شجرة الأرگان.. أحد ركائز التنمية المستدامة للمجتمعات المحلية بالمغرب


المحرر
الخميس 15 مايو 2025 | 12:27 مساءً
أ.د. يوسف الكمري
أ.د. يوسف الكمري

أ.د. يوسف الكمري 

باحث في علوم البيئة والتنمية المستدامة. المملكة المغربية

 شجرة الأركان .. مزيج بين التنوع البيولوجي الزراعي والنظم البيئية المرنة والتراث الثقافي الثمين

تنتشر شجرة الأركان في المناطق الأكثر جفافاً في المغرب، خاصة في منطقة سوس بين مدينتي الصويرة وتيزنيت، وتغطي آلاف الهكتارات في مناطق آيت بعمران وسيدي إفني، كما يمكن العثور عليها في مناطق أخرى بالمغرب، خاصةً في جنوب غربي المملكة وحتى في المناطق الأكثر جفافاً، وتعد هذه الشجرة الأمل الوحيد للسكان المحليين في تحقيق التنمية المستدامة، بحيث تجمع هذه المنطقة المنفردة — التي تزرع فيها أشجار الأرگان منذ عقود طولية — بين التنوع البيولوجي الزراعي والنظم البيئية المرنة والتراث الثقافي الثمين، ففي أحضان هذه البيئة الجافة والقاحلة من مناطق المغرب، تنمو هذه الشجرة الفريدة، مُشكّلة مصدراً للغذاء والطب والاقتصاد للمجتمعات المحلية منذ قرون عديدة، الأمر الذي دفع الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى الإعلان، في مارس 2021، يوم 10 ماي يوماً دولياً لشجرة الأركان، بمبادرة من المغرب وبرعاية مشتركة من عدد كبير من الدول الأعضاء.

لقد حددت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) في عام 1998 منطقة إنتاج الأرگان بوصفها محمية، كما أُدرجت جميع الممارسات والخبرات الفنية المتعلقة بأشجار الأرگان القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية في عام 2014 ، وعلاوة على ذلك، اعترفت منظمة الأغذية والزراعة في كانون الأول/ديسمبر 2018 بالنظام الزراعي والرعوي المعتمد على أشجار الأرگان في المغرب بوصفه نظاماً تراثياً زراعياً ذي أهمية عالمية، وأخيراً في عام 2021، أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 10 أيار/مايو يوماً عالمياً لشجرة الأركان، وشاركت 113 دولة عضو في رعاية مشروع القرار الذي قدمه المغرب وتُبُني بالإجماع.

لشجرة الأرگان أهمية كبرى نظرا لتعدد استخداماتها وبوصفها وسيلة من وسائل الكسب، فضلاً عن دورها في زيادة المرونة وتحسين التكيف مع المناخ وتحقيق الأبعاد الثلاثة للتنمية المستدامة - الاقتصادية والاجتماعية والبيئية - على المستوى المحلي. وتسهم الممارسات المتعلقة بالأرگان وقطاع الإنتاج المستدام للأركان يسهمان في التمكين الاقتصادي والإدماج المالي للمجتمعات المحلية، ولا سيما النساء اللائي يعشن في المناطق القروية / الأرياف، وغيرها من المنظمات الزراعية المدعومة من المجتمعات المحلية والعاملة في مجال الأرگان تقوم بدور أساسي في تعزيز فرص العمل المحلية ويمكن أن تؤدي دوراً هاماً في الإسهام في تحقيق الأمن الغذائي وفي القضاء على الفقر.

ولقرون طويلة، كانت شجرة الأرگان هي الدعامة الأساسية للمجتمعات المحلية القروية/الأرياف المتعددة والمتنوعة من حيث اللغات والعادات، التي طورت ثقافة وهوية محددة، وتقاسمت المعارف والمهارات التقليدية بالتعليم غير الرسمي، ولا سيما المعرفة الفريدة المرتبطة بعمل النساء في الإنتاج التقليدي لزيت الأرگان.

الاحتفال باليوم الدولي لشجرة الأركَان .. آلية لتحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية والبيئية

في كل سنة، يركز الاحتفال باليوم الدولي لشجرة الأركَان على موضوع محدد يتعلق بحفظ شجرة الأركَان واستخدامها المستدام. خلال سنة 2023 شكلت "التنمية الاجتماعية والاقتصادية المحلية واستدامة النظام البيئي لشجرة الأركَان"، موضوع الاحتفال الذي أعتبر ذو أهمية كبيرة، حيث إن شجرة الأركَان ونظامها البيئي فريد من نوعه لبعض المناطق الأكثر جفافاً في المغرب، فالحفاظ عليها أمر ضروري، ليس فقط للحفاظ على التنوع البيولوجي في المنطقة، ولكن أيضاً لأجل الرفاه الاقتصادي والثقافي للمجتمعات المحلية التي تعتمد عليها، ومن خلال التركيز على التنمية الاجتماعية والاقتصادية المحلية، تم التأكيد من خلال موضوع الاحتفال على أهمية تمكين المجتمعات المحلية من القيام بدور نشط في إدارة مواردها الطبيعية والحفاظ عليها، ويمكن لهذا النهج أن يعزز زيادة الوعي بقيمة النظام الإيكولوجي لشجرة الأركَان وتقديره مما يؤدي إلى اعتماد ممارسات مستدامة لاستخدام الأراضي وتعزيز جهود الحفظ التي تقودها المجتمعات المحلية.

ومن خلال الاعتراف بالترابط بين صحة النظام الإيكولوجي والتنمية الاجتماعية والاقتصادية للمجتمعات المحلية، يبرز الموضوع أهمية تشجيع اتباع نهج كلي ومتكامل إزاء التنمية المستدامة يمكن تكراره في مناطق أخرى تواجه تحديات مماثلة ولا سيما في أفريقيا.

زراعة شجرة الأركَان دعامة أساسية لتحقيق التنمية المستدامة وأجندة التنمية لسنة 2030

تدعم زراعة شجرة الأركَان التنمية المستدامة وتُسهم في تحقيق خطة عام 2030 بعدة طرق، فمن خلال توفير فرص العمل والحد من الفقر وخاصة بالنسبة للنساء، تدعم زراعة شجرة الأركَان أهداف التنمية المستدامة المتمثلة في القضاء على الفقر وتعزيز المساواة بين الجنسين (الهدفان 1 و5 من أهداف التنمية المستدامة)،وبالإضافة إلى ذلك، فإن قدرة الشجرة على منع تعرية التربة وتعزيز الحفاظ على التنوع البيولوجي تدعم هدف ضمان الاستخدام المستدام للأراضي والنظم الإيكولوجية (الهدف 15 من أهداف التنمية المستدامة)، كما تشجع زراعة شجرة الأركَان على تبني ممارسات زراعية مستدامة مثل استخدام الفطريات الجذرية وتقنيات الري الحديثة التي تسهم في تحقيق هدف ضمان الأمن الغذائي وتعزيز الزراعة المستدامة (الهدف 2 من أهداف التنمية المستدامة). وأخيراً، فإن قدرة الشجرة على عزل الكربون والتخفيف من آثار تغيّر المناخ تدعم هدف مكافحة تغيّر المناخ وآثاره (الهدف 13 من أهداف التنمية المستدامة).

التحديات البيئية والاجتماعية والاقتصادية لشجرة الأركان وأفاق تحقيق التنمية المستدامة

شجرة الأركان هي شجرة محلية في المغرب، وهي مصدر مهم للدخل للساكنة من المجتمعات المحلية بالمنطقة، ومع ذلك، تواجه شجرة الأركان عدداً من التحديات البيئية والاقتصادية والاجتماعية.

في علاقة بالتحديات البيئية، يؤثر تغير المناخ على شجرة الأركان من خلال زيادة الجفاف وارتفاع درجات الحرارة، هذا يؤدي إلى انخفاض إنتاج الثمار وزيادة مخاطر الإصابة بالأمراض والآفات، كما يسهم التصحر في تدهور الأراضي وقلة المياه،ما يجعل من الصعب على شجرة الأركان النمو والازدهار، بالإضافة إلى الرعي الجائر، الذي يشكل أحد أكبر التهديدات لشجرة الأركان، بحيث يؤدي إلى تدمير الغابة وقلة الغذاء والماء لشجرة الأركان. زيادة على الاستغلال المفرط لشجرة الأركان، حيث يتم استغلالها بشكل كبير وغير معقلن، ويتم استخدامها للحصول على زيت الأركان، وهو زيت ذي قيمة اقتصادية عالية، وهذا الاستغلال يؤدي لا محالة إلى تدمير الأشجار وانخفاض أعدادها مع مرور الزمن، أما من الناحية الاقتصادية، فقد أدى انخفاض أسعار زيت الأركان في السنوات الأخيرة، إلى انخفاض دخل المزارعين والتعاونيات النسائية على الخصوص. 

كما يشكل عدم وجود تسويق فعال لزيت الأركان عقبة نحو وصوله إلى الأسواق العالمية، وهذا بالإضافة إلى عدم وجود بنية تحتية مناسبة لتسويق وتوزيع زيت الأركان، مما يجعل من الصعب على المزارعين الحصول على أسعار عادلة لزيتهم، وأخيرا، يعاني المزارعون والتعاونيات النسائية العاملة في تثمين منتجات شجر الأركان من نقص التمويل لزراعة ورعاية أشجار الأركان، ما يجعل من الصعب عليهم/هن الحفاظ على أشجارهم وزيادة إنتاجهم.

أما من الناحية الاجتماعية، بعض المناطق التي تنمو فيها شجرة الأركان تعاني من هجرة الساكنة، خصوصاً الرجال، بسبب عدم وجود فرص عمل والخدمات الأساسية، ويعاني أيضاً العديد من المزارعين والمزارعات من الفقر، ما يُصعب عليهم زراعة ورعاية أشجار الأركان، كما يشكل عدم المساواة بين الجنسين عاملاً أساسياً يميز التحديات الاجتماعية، بحيث تعاني المرأة في المناطق التي تنمو فيها شجرة الأركان من عدم المساواة بين الجنسين، مما يحد من قدرتهن على المشاركة في زراعة وتسويق زيت الأركان.

استراتيجية تنمية مناطق الواحات وشجر الأركان مشروع رائد لتحقيق التنمية بالمغرب

توجد العديد من الإنجازات الهامة التي تم تحقيقها في مناطق التدخل، من طرف * الوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشجر الأركان*، مع رفعها مستوى مواجهة التحديات الكبيرة خلال العقد القادم لتسريع عملية تنمية هذه المناطق، في سياق وطني متسم بالجفاف وتغير المناخ.

 وفي هذا السياق، تمت بلورة *الاستراتيجية الجديدة لتنمية مناطق الواحات وشجر الأركان في أفق 2030*، والتي تتمحور حول ثلاث توجهات استراتيجية، تتمثل في الرفع من قدرة المجالات الترابية والنظم البيئية على المرونة والتأقلم في مواجهة التغير المناخي، وتحسين الرفاه الاجتماعي للسكان في المناطق القروية والحضرية وتنويع اقتصاد مناطق التدخل لجعلها أكثر تنافسية وتوجيهها نحو القطاعات ذات القيمة المضافة العالية.

تعتبر تحديات الحفاظ على شجرة الأركان من أهم القضايا البيئية والاقتصادية والاجتماعية في المملكة المغربية، ويستدعي ذلك من المؤسسات الحكومية والمجتمع المدني أن يلتزموا باتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية شجرة الأركان، كما يجب الاستثمار في بحوثها وتطوير الصناعات المرتبطة بها، من أجل الحفاظ على هذه الثروة العريضة للمستقبل.

المصادر المختارة:

 “زراعة شجرة الأركَان يمكن أن تساعد في مكافحة تغيّر المناخ ودعم التنمية المستدامة”. عمر هلال. وقائع الأمم المتحدة. نشر بتاريخ 10 آيار/مايو 2023.

 “شجرة الأرگان متعددة الأغراض”. منشور الأمم المتحدة بمناسبة اليوم الدولي لشجرة الأرگان

10 أيار/مايو.

 “زيت الأركان”.. إرث إنساني عالمي لا ينبت إلا في المغرب. مراد بابعا. آخر تحديث: 14/5/2024.

 أخبار الأمم المتحدة. منظور عالمي قصص إنسانية. بمبادرة من المغرب، الأمم المتحدة تحتفي باليوم الدولي لشجرة الأرگان الداعمة للتنمية والتنوع البيولوجي.