في عالم يبحث عن حلول للتحديات البيئية المتزايدة وسط تغير المناخ وارتفاع درجات الحرارة، جاء ابتكار استخدام الفحم الحيوي المشتق من بقايا قصب السكر كخطوة فارقة في طريقة التعامل مع أحد أكثر المحاصيل الزراعية استهلاكاً للموارد، وهو القطن.
دراسة حديثة كشفت أن هذه المادة الغنية بالكربون لا تحسن نمو النبات فحسب، بل تقلل فقدان النيتروجين في المياه الجارية بنسبة تصل إلى 87%، مما يجعلها حلاً ثلاثي الفوائد للمحصول، والتربة، والبيئة، بحسب ما نشرته المجلة العلمية "Anthropocene Magazine".
تحديات زراعة القطن
يعد القطن، رغم أهميته الاقتصادية، من المحاصيل كثيفة الاستهلاك للموارد، في دلتا المسيسيبي السفلى، وهو موقع التجربة الميدانية، كما يستهلك إنتاج كيلوجرام واحد من القطن أكثر من 200 لتر من المياه، إلى جانب كميات كبيرة من الأسمدة النيتروجينية.
إضافة إلى ذلك، تُزرع نباتات القطن غالباً في تربة طينية رملية ضعيفة البنية، ما يجعلها أكثر عرضة لفقدان المياه والعناصر المغذية بفعل الجريان السطحي.
التجربة الميدانية
بين عامي 2020 و2022، قام الباحثون بتطبيق 3 مستويات مختلفة من الفحم الحيوي على صفوف القطن، وتم تحليل عينات التربة بشكل دوري، إضافة إلى قياس رطوبتها وحجم المياه والعناصر المغذية التي تفقدها.
وجاءت أبرز نتائج التجربة، انخفاض تركيز النترات في التربة بنسبة 63% عند استخدام 20 ملج/هكتار، وتحسين احتباس الماء، بفضل البنية الأكثر استقراراً التي يوفرها الفحم الحيوي، ما يقلّل من فقدان المياه، وتقليص خسائر النيتروجين في الجريان السطحي بنسبة تتراوح بين 49% و87% أثناء الموسم، و42% إلى 102% خلال فترة البور بعد الحصاد.
هذه النتائج لا تعني فقط تحسين إنتاجية القطن وجودته، بل تمثل أيضاً خطوة جوهرية في الحد من تلوث المياه الجوفية والسطحية الناتج عن تسرب الأسمدة النيتروجينية.
آلية التأثير
يرفع الفحم الحيوي مستويات الكربون العضوي في التربة، ما يدعم نمو أعداد هائلة من الكائنات الحية الدقيقة، هذه الميكروبات تلعب دوراً محورياً في تثبيت النيتروجين في التربة بدل فقدانه في المياه، وهو ما يحقق توازناً بيئياً أفضل.
خطط مستقبلية
وضمن الخطط المستقبلية، يعتزم فريق البحث توسيع نطاق العمل ليشمل حقولاً تجارية بالتعاون مع المزارعين، كما يخطط لدراسة تأثير الفحم الحيوي على محاصيل أخرى مثل الذرة وفول الصويا، بهدف تعميم الفوائد على أنظمة زراعية متعددة، ويعد هذا الابتكار تحولاً استراتيجياً نحو زراعة أكثر استدامة، حيث يجتمع الاقتصاد والبيئة في نقطة واحدة.