العمل البيئي الجماعي.. يساهم في التغلب على التلوّث بالمواد البلاستيكية


المحرر
الخميس 05 يونية 2025 | 11:31 مساءً
أ.د. يوسف الكمري
أ.د. يوسف الكمري

أ.د. يوسف الكمري 

 أستاذ باحث في علوم البيئة واستشاري في التنمية المستدامة

لقد تطور الاحتفال باليوم العالمي للبيئة الذي يُحتفل به سنوياً منذ سنة 1973 بقيادة برنامج الأمم المتحدة للبيئة، ليصبح أكبر منصة عالمية للتوعية على أهمية العمل البيئي، وبناءً على ذلك، يهدف يوم البيئة العالمي، الذي يُحتفل به في 5 يونيو 2025، والذي أطلقه برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP)، تحت شعار "التغلب على التلوث البلاستيكي"، إلى دعوة دول العالم إلى اتخاذ إجراءات لمعالجة مشكلة النفايات البلاستيكية، التي تُعدّ من أكثر التحديات البيئية إلحاحاً اليوم. وهذه هي المرة الثانية خلال ثلاث سنوات (2023-2025) التي يُختار فيها هذا الشعار، مما يُبرز بوضوح الأولوية العالمية لمكافحة التلوث البلاستيكي. وفي الوقت نفسه، يُؤكد هذا الشعار الالتزام بالاستخدام الفعال للموارد، وحماية التنوع البيولوجي، وتعزيز القدرة على التكيف، وتشجيع الابتكار، وتوطيد التعاون الإقليمي والعالمي، نحو اقتصاد دائري وتنمية مستدامة .

التغلب على التلوث البلاستيكي

وبالمناسبة تستضيف جمهورية كوريا اليوم العالمي للبيئة للمرة الثانية، وتقود الجهود للحدّ من التلوّث بالمواد البلاستيكية من خلال اعتماد استراتيجية دورة الحياة الكاملة للبلاستيك، تجمع بين الحكومات والشركات والمستهلكين، وقد حدّدت مقاطعة جيجو، التي تستضيف الحدث لهذا العام، هدفاً طموحاً للقضاء على التلوّث بالمواد البلاستيكية بحلول العام 2040، كما ينتشر التلوّث البلاستيكي في كل أرجاء كوكب الأرض – وحتى في أجسامنا على شكل جسيمات بلاستيكية دقيقة، وفي هذا السياق، يدعو اليوم العالمي للبيئة 2025 إلى العمل الجماعي لمواجهة التلوّث بالمواد البلاستيكية.

كما تهدف المناسبة الدولية إلى تسليط الضوء على نتائج الأبحاث العلمية وبالأدلة المتزايدة حول تداعيات التلوث البلاستيكي، وحشد المنتظم الدولي للحد من استعمال البلاستيك أو تقنين استخدامه أو إعادة تدويره أو الترويج لحلول بديلة في كيفية التعامل معه، سعياً نحو مستقبل أنظف وأكثر استدامة، ومن خلال الاستلهام من الطبيعة وإبراز حلول واقعية، ستشجع الحملة الدولية الأفراد والمنظمات والقطاعات الصناعية والحكومات على اعتماد ممارسات مستدامة تؤدي إلى تغيير في سلوكيات التعامل مع البلاستيك في مختلف الأوساط الطبيعية.

النفايات البلاستيكية تخنق رئة البيئة

في هذا الإطار أشار تقرير صادر عن هيئة الأمم المتحدة إلى مجموعة من العناصر التي تضر بالبيئة، مؤكداً أن اللدائن البلاستيكية هي الملوث الأكبر للبيئة البحرية والأشد ضرراً عليها، إذ تصل نسبتها بين النفايات البحرية إلى 85 في المائة. كما تشير الإحصاءات الرسمية إلى أن العالم ينتج سنوياً أزيد من 400 مليون طن من اللدائن البلاستيكية في جميع أنحاء العالم، نصفها مصمم للاستخدام مرة واحدة فقط، ولا يعاد تدوير سوى 1 في المائة منها، فيما ينتهي المطاف بما بين 19 و23 مليون طن سنوياً منها في البحيرات والأنهار والبحار، هذا بالإضافة إلى كون الوقت ينفد والطبيعة في حالة طوارئ، ويشير تقرير الأمم المتحدة إلى أنه “للإبقاء على الاحتباس الحراري دون 1.5 درجة مئوية في هذا القرن يجب أن نخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري السنوية إلى النصف بحلول سنة 2030″، و في حالة لم يتحقق هذا الأخير سيزداد التعرض لتلوث الهواء بما يتجاوز المستويات المأمونة بنسبة 50 في المائة خلال هذا العقد، كما ستتضاعف النفايات البلاستيكية التي تتدفق إلى النظم البيئية المائية ثلاث مرات تقريباً بحلول عام 2040”.

 لقد أصبح التلوث البلاستيكي أزمة عالمية، حيث توجد جزيئات البلاستيك الدقيقة الآن في أعمق المحيطات، وقمم الجبال النائية، وحتى داخل جسم الإنسان.

لقد قطعت كوريا الجنوبية شوطاً كبيراً في مجال الاستدامة من خلال أنظمة إعادة تدوير متطورة، وحظر استخدام البلاستيك في منافذ البيع بالتجزئة الكبرى، والاستثمار في بدائل صديقة للبيئة، ومن خلال استضافة هذا الحدث، تهدف كوريا الجنوبية إلى تسليط الضوء على حلول تكنولوجية قابلة للتطوير، وإلهام التعاون العالمي للتخلص التدريجي من استخدام البلاستيك الضار، وتحثّ حملة 2025 الدول والقطاعات الصناعية والأفراد على تقليل الاعتماد على البلاستيك، وتبني بدائل مستدامة، وتعزيز الإنتاج والاستهلاك المسؤولَين، كما تهدف الحملة إلى رفع مستوى الوعي العالمي بالآثار الضارة للنفايات البلاستيكية على النظم البيئية والحياة البرية وصحة الإنسان.

سنة 2025 تمثل لحظة حاسمة في الجهود العالمية في مجال المحافظة على البيئة، إذ يأتي اليوم العالمي للبيئة قبل شهرين فقط من اجتماع حاسم بين دول العالم بهدف بلورة معاهدة دولية ملزمة لإنهاء التلوث البلاستيكي، ما يجعل هذه المناسبة أكثر من مجرد فعالية رمزية، بل نقطة تحوّل في السياسات العالمية ذات الصلة بالبيئة ومكوناتها. وفي السياق نفسه، يمكن أن نعتبر يوم البيئة العالمي 2025 ليس مجرد تاريخ عابر في تقويمنا الزمني، بل هو دعوة للعمل. وفق مقاربة تشاركية كمؤسسات حكومية ومنظمات غير حكومية، والقطاع الخاص والمجتمع المدني، وشعار "التغلب على التلوث البلاستيكي" الذي يُوجّه الجهود العالمية، يُتوقع أن يُشكّل هذ السنة علامة فارقة في النضال الأخضر من أجل مستقبل مستدام خالٍ من المواد البلاستيكية.. ويركز الشعار على الدعوة إلى الحد من إنتاج البلاستيك أحادي الاستخدام، وتشجيع إعادة التدوير والاستخدام المستدام، وتسليط الضوء على حلول النظام الدائري، وتعزيز الشراكات بين الحكومات والصناعة والمجتمع المدني. فلنغتنم هذه الفرصة للتأمل والمشاركة والعمل الجماعي، ليس ليوم واحد فقط، بل كل يوم. فعندما نحمي البيئة، نحمي أنفسنا ونضمن حق الأجيال الصاعدة.