أ. د. يوسف الكمري -
أستاذ باحث واستشاري في التنمية المستدامة. المغرب.
تٌعد المناسبات الدولية والعالمية فرصاً مواتية لتثقيف المجتمعات البشرية بشأن القضايا ذات الاهتمام، ولحشد الإرادة السياسية والموارد اللازمة لمعالجة التحديات العالمية، وللاحتفال بإنجازات الإنسانية ولتعزيز أدوار المجتمع المدني الدولي في عدة قضايا تتميز بطابع الاستعجالية وذات الصلة بالتغير المناخي، ويوفر اليوم العالمي للمحيطات فرصة فريدة لتسليط الضوء على أهمية المحيط في 8 يونيو من كل عام، للمساعدة في توحيد العالم من أجل إجراءات الحفاظ على البيئة.
موضوع اليوم الدولي للمحيطات 2025
موضوع اليوم العالمي للمحيطات 2025 هو "كوكب المحيط: المد والجزر يتغير"، تم اختيار هذا الموضوع لتشجيع الجمعيات الخيرية والمنظمات والعلماء والأفراد على وضع المحيط في المقام الأول، كما يتيح لنا اليوم العالمي للمحيطات 2025 الفرصة لمعرفة المزيد حول ما تفعله الأرض ومحيطاتها بالنسبة لنا وكيف أنها أكثر مما قد تبدو للوهلة الأولى، وهذا العام، المنظمات والمجموعات والأفراد في جميع أنحاء العالم مدعوون لخلق بعض الإثارة حول حماية محيطاتنا والأرض.
ويذكّرنا اليوم العالمي للمحيطات بالدور الجوهري الذي تؤديه المحيطات في حياتنا اليومية، فهي رئات كوكبنا، ومصدر رئيس للغذاء والدواء، وجزء حيوي لا يُستغنى عنه في النسيج الحيوي لكوكب الأرض، ويُراد من هذا اليوم العالمي توعية البشرية بتأثير نشاطات الإنسان على المحيط، وبناء حركة عالمية من المواطنين الملتزمين بشؤونه، وحشد مختلف قوى العالم وتوحيدها من أجل إدارة مستدامة لموارده.
لقد اختتمت مجريات المؤتمر الحكومي الدولي المعني بوضع صـك دولي ملـزم قانونـا —يُعرف باسم - معاهدة أعالي البحار — في إطار اتفاقية حفظ التنوع البيولوجي البحري في المناطق الواقعة خارج نطاق الولايات الوطنية واستغلاله على نحو مستدام، وبموجب هذا الإطار القانوني ستوضع 30% من محيطات العالم ضمن المناطق المحمية، فضلاً عن تخصيص مزيد من التمويل لاستخدامها في صون الحياة البحرية، ويشمل الإطار القانوني كذلك الوصول إلى الموارد الوراثية البحرية واستخدامها.
الهدف 14 من أجندة التنمية لسنة 2030
سيُعقد مؤتمر الأمم المتحدة الرفيع المستوى لعام 2025 لدعم تنفيذ الهدف 14 من أهداف التنمية المستدامة: الحفاظ على المحيطات والبحار والموارد البحرية واستخدامها بشكل مستدام من أجل التنمية المستدامة (SDG) في نيس ، فرنسا ، في الفترة من 9 إلى 13 يونيو 2025، باستضافة مشتركة بين فرنسا وكوستاريكا.
ويتعلق الهدف 14 بالحفاظ على المحيطات والبحار والموارد البحرية واستخدامها على نحو مستدام، وتعتبر المحيطات والبحار الصحية ضرورية للوجود البشري والحياة على الأرض، فالمحيطات جزء لا يتجزأ من حياتنا على الأرض، فهي تغطي ثلاثة أرباع سطح الأرض، وتحتوي على 97% من مياه الأرض، وتمثل 99% من المساحة الصالحة للحياة على الكوكب من حيث الحجم، كما توفر محيطات العالم الموارد الطبيعية الرئيسية بما في ذلك الغذاء والأدوية والوقود الحيوي وغيرها من المنتجات؛ تساعد في تفكيك وإزالة النفايات والتلوث؛ وتعمل نظمها الإيكولوجية الساحلية كحواجز للحد من الأضرار الناجمة عن العواصف، كما أنها تعتبر أعظم بالوعة كربون على كوكب الأرض.
وتشير الدراسات العلمية إلى أن التلوث البحري وصل إلى مستويات مثيرة للقلق، حيث غصّ المحيط بأكثر من 17 مليون طن متري في عام 2021، وهو رقم من المتوقع أن يتضاعف مرتين أو ثلاثة بحلول عام 2040، ويشكل البلاستيك أكثر أنواع تلوث المحيطات ضرراً، وفي الوقت الحالي، يبلغ متوسط الرقم الهيدروجيني للمحيطات 8.1، وهو أكثر حمضية بنسبة 30 في المائة مما كان عليه في أوقات ما قبل الصناعة، ويهدد أيضاً تحمض المحيطات بقاء الحياة البحرية، ويعطل الشبكة الغذائية، ويقوض الخدمات الحيوية التي توفرها المحيطات وأمننا الغذائي.
تعد الإدارة الدقيقة لهذا المورد العالمي الأساسي سمة أساسية لمستقبل مستدام، ويشمل ذلك زيادة تمويل علوم المحيطات، وتكثيف جهود الحفاظ على البيئة، وتحويل مسار تغير المناخ بشكل عاجل لحماية أكبر نظام بيئي على كوكب الأرض، ولا تلبي الجهود المبذولة حالياً الحاجة الملحة لحماية هذا المورد الضخم والهش.
ما هي مقاصد الهدف 14 ؟
منع التلوث البحري بجميع أنواعه والحد منه بدرجة كبيرة، ولا سيما من الأنشطة البرية، بما في ذلك الحطام البحري، وتلوث المغذيات، بحلول عام 2025.
إدارة النظم الإيكولوجية البحرية والساحلية على نحو مستدام وحمايتها، من أجل تجنب حدوث آثار سلبية كبيرة، بما في ذلك عن طريق تعزيز قدرتها على الصمود، واتخاذ الإجراءات اللازمة من أجل تحقيق الصحة والإنتاجية للمحيطات، بحلول عام 2020.
تقليل تحمض المحيطات إلى أدنى حد ومعالجة آثاره، بما في ذلك من خلال تعزيز التعاون العلمي على جميع المستويات.
تنظيم الصيد على نحو فعال، وإنهاء الصيد المفرط والصيد غير القانوني وغير المبلغ عنه وغير المنظم وممارسات الصيد المدمرة، وتنفيذ خطط إدارة قائمة على العلم، من أجل إعادة الأرصدة السمكية إلى ما كانت عليه في أقرب وقت ممكن، لتصل على الأقل إلى المستويات التي يمكن أن تتيح إنتاج أقصى غلة مستدامة وفقاً لما تحدده خصائصها البيولوجية، بحلول عام 2020.
حفظ 10 في المائة على الأقل من المناطق الساحلية والبحرية، بما يتسق مع القانون الوطني والدولي واستنادا إلى أفضل المعلومات العلمية المتاحة، بحلول عام 2020.
حظر أشكال الإعانات المقدمة لمصائد الأسماك التي تسهم في الإفراط في قدرات الصيد وفي صيد الأسماك، وإلغاء الإعانات التي تساهم في صيد الأسماك غير المشروع وغير المبلغ عنه وغير المنظم، والإحجام عن استحداث إعانات جديدة من هذا القبيل، مع التسليم بأن المعاملة الخاصة والتفضيلية الملائمة والفعالة للبلدان النامية وأقل البلدان نموا ينبغي أن تكون جزءاً لا يتجزأ من مفاوضات منظمة التجارة العالمية بشأن الإعانات لمصائد الأسماك، بحلول عام 2020.
زيادة الفوائد الاقتصادية التي تتحقق للدول الجزرية الصغيرة النامية وأقل البلدان نمواً من الاستخدام المستدام للموارد البحرية، بما في ذلك من خلال الإدارة المستدامة لمصائد الأسماك، وتربية الأحياء المائية، والسياحة، بحلول عام 2030.
زيادة المعارف العلمية، وتطوير قدرات البحث، ونقل التكنولوجيا البحرية، مع مراعاة معايير اللجنة الأوقيانوغرافية الحكومية الدولية ومبادئها التوجيهية المتعلقة بنقل التكنولوجيا البحرية، من أجل تحسين صحة المحيطات، وتعزيز إسهام التنوع البيولوجي البحري في تنمية البلدان النامية، ولا سيما الدول الجزرية الصغيرة النامية وأقل البلدان نمواً.
توفير إمكانية وصول صغار الصيادين الحرفيين إلى الموارد البحرية والأسواق.
تعزيز حفظ المحيطات ومواردها واستخدامها استخداما مستداما عن طريق تنفيذ القانون الدولي بصيغته الواردة في اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار التي تضع الإطار القانوني لحفظ المحيطات ومواردها واستخدامها على نحو مستدام، كما تشير إلى ذلك الفقرة 158 من وثيقة ”المستقبل الذي نصبو إليه“.
فماذا يمكننا أن نفعل؟
بالنسبة لمناطق المحيطات المفتوحة وأعماق البحار، لا يمكن تحقيق الاستدامة إلا من خلال زيادة التعاون الدولي من أجل حماية الموائل المعرضة للخطر، وينبغي السعي إلى إنشاء أنظمة كاملة وفعالة ومدارة بشكل عادل للمناطق المحمية من قبل الحكومات للحفاظ على التنوع البيولوجي وضمان مستقبل مستدام لقطاع صيد الأسماك، ومن الأمثلة على ذلك اتفاقية التنوع البيولوجي خارج نطاق الولاية الوطنية في عام 2023 والتي توفر إطاراً قانونياً لجميع الأنشطة في المحيطات والبحار، وعلى المستوى المحلي، ينبغي لنا أن نتخذ خيارات صديقة للمحيطات عند شراء المنتجات أو تناول الأطعمة المستخرجة من المحيطات ونستهلك ما نحتاج إليه فقط، كما أن تقليل استخدامنا للبلاستيك أمر بالغ الأهمية.
ويشار ايضاً، إلى أن البرنامج السنوي لهذا اليوم يُنظم برعاية شعبة شؤون المحيطات وقانون البحار في مكتب الشؤون القانونية التابع للأمم المتحدة، وبشراكة مع منظمة "أوشنيك غلوبال" غير الربحية. وفي هذا العام 2025، يُحتفى بعجائب المحيط بوصفه مصدرا للحياة يدعم بقاء البشر وسائر الكائنات على الأرض.
هذا وتجدر الإشارة، أنه خلال الفترة من 9 إلى 13 حزيران/يونيهو 2025، سيُعقد مؤتمر الأمم المتحدة للمحيطات لعام 2025 في مدينة نيس الفرنسية، والموضوع الرئيسي للمؤتمر هو “تسريع العمل وتعبئة جميع الجهات الفاعلة لحفظ المحيطات واستخدامها على نحو مستدام”، ويهدف المؤتمر، الذي يتألف من جزء افتتاحي وعشر جلسات عامة وعشر حلقات عمل معنية بالمحيطات وجزء ختامي، إلى دعم المزيد من الإجراءات العاجلة لحفظ المحيطات والبحار والموارد البحرية واستخدامها بشكل مستدام من أجل التنمية المستدامة وتحديد المزيد من السبل والوسائل لدعم تنفيذ الهدف 14 من أهداف التنمية المستدامة.
محيطاتنا، مستقبلنا، مسؤوليتنا
’’ المحيطات أساسية للحياة على كوكبنا ولمستقبلنا، فالمحيطات مصدر مهم للتنوع البيولوجي للكوكب وتضطلع بدور حيوي في النظام المناخي والدورة المائية، وتوفر المحيطات طائفة من خدمات النظم الإيكولوجية، وتزودنا بالأوكسجين للتنفس، وتسهم في توفير الأمن الغذائي والتغذية وفرص العمل اللائق وسبل العيش، وتعمل بوصفها بالوعة وخزانا لغازات الدفيئة، وتحمي التنوع البيولوجي، وتوفر وسيلة للنقل البحري، بما في ذلك للتجارة العالمية، وتشكل جزءاً هاماً من تراثنا الطبيعي والثقافي، وتؤدي دوراً أساسياً في تحقيق التنمية المستدامة وبناء اقتصادات قائمة على الإدارة المستدامة للمحيطات والقضاء على الفقر.
الإعلان السياسي لمؤتمر الأمم المتحدة المعني بالمحيطات لعام 2022