها مازالت تلاحق المستهلكين عبر القنوات التسويقية.
على سبيل المثال شهدت الولايات المتحدة إنفاق نحو 13 مليون دولار في 2021 على منتجات اللحوم الجاهزة، رغم الأضرار البيئية لإنتاجها والتي تشمل استنزاف مساحات واسعة من الأراضي لرعي الماشية التي تطلق بدورها غاز الميثان وهو أحد غازات الدفيئة.
التوعية البيئية
هناك جانب آخر من الأمر وهو كيفية الاستعانة بالتسويق في رفع الوعي بالمخاطر المناخية.
تقول الدكتورة ثريا البدوي الأستاذ بقسم العلاقات العامة والإعلان بكلية الإعلام بجامعة القاهرة إن الاستراتيجية الأنسب لعمل الإعلانات الاجتماعية التي تستهدف رفع الوعي البيئي هي استراتيجية "الإعلام" عن طريق تقديم المعلومات للفئات المستهدفة، ومخاطبة كل فئة حسب ما يناسبها، إلى جانب التواصل الشخصي عبر الندوات.
بحسب رأيها، لابد أن تشمل هذه الحملات الإعلامية خطوات عملية تساعد الجمهور على تقليل آثار التغيرات المناخية، مثل كيفية التخلص من البلاستيك.
وأكدت على ضرورة إطلاق حملات إعلامية بيئية تعرف الجمهور على الآثار المترتبة بالتغيرات المناخية، التي تنعكس مباشرة على حياتهم الشخصية مثل فقدان الرجال لوظائفهم وما قد ينتج عنه من زيادة العنف ضد المرأة، أو تدهور صحة الأب ما يدفع بالأم والأبناء إلى العمل.
أضافت أن الإعلانات أدت في وقت من الأوقات إلى زيادة النزعة الاستهلاكية، ورفع معدلات الإحباط لدى بعض فئات من الناس لدرجة وصلت إلى وقوع جرائم، لكن الأزمة الاقتصادية العالمية قللت من تأثيرها على المستهلكين العاديين الذين باتوا يفكرون في الاحتياجات الأساسية، وبالتالي فالإعلانات التي تهتم بهذه الاحتياجات هي التي ستحظى بالاهتمام، وأن هناك من يهتم بالجوانب الفنية والدرامية للإعلان بما في ذلك الموسيقى والملابس، دون الالتفات إلى المنتج.
الاستفادة مازالت محدودة
وعن مدى الاستعانة بالتسويق في مواجهة أزمة المناخ، تقول الدكتورة فتحية صبري المدرس بقسم العلاقات العامة والإعلان بكلية الإعلام جامعة القاهرة إنه رغم إطلاق العديد من المبادرات البيئية مؤخرا، إلا أن الاهتمام مازال محدودا مقارنة بما وصلت إليه الأوضاع البيئية.
وتؤكد صبري لـ "جرين بالعربي" ضرورة وضع خطة متكاملة لرفع مستوى الوعي، قائلة: "كل فرد يؤثر في البيئة، ولابد من أن يدرك هذا التأثير، ويتعلم كيف يمكن الحد منه في البداية، وصولاً إلى محو هذا التأثير، بداية من الفرد حتى المؤسسات والدول.
هناك أفكار أخرى ظهرت مؤخراً لتعريف الناس بمدى ملائمة السلعة للمعايير البيئية، عبر تقييمات توضع على المنتج نفسه، ففي دراسة لجامعتي "هارفارد" و"جون هوبكنز" رصد الباحثون فعالية إضافة هذه التقييمات على الطعام، لدرجة دفعت المزيد من المشاركين لاختيار أطعمة أفضل بيئيا، بفارق وصل إلى 23% مقارنة بعدم وجود تلك التقييمات.
عن مدى فعالية الاستعانة بهذه الفكرة من خلال الإفصاح عن الآثار البيئية للمنتج خلال الإعلانات، تقول الدكتورة فتحية صبري إنه من الوارد استخدام تلك الطريقة في المستقبل بالتزامن مع زيادة الاهتمام بالبيئة، إذ سيصبح المستهلك واعياً بمدى تأثيره عليها، وسيطلب من الشركات الالتزام بدورها.
وأكدت على فعالية الفكرة، ومناسبتها للمجتمعات العربية التي تشهد تصاعد في حالة الوعي، علاوة على ارتباط القضايا البيئية بصحة الإنسان وهي أغلى ما يملك، وطبيعة البشر في تجريب كل ما هو جديد، والتأثر بما ينتشر في دول الغرب.