د. محمد بن يخلف
باحث في علوم البيئة والتغيرات المناخية (المغرب)
السياق العام
يُشكِّل الأمن المائي تحدياً محوريّاً أمام تنمية منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا واستقرارها، وهو تحدٍّ يثير قدراً من الاهتمام يتجاوز حدود قطاع المياه بكثير؛ لذا يحدونا الأمل أن يثير هذا الموضوع نقاشاً جديّاً على أعلى المستويات؛ لا بين جمهور المتخصصين والخبراء والمجتمع المدني فحسب، بل أيضاً بين صناع القرار، ومن ضمنهم ممثلو الحكومات والقطاع الخاص.
تتجلَّى أهم التحديات، في الوقت الراهن، في التطور السريع الذي شهده السياق السياسي والاقتصادي والاجتماعي والبيئي في العالم العربي، وهو السياق الذي يتسم بارتفاع معدلات الزيادة السكانية (البالغة نحو 2 في المائة سنويّاً)؛ حيث يُتوقَّع أن يتضاعف عدد سكان المدن في المنطقة بحلول عام 2050 إلى نحو 400 مليون نسمة.
كما أن الاستهلاك المتزايد، مقروناً بالمياه المقوَّمة بأقل من قيمتها، وعدم كفاية ترتيبات الحوكمة وضعف الإنفاذ، يؤدي إلى نضوب موارد المياه، ولا سيما المياه الجوفية، بمعدل غير مسبوق.
ويُشكِّل تغيُّر المناخ مجموعة أخرى من الضغوط على هذا السياق السريع التطور؛ حيث تستدعي آثار تغيُّر المناخ السلبية على كميات المياه المتاحة، تدابير عاجلة لتخصيص المياه واستخدامها بأسلوب أكثر حكمةً.
كما يُسفِر تغيُّر المناخ أيضاً عن ظواهر مناخية متطرفة أكثر تكراراً وأشد قسوةً، وهذا سيزيد بدوره من مخاطر الجفاف والفيضانات(5).
مفهوم الأمن المائي
يهدف الأمن المائي العربي إلى حماية الموارد المائية العربية كمّاً ونوعاً، سواء أكانت ذات مصدر داخلي أم خارجي، واتخاذ خطوات فاعلة لتنمية هذه الموارد، وترشيد استخدامها لمواجهة العجز المائي والمحافظة على البيئة والموارد لأجيال الحاضر والمستقبل(1).
يُعَد موضوع الأمن المائي العربي من الموضوعات الاستراتيجية الحيوية المهمة التي تشغل اهتمام الباحثين بمختلف اختصاصاتهم، والمهتمين بالشؤون المائية والبيئية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية؛ وذلك نظراً للأهمية الكبيرة التي تحتلها مسألة المياه في الوطن العربي التي تتصف بالمحدودية والندرة، وخاصةً مع تزايد الضغط السكاني في البلدان العربية، والتوسع الكبير في استخدام المياه، سواء في الصناعة والزراعة، أو في مجال الاستهلاك المنزلي وغيره(2).
يكتسب موضوع المياه أهمية خاصة في الوطن العربي بالنظر لمحدودية المتاح منها، كمياه الشرب وطبقاً للمؤشر الذي يُفضي إلى أن أي بلد يقل فيه متوسط نصيب الفرد فيه من المياه سنويّاً عن 1000–2000 متر مكعب، يعتبر بلداً يعاني من ندرة مائية. وبناءً على ذلك، فإن 13 بلداً عربيّاً تقع ضمن فئة البلدان ذات الندرة المائية. وهذه الندرة في المياه تتفاقم باستمرار بسبب زيادة معدلات النمو السكاني العالية. ويوضح تقرير البنك الدولي لسنة 1993 أن متوسط نصيب الفرد السنوي من الموارد المائية المتجددة والقابلة للتجدد في الوطن العربي (مع استبعاد مخزون المياه الكامنة في باطن الأرض) سيصل إلى 667 متراً مكعباً في سنة 2025 بعدما كان 3430 متراً مكعباً في سنة 1960؛ أي بانخفاض بنسبة 80%.
أما معدل موارد المياه المتجددة سنويّاً في المنطقة العربية فيبلغ حوالي 350 مليار متر مكعب، وتغطي نسبة 35% منها عن طريق تدفقات الأنهار القادمة من خارج المنطقة؛ إذ يأتي عن طريق نهر النيل 56 مليار متر مكعب، وعن طريق نهر الفرات 25 مليار متر مكعب، وعن طريق نهر دجلة وفروعه 38 مليار متر مكعب.
وتحصل الزراعة المروية على نصيب الأسد من موارد المياه في الوطن العربي؛ حيث تستحوذ في المتوسط على 88%، مقابل 6.9% للاستخدام المنزلي، و5.1% للقطاع الصناعي.
وقد حدد معهد الموارد العالمية منطقة الشرق الأوسط بالمنطقة التي بلغ فيها عجز المياه درجة الأزمة، وأصبحت قضية سياسية بارزة، خاصةً على امتداد أحواض الأنهار الدولية(3).
مفهوم ندرة المياه
يمكن تعريف ندرة المياه بأنها نقص المياه الكافية، أو عدم القدرة على الوصول إلى إمدادات المياه الصالحة للشرب.
وسواء كان ذلك بسبب الجفاف أو عدم القدرة على الوصول إلى المياه النظيفة، فإن أكثر من مليار شخص حول العالم يعانون نقصاً في توافر المياه النظيفة(4).
وفي هذا الصدد، فإن المنطقة العربية هي المنطقة الأشد ندرةً في المياه على مستوى العالم، (انظر الجدول)(5).
نسبة السكان المعرضين لإجهاد مائي مرتفع أو مرتفع جدّاً
نسبة الناتج المحلي الإجمالي المعرض لإجهاد مائي مرتفع أو مرتفع جدّاً
المنطقة العربية (الشرق الأوسط وشمال إفريقيا)
المصدر: التقديرات فيما يخص الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من البنك الدولي. تم الحصول على المتوسطات العالمية من شركة فيوليا للمياه والمعهد الدولي لبحوث سياسات الأغذية 2011.
الندرة المادية للمياه:
تحدث الندرة المادية للمياه عندما لا يكون هناك كمية كافية من المياه لتلبية الطلب عليها. ويعيش الآن نحو 20 في المائة من سكان العالم في ندرة مادية للمياه، يُعرِّفها الخبراء بأنها تلك المناطق التي يتجاوز فيها استهلاك المياه 75 في المائة من التدفقات النهرية. وقد يكون ذلك نتيجة لظروف محلية جافة أو قاحلة، ولكن التوزيع يلعب أيضاً دوراً. فقد يبدو مصدر مياه النهر وفيراً، ولكن الإفراط في استخدامه وإدارته يؤدي إلى إيجاد حالة ندرة مادية للمياه خطيرة للغاية بطول مجرى النهر.
الندرة الاقتصادية للمياه:
في دول العالم النامي، غالباً ما يكون العثور على مصدر موثوق للمياه الصالحة للشرب أمراً يتطلب كثيراً من الوقت وكثيراً من المال، وهذا هو ما يُعرَف باسم الندرة الاقتصادية للمياه. ويحدث ذلك عندما تكون المياه متوافرة، ولكن الوصول إليها يتطلب موارد غير متاحة.
إن ندرة المياه ستستمر في الزيادة في جميع أنحاء العالم مع استمرار سكان العالم في النمو. يعيش الآن أكثر من 1.2 مليار شخص في مناطق الندرة المادية للمياه، بينما يواجه 1.6 مليار شخص الندرة الاقتصادية للمياه، وهذه أرقام ضخمة جدّاً. ومع استمرار زيادة عدد السكان في العالم سيكون هناك مزيد من المشكلات(4).
أين تتجلى ندرة المياه في المنطقة العربية؟
تواجه المنطقة العربية تحديات متنامية في قطاع المياه، فلا عجب أن يتم تصنيفها من أكثر المناطق ندرةً له على مستوى العالم؛ حيث تشير إحصائيات سنة 2011، إلى أن حصة الفرد الواحد من المياه العذبة بلغت 500م3/سنة، بعد أن كانت تقدر بـ2000م3/سنة، سنة 1960. وستستمر هذه الحصة في التراجع السريع والمخيف إلى أن تصل إلى 250م3/ساكن/سنة بحلول سنة 2050(6).
وبهذا الخصوص، تناقلت بعض وسائل الإعلام تصريحاً منسوباً لوزير البيئة الأردني، كشف فيه أن بلاده "ثاني" أفقر بلد في العالم بالنسبة لحصة الفرد؛ حيث "تراجعت الحصة الفردية في 2016 إلى 120 متراً مكعباً في السنة".
وهنا يجب التفريق بين مفهومَي "الفقر المائي" و"العجز المائي"؛ فمثلاً "الأردن فقير مائياً، ولكن العراق غني بالموارد المائية، إلا أنه عاجز مائيّاً" بسبب سوء الإدارة المائية، ووصل الأمر إلى شح في مياه الشرب في بعض مناطق جنوب العراق(7).
وقد بلغت أعداد الدول العربية الواقعة تحت خط الفقر المائي (أقل من ألف متر مكعب للفرد سنويّاً) 19 دولة منها 14 دولة تعاني شحّاً حقيقيّاً في المياه؛ إذ لا تكفي المياه سد الاحتياجات الأساسية لمواطنيها، ولأن المنطقة العربية تقع جغرافيّاً ضمن المناطق الجافة وشبه الجافة، فإن 30% من أراضيها الصالحة للزراعة مُعرَّضة للتصحر؛ بسبب نقص المياه(8).
وتُسمَّى المنطقة العربية بمثلث العطش؛ حيث تحتوي على أقل من 7% من مخزون المياه العالمي، وعلى أقل من 1% من نسبة المياه الجارية (المياه السطحية). أما بالنسبة للأمطار التي تتساقط عليها، فهي لا تتجاوز 2% من المعدل العالمي(6).
لماذا الأمن المائي في المنطقة العربية؟
لأن الأمن المائي العربي مهدد؛ وذلك للأسباب التالية:
تضاعف استهلاك العالم العربي من المياه خمس مرات خلال الخمسين عاماً الماضية. وينحصر الاستهلاك الحالي في مجالات الزراعة والصناعة والشرب. ويُقدَّر الاستهلاك السنوي بحوالي 230 مليار متر مكعب، منها 43 مليار متر مكعب يستهلكها في الشرب والصناعة و187 مليار متر مكعب في الزراعة.
وجود منابع أو مرور أهم مصادر المياه العربية المتمثلة في الأنهار الكبيرة في دول غير عربية، كما هو الحال في نهر النيل بمنابعه الإثيوبية والأوغندية، وفي نهر دجلة بمنابعه التركية والإيرانية، وفي الفرات بمنابعه التركية، وأخيراً كما هو الحال في نهر الأردن بمنابعه الخاضعة لسيطرة إسرائيل، وهو ما يجعل خطط التنمية الاقتصادية مقيدة بتصرفات الدول التي تنبع منها المياه، كما يمكن أن يؤدي ذلك إلى جعل المياه وسيلة ضغط تُستخدَم ضد الدول العربية في ظل الخلافات السياسية بين تلك الدول أو عند تعارض المصالح فيما بينها.
احتمال نشوء نزاعات إقليمية بين دول عربية تمر بها نفس الأنهار؛ حيث يمر نهر النيل بمصر والسودان، ويشترك الأردن وسوريا ولبنان في نهر الأردن، كما تشارك سوريا العراق في نهر الفرات.
الزيادة السكانية المطردة التي يقابلها تناقص في نصيب الفرد من المياه بسبب محدودية مواردها؛ حيث يشير إحصاء تقديري لتعداد السكان في العالم العربي عام 2030 إلى زيادة تقدر بثلاثة أمثال ما كان عليه عام 1990.
العجز المستمر في الطاقات الإنتاجية واللجوء المستمر للعالم الخارجي لسد النقص الغذائي المحلي، وفي ظل ارتفاع أسعار المواد الغذائية على مستوى العالم، ولجوء بعض الدول إلى استغلال الحبوب في إنتاج الوقود؛ فإن الأمور سوف تزداد تعقيداً في العالم العربي، ويصبح التوسع الزراعي هو المخرج الوحيد، وهذا لن يتم إلا بحل مشكلة المياه.
ضعف القدرة المالية لدى بعض الدول العربية للبحث عن حلول بديلة في مواجهة نقص المياه مقابل الزيادة السكانية المستمرة، وتأثير ذلك على اقتصاد البلاد وتنميتها وأمنها.
الجهد المائي: في عام 2015 قدم "معهد الموارد الدولي" – وهو مؤسسة بحثية مستقلة مقرها الرئيسي في واشنطن – صورة قاتمة عن الوضع المائي في العالم العربي. وفي تقرير المعهد، الذي تتركز نشاطاته في ستة مجالات، هي الغذاء والغابات والماء والطاقة والمدن والمناخ، تم تصنيف الدول الـ33 الأكثر تضرراً في العالم من نقص الموارد المائية بحلول عام 2040.
وبحسب التقرير، جاءت البحرين وقطر والكويت في المراكز الثلاثة الأولى، بينما حلت السعودية وعُمان ولبنان في المراكز التاسع والعاشر والحادي عشر على التوالي. وجاء الأردن في المركز الرابع عشر، وليبيا في المركز الخامس عشر، واليمن في السادس عشر، فيما حلت سوريا في الترتيب الخامس والعشرين. أما دول المغرب والجزائر وتونس فقد احتلت المراكز التاسع عشر، والثلاثين، والثالث والثلاثين على الترتيب(7).
التحديات التي تواجه الأمن المائي العربي
إن الوضع المائي في المنطقة العربية والعالم حرِج بسبب حدة الخلافات حول تقسيم المياه؛ ما أثار قلقاً دوليّاً حيال هذه المسألة، انعكس وبشكل واضح في عدة مناسبات، وفي عدة مؤتمرات عُقدت لدراسة هذه المشكلة وإمكانية وضع الحلول المناسبة لها، وهي المؤتمرات التي تكررت فيها تحذيرات منظمة الأمم المتحدة للعالم من نقص المياه والتلوث البيئي في المدن الكبرى على وجه الخصوص.
فقد أشار التقرير الافتتاحي لمؤتمر إسطنبول إلى أن أكثر من مليار ونصف المليار (من البشر) سيواجهون في عام (2025) ظروفاً تُهدِّد حياتهم وصحتهم بالخطر إذا لم يتم اتخاذ تدابير جذرية لحل المشكلات المتفاقمة في هذا المجال، وانعكاسات ذلك على زيادة الفقر والتشرد والبطالة وانهيار القيم الاجتماعية لمجاميعهم الكبيرة.
لقد قدر التقرير عدد الوفيات الناتجة من تناول مياه الشرب الملوثة في كافة مدن العالم الثالث بعشرة ملايين حالة وفاة سنوياً، يشمل المياه على مدن المنطقة العربية، بل يشمل مدناً أوروبية عديدة؛ حيث تقدر إحصائيات الأمم المتحدة عدد الذين لا يحصلون على مياه الشرب الصحية بأكثر من مليار إنسان.
إن علماء المناخ والمتخصصين يقرعون ناقوس الخطر من ارتفاع حرارة الأرض؛ حيث يُعتقد أن هناك علاقة مباشرة له بحالات الجفاف في المناطق التي لم تشهد حالات جفاف من قبل، كالشمال الأوروبي(1).
الاستراتيجيات المستقبلية لتحقيق الأمن المائي في المنطقة العربية
بناءً على المعطيات السابقة، فإن الأوضاع المائية المعقدة في الدول العربية، التي تتمثل في شح الموارد من مصادرها المختلفة الداخلية والخارجية، والأخطار المتوقعة في ضوء التغيرات البيئية والمناخية التي يشهدها العالم وتأثيراتها على معدلات الأمطار، بالإضافة الى ما تتعرض له المياه الدولية من أخطار؛ تتطلب استراتيجية ورؤية موحدة، واتخاذ جملة من الإجراءات لحماية الحقوق العربية في المياه، والحفاظ على الأمن المائي ومستقبل الأجيال. وتشتمل أهم هذه الإجراءات على:
اعتماد سياسة مائية عربية مشتركة تُحتِّمها الظروف المستقبلية للوطن العربي لسد العجز المائي في عام 2030.
الاتفاق على أسس محددة لاستثمار المياه المشتركة بين الدول العربية ذاتها.
ترشيد استخدامات المياه السطحية والجوفية لتحقيق توازن بين الموارد المتاحة والطلب على المياه.
استعمال الوسائل التقنية التي تسهم في ترشيد الاستهلاك المائي في مجالاته المختلفة.
تشجيع التعاون الفني في مجال بحوث المياه وتطوير نظم المراقبة والتحكم وتبادل المعلومات وحماية المصادر المائية من التلوث والاستنزاف للوصول إلى إدارة متكاملة للموارد المائية المشتركة تهدف إلى تحقيق التنمية المستدامة لكافة الدول المتشاطئة في إطار اتفاقات مائية نهائية.
رفع درجة الوعي لدى فئات المجتمع كافة، بما فيها منظمات المجتمع المدني حول قضايا المياه والبيئة وإشراكها في عملية اتخاذ القرار وتعميق ثقافة الحفاظ على المياه(9).
إن انتهاج سياسات مائية ناجعة تنظر الى المياه كمورد حياتي وتنموي، وتعتمد في إدارة الطلب على المياه على منظور اقتصادي واجتماعي يراعي التوازن بين توفير الاحتياجات وتحقيق أكبر عائد من استثمار المورد المائي؛ دفع بالعديد من الدول العربية، خاصةً التي تعاني من شح المياه، إلى وضع استراتيجيات على المديين المتوسط والبعيد، رُصدت لها مليارات الدولارات لجلب المياه من أماكن أخرى، أو تخزينها، أو إعادة استعمالها، أو حتى تحويلها من ماء مالح كماء البحر، إلى ماء عذب. وهنا نذكر على سبيل المثال لا الحصر:
تستثمر الدول العربية، وعلى رأسها دول الخليج، في تقنية بناء محطات لتحلية مياه البحر رغم تكلفتها المادية والبيئية المرتفعة (نحو 60% من الاستثمارات في هذا المجال).
تعتمد دول مجلس التعاون الخليجي على التحلية بنسبة تصل إلى 80% كمصدر أساسي لمياه الشرب.
أنفقت دول الخليج العربي مجتمعة حوالي 35 مليار دولار من أجل إنشاء 550 محطة للتحلية خلال العشرين سنة الأخيرة. وتعتبر محطة "رأس الخير" السعودية أكبر محطة لتحلية ماء البحر في العالم، بقدرة إنتاجية تقدر بأكثر من مليون متر مكعب يوميّاً.
يشكل تدوير المياه العادمة في المغرب حلّاً حقيقيّاً لري بعض المساحات الخضراء؛ لأن السقي لا يتطلب كثيراً من المعالجة مقارنةً بالمياه الموجهة نحو الشرب، بالإضافة إلى أن هذه المياه العادمة تشكل المورد الطبيعي الوحيد الذي يزداد مع نمو المدن والسكان. وفي هذا الصدد، يسعى المغرب مثلاً إلى إعادة استعمال ما يناهز 325 مليون متر مكعب سنويّاً في أفق 2030.
أطلقت مصر والأردن ولبنان في 2018 مشروعًا إقليميّاً يمتد على مدى 4 سنوات لإعادة الاستخدام الآمن لمياه الصرف المعالَجة. وتسعى هذه المبادرات جميعها إلى تقوية القدرات في هذا المجال في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، على اعتبار أن 82% من إجمالي المياه المستخدمة تبقى بلا إعادة تدوير، مقارنةً مع حوالي 70% في بعض الدول الغربية(10).
خلاصة:
على الرغم من أن تحديات الموارد ستظل مضنيةً، فإن المنطقة العربية أمامها فرصة لتفادي الأسوأ وعدم الوقوع في أزمة الندرة الحادة في المياه؛ لهذا أضحى ضروريّاً قيام جميع الدول العربية دون استثناء بإجراء مسح شامل ودقيق للثروة المائية العربية؛ لتوفير قاعدة معلوماتية تتعلق بمصادر المياه في الوطن العربي واستخداماتها الحالية والمستقبلية، وتوجيه البحوث العلمية إلى مسألة المياه ومصادرها؛ لأن هذا المسح يشكل المدخل العلمي والسياسي الرئيسي الذي يؤدي إلى وضع استراتيجية عربية مائية متكاملة ومنسجمة مع السياسات الاقتصادية والاجتماعية الخاصة بالري والصناعة وتوليد الطاقة والاستهلاك المنزلي.
وهذا يضمن وضع خطط مائية في كل بلد عربي، متوافقة مع الخطط الاقتصادية والمشاريع التي تؤدي المياه فيها الدور الرئيسي، كما يؤدي إلى توفير الإحصاءات الدقيقة للمياه العربية، ووضع ميزان أو معيار عربي مائي يساعد في التعرف على مصادر المياه، طبيعية كانت أو غير طبيعية، المتوافرة في هذا البلد أو ذاك، واستعمالات هذه المياه، ومدى كفاية المياه لهذا البلد أو ذاك، في أفق عقد مؤتمر عربي مائي حقيقي، يضمن التوصل إلى قرارات استراتيجية عربية مائية تُحقِّق مفهوم الأمن المائي العربي، وتعمل على خلق هيكلية مؤسساتية لهذا المفهوم، مع إنشاء جهاز عربي متخصص بقضية المياه، يعمل على وضع الخطط المائية، ودراسة واستكشاف مختلف معالم القانون الدولي الخاص بالمياه، ومتابعة المناقشات والدراسات التي تقوم بها لجنة القانون الدولي المنبثقة عن الأمم المتحدة للاستفادة منها.
من جهة أخرى، يجب على الدول العربية العمل على توجيه رأس المال العربي للاستثمار في تنمية مشروعات الموارد المائية في الأقطار العربية، كإقامة السدود، وحفر الآبار، وإقامة المحطات الكهرمائية.
ضرورة تقييم اتجاهات السياسات الخارجية لدول الجوار الجغرافي، واحتمالات تأثير هذه السياسات في سلوكها في المسألة المائية؛ إذ من شأن ذلك تسهيل وضع النماذج والتصورات اللازمة لصناع السياسة الخارجية العربية لتفادي النزاعات العربية/العربية القائمة أو المحتملة في النسق المائي، ووضع الآليات المناسبة لتقليص هذه النزاعات عموماً، أو على الأقل تحجيم تأثيرها في النسق المائي.
وفي الخاتمة، لا بد من الإشارة إلى أن مسألة المياه في الوطن العربي تعد من أهم المسائل الحيوية والاستراتيجية التي تهم الأفراد كما تهم المجتمعات والدول، وإن أي تفريط بهذه الثروة المائية سوف ينعكس على مستوى الحياة المعيشية للأفراد والحياة الاقتصادية والاجتماعية والسكانية والحضارية للمجتمعات.
وإن العمل العربي المشترك والفعال هو الضمانة الحقيقية في إيجاد السبيل والطرائق الكفيلة لحل مسألة المياه في الوطن العربي، وصيانة وحماية مصادرها ومجالات الاستثمارات العربية فيها.