د. سمير طنطاوي
استشاري التغيرات المناخية بالأمم المتحدة وعضو الهيئة الدولية لتغير المناخ
تعد التغيرات المناخية أحد أكثر التحديات إلحاحاً التي تواجه المنطقة العربية اليوم؛ حيث تعاني المنطقة بالفعل من آثار تغير المناخ، بما في ذلك موجات الجفاف والفيضانات وموجات الحرارة الأكثر تواتراً وشدةً، ولهذه الآثار تأثير كبير على أمن المنطقة واستقرارها.
أصبحت حالات الجفاف أكثر تواتراً وشدةً في المنطقة العربية. في السنوات الأخيرة، تسبب الجفاف في أضرار واسعة النطاق للمحاصيل والماشية، مما أدى إلى انعدام الأمن الغذائي وزيادة الأسعار. كما أجبرت موجات الجفاف الناس على هجر منازلهم والانتقال إلى مناطق أخرى، مما شكل ضغطاً على الموارد والخدمات الاجتماعية.
كما أصبحت الفيضانات أكثر تواتراً وشدةً في المنطقة العربية. فعلى سبيل المثال، تسببت الفيضانات في اليمن في مقتل أكثر من 1000 شخص، وتشريد أكثر من مليوني شخص في عام 2015. كما يمكن أن تسبب الفيضانات أيضاً أضراراً واسعة النطاق للبنية التحتية، مثل الطرق والجسور والمنازل.
كما أصبحت موجات الحر أكثر تواتراً وشدةً في المنطقة العربية. في عام 2015، على سبيل المثال، تسببت موجة حارة في العراق في مقتل أكثر من 700 شخص. يمكن لموجات الحر أن تسبب ضربة الشمس والجفاف ومشاكل صحية أخرى، مما يمكن أن يجعل من الصعب على الناس العمل والسفر، ويمكن أن تؤدي إلى انقطاع التيار الكهربائي وغيره من الاضطرابات.
يتسبب الجفاف والفيضانات وموجات الحرارة في انعدام الأمن الغذائي وزيادة الأسعار والنزوح ومشاكل أخرى. وتؤدي هذه المشكلات إلى تفاقم التوترات والصراعات القائمة في المنطقة، وتزيد من صعوبة الحفاظ على السلام والاستقرار. بالإضافة إلى التهديدات الأمنية وتهديدات الاستقرار التي يشكلها تغير المناخ، تواجه المنطقة العربية أيضاً عدداً من التحديات الاجتماعية والاقتصادية بما في ذلك:
▪ زيادة الفقر: من المتوقع أن يؤدي تغير المناخ إلى زيادة الفقر في المنطقة العربية؛ وذلك لأن تغير المناخ سيجعل من الصعب على الناس العثور على فرص عمل، وسيزيد أيضاً من صعوبة حصول الناس على الغذاء والماء.
▪ زيادة عدم المساواة: من المتوقع أيضاً أن يؤدي تغير المناخ إلى زيادة عدم المساواة في المنطقة العربية؛ وذلك لأن تأثيرات تغير المناخ لن يتم توزيعها بالتساوي؛ حيث سيكون أفقر الناس وأكثرهم ضعفاً في المنطقة هم الأكثر تضرراً من تغير المناخ.
▪ زيادة الهجرة: من المتوقع أيضاً أن يؤدي تغير المناخ إلى زيادة الهجرة في المنطقة العربية؛ هذا لأن الناس سيضطرون إلى الانتقال إلى مناطق أخرى بحثاً عن الطعام والماء والعمل.
تشكل الآثار الاجتماعية والاقتصادية لتغير المناخ تهديداً خطيراً للتنمية والأمن في المنطقة العربية. تحتاج المنطقة إلى اتخاذ إجراءات للتصدي لتغير المناخ، ويشمل ذلك الاستثمار في الطاقة المتجددة، وتحسين كفاءة الطاقة، والتكيف مع آثار تغير المناخ. كما تحتاج المنطقة أيضاً إلى العمل معاً لتطوير نهج مشترك تجاه تغير المناخ من خلال العمل العاجل؛ وبذلك يمكن للمنطقة العربية تقليل تعرُّضها لتغير المناخ وبناء مستقبل أكثر استدامةً.
وفيما يلي بعض الإجراءات المحددة التي يمكن أن تتخذها المنطقة العربية للتصدي لتغير المناخ:
▪ الاستثمار في الطاقة المتجددة: يمكن للمنطقة العربية الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة الحيوية وطاقة الأمواج. ويساعد هذا في تنويع اقتصاديات الدول العربية، والحد من اعتمادها على الوقود الأحفوري الذي يُعَد مصدراً رئيسياً لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري المسببة للتغيرات المناخية.
▪ تحسين كفاءة الطاقة: يمكن للمنطقة العربية تحسين كفاءة الطاقة من خلال الاستثمار في التقنيات الموفرة للطاقة، مثل الأجهزة الموفرة للطاقة، ونظم الإنارة الذكية، وتحديث وتطوير تكنولوجيات التصنيع بما يسهم في الحد من استهلاك الطاقة في المنطقة، ويساعد في الحد من الانبعاثات.
▪ التكيف مع آثار تغير المناخ: يمكن للمنطقة العربية التكيف مع آثار تغير المناخ من خلال تطوير أنظمة الإنذار المبكر للجفاف والفيضانات وموجات الحرارة، كما يمكن لدول المنطقة أيضاً وضع الخطط والاستراتيجيات الوطنية لحماية البنية التحتية من تأثيرات تغير المناخ.
يمكن لدول المنطقة العربية من خلال اتباع هذه الإجراءات وغيرها، الحد من التأثيرات الضارة للتغيرات المناخية، وبناء مستقبل أكثر استدامةً للأجيال الحالية والقادمة.
الملخص
يشكل تغير المناخ تهديداً خطيراً لأمن واستقرار المنطقة العربية. وتشهد المنطقة بالفعل آثار تغير المناخ، بما في ذلك ارتفاع في درجات الحرارة، وموجات جفاف وتصحر، وتدهور في الإنتاجية الزراعية، وانخفاض في معدلات سقوط الأمطار. ومن المتوقع أن تتفاقم هذه الآثار في المستقبل، فضلاً عن العديد من التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي تواجه دول المنطقة العربية، بما في ذلك زيادة الفقر، وعدم المساواة، والهجرة. تشكل هذه الآثار الاجتماعية والاقتصادية تهديداً خطيراً للتنمية والأمن في المنطقة العربية. وتحتاج المنطقة العربية إلى اتخاذ إجراءات للتصدي لتغير المناخ، وهذا يشمل صياغة الخطط والاستراتيجيات الوطنية التي تدعم الاستثمار في الطاقة المتجددة، وتحسين كفاءة الطاقة، والتكيف مع آثار تغير المناخ. كما تحتاج المنطقة أيضاً إلى العمل معاً لتطوير نهج مشترك تجاه تغير المناخ من خلال العمل العاجل، ويمكن للمنطقة العربية تقليل تعرُّضها لتغير المناخ وبناء مستقبل أكثر استدامة.