بدون ذنب أو خطيئة، تقف الحيوانات عاجزة عما تتعرض له من صيد جائر، وتدفع أرواحها ثمنا لمجموعة من المعتقدات والخرافات المنسوجة حول دمائها ولحومها، فكل يوم تفقد البيئة تنوعها البيولوجي وتواجه خطر انقراض الحيوانات النادرة بسبب "الموروث الشعبي السلبي".
الموروث الشعبي جزء مهم من ثقافة الشعوب، فهو إرث الأجداد الذي تتناقله الأجيال، بيد أنه يحتاج إلى التطوير والتنقيح من بعض المعتقدات الضارة، والتي أثقلت كاهل البشر بالخرافات، وبات يهدد حياة الكثير من الكائنات الحية على كوكب الأرض بسبب تلك الأفكار المتعلقة باستخدام الحيوانات لأغراض علاجية شعبية في المجتمع العربي، رغم عدم وجود أي أسانيد طبية تثبت صحة هذه الادعاءات الموروثة منذ مئات السنين.
السلاحف البرية
كائن مسالم مهدد بالانقراض؛ حيث يعيش في العالم العربي أكثر من نوع من السلاحف البرية، وفي المقدمة السلحفاة المصرية، وموطنها الأصلي مصر وليبيا، ويدرجها الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة (IUCN) ضمن القائمة الحمراء للأنواع المهددة بالانقراض في فئة الكائنات الحية الأكثر عرضة للخطر.
السلاحف البحرية
يشتهر البحر المتوسط بثلاثة أنواع من السلاحف البحرية: السلحفاة ضخمة الرأس وهي الأكثر شيوعًا لكنها أقل عرضة للصيد، والسلحفاة الخضراء التي تعتبر من أكبر السلاحف البحرية لكنها مهددة بخطر الانقراض، وأخيرا السلاحف جلدية الظهر وهي واحدة من أكثر أنواع السلاحف المهاجرة بالعالم.
بينما تستوطن خمسة أنواع من السلاحف البحر الأحمر، وهي من أقدم الزواحف والأكثر انتشارًا وتنوعا، كما تنتشر السلاحف البحرية في منطقة شبه الجزيرة العربية، على طول سواحل قطر والمملكة العربية السعودية والإمارات وسلطنة عمان.
)السلاحف تقابل الكثير من التحديات الطبيعية في حياتها أكثرها خطورة شبح الموت يوميا بسبب الموروث الشعبي‘‘
جرائم ضد الحياة
لأكثر من 100 مليون سنة، غطت السلاحف البحرية مسافات شاسعة عبر محيطات العالم، ولعبت دورًا حيويًا في توازن الموائل البحرية لكن خلال المائتي عام الماضية قلبت الأنشطة البشرية الموازين، حتى تم تصنيف جميع أنواع السلاحف البحرية السبعة تقريبًا على أنها مهددة بالانقراض مع وجود ثلاثة أنواع تعاني من خطر محدق.
ووفقا للصندوق العالمي للطبيعة "wwf"، فإن أول تهديد يواجه استدامة السلاحف البحرية هو الاستهلاك البشري لها، عبر تناول لحومها وبيضها كمصدر للغذاء بجانب قتلها والتجارة بأعضائها نتيجة ثقافات وأعراف محلية أو العلاج بالطب البديل.
السلاحف تقابل الكثير من التحديات الطبيعية في حياتها أكثرها خطورة شبح الموت يوميا بسبب الموروث الشعبي، ووفق المعتقدات المحلية المصرية تتحول هذه الكائنات الهادئة إلى "ترياق الحياة"، حيث يتم التضحية بالسلاحف من أجل أكل لحومها للتداوي من الأمراض أو شرب دمائها لزيادة القدرة الجنسية وعلاج العقم لدى الرجال أو زيادة الخصوبة لدى النساء.
في بعض دول الخليج، يقوم السكان المحليون باصطياد السلاحف وجمع بيضها على اعتبار أنها مصدر غني للغذاء أو بهدف زيادة طاقة الرجال، بينما في اليمن يتحول هذا الكائن إلى طبق شهي في حفلات السمر كجزء من الثقافة المحلية وبغرض الشفاء من الأمراض.
لا توجد دراسة علمية تدعم هذه المزاعم، وعلى العكس أغلب الأبحاث ترفض هذا السلوك، ليس فقط بسبب انقراض السلاحف، بل لخطورتها على صحة الإنسان لأن استهلاك منتجات السلاحف البحرية (مثل اللحوم والأعضاء والدم والبيض) ينتج عنه الكثير من المخاطر الصحية بسبب وجود البكتيريا والطفيليات وارتفاع مستويات المعادن الثقيلة والمركبات العضوية في الأنسجة السلاحف البحرية بشكل يتجاوز المعايير الدولية لسلامة الأغذية.
ويقود استهلاك منتجات السلاحف البحرية في النهاية إلى تأثيرات سامة والإصابة بالإسهال والقيء والجفاف الشديد، وقد ينتهي الأمر في بعض الأحيان إلى الخضوع للعلاج والوفاة، وقد لا يظهر الضرر على الفور ولكنه تتراكم في الأنسجة الإنسان على مدار العمر نتيجة تناول بيض السلاحف مما يسبب مشاكل في الكلى والهيكل العظمي ومشاكل الصحة الإنجابية وأنواع مختلفة من السرطان، وفقا لتقارير نشرتها منظمة الصحة العالمية ومجلة "إيكو هيلث جورنال".
ربما تكون السلاحف البحرية هي الأكثر عرضة للاستهلاك البشري لأنها ما زالت موجودة بشكل أكبر في المنطقة العربية، كما أنها تعيش على السواحل بالقرب من مجتمعات محلية على عكس السلاحف البرية التي تعيش في الغالب في مناطق صحراوية قاحلة بعيدة عن التجمعات السكنية، لكن ذلك لا يمنع من التأكيد على أن الأخيرة تتعرض أيضا إلى خطر الاصطياد وتجارة الحيوانات الأليفة الدولية والبيع على نحو غير قانوني.
ويعود اصطياد السلاحف البحرية إلى الاعتقاد بجلبها الحظ للمنزل وهو ما تحدث عنه الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة، على اعتبار أنه تقليد يتواجد في عدة ثقافات محلية حول العالم، لكنها في الغالب تفقد حياتها بسبب خروجها من بيئتها وعدم تقديم الرعاية المناسبة لها.
)يتعرض التمساح النيلي للصيد أو القتل العشوائي، مما قد يجعله عرضة للانقراض مع الوقت، بسبب المعتقدات السائدة في دول حوض النيل ومنها مصر والسودان حول الفوائد الطبية للحومه‘‘
الأكثر قراءة
التمساح النيلي
ومن السلاحف المهددة بالانقراض إلى التمساح النيلي الذي يعتبر ثاني أكبر الزواحف الموجودة في العالم، لكنه أدرج عام 2017 ضمن القائمة الحمراء للأنواع المعرضة لخطر الانقراض الصادرة عن الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة، والذي أشار إلى أن أحد أسباب صيد التمساح النيلي هو الأغراض العلاجية الشعبية.
يتعرض التمساح النيلي للصيد أو القتل العشوائي، مما قد يجعله عرضة للانقراض مع الوقت، بسبب المعتقدات السائدة في دول حوض النيل ومنها مصر والسودان حول الفوائد الطبية للحومه التي يقال إنها تقوي جهاز المناعة، ودهونه التي تستخدم كعلاج للجروح.
ورغم اعتماد بعض الدول على التماسيح كمصدر للبروتين في السلسلة الغذائية البشرية، فقد نشر موقع "دايلي ساينس" الأمريكي، دراسة عن المخاطر البيولوجية لأكل الزواحف ومنها التمساح، والذي قد يسبب العديد من المشاكل الصحية بسبب احتمال وجود البكتيريا المسببة للأمراض وخاصة السالمونيلا .
أسطورة الإله "سوبك"
يستمد التمساح النيلي شعبيته وأهميته في حضارة وادي النيل من تجسيده صورة الإله سوبك في الحضارة المصرية القديمة، رمز الخصوبة والقوة والحامي من الأخطار، وانتقلت هذه الفكرة عبر الأجيال وباتت جزءا من الموروث الشعبي للمنطقة.
وربما تكون هذه الأسطورة القديمة هي السبب وراء معتقد بيع العضو الذكري للتمساح على اعتبار أنه علاج للأمراض الجنسية والخصوبة عند الرجل.
الضبع المخطط
في عام 2008، انضم الضبع المخطَّط إلى الحيوانات المعرضة للانقراض، والذي يتواجد داخل المنطقة العربية في عدة أماكن منها دول شمال إفريقيا وبعض دول الخليج والشام.
يكتسب الضبع المخطط سمعة سيئة في الفولكلور العربي؛ حيث تعتمد علاقته بالبشر على المعتقدات الموروثة من الحضارات القديمة، مثل أنه رمز للغدر والخيانة أو مصدر من مصادر الشعوذة وربما صنع شكله المخيف جزءا من الأساطير المنسوجة حوله، لكن هذه الخرافات جعلته هدفا للصيد والاتجار غير المشروع.
وعلى سبيل المثال في المملكة المغربية تروج تجارة صيد الضباع من أجل أعمال السحر وتباع الرأس والدماغ بأسعار باهظة، بينما في دول أخرى يتم بيع أعضاء جسده لاستخدامها في الطب التقليدي، بحسب ما ذكرته مجلة "ناشيونال جيوجرافيك".
تدمير التنوع البيولوجي
أمام انقراض الحيوانات بسبب الممارسات البشرية والأفكار البالية، تمتد التهديدات للنظام الإيكولوجي بالكامل، لأن غياب أي حيوان قد يزلزل هذا النظام ويؤثر على التنوع الأحيائي، الذي يعد بمثابة الدعامة للحياة البشرية ورفاهيتها.
وتلعب السلاحف البحرية دورًا بارزًا في الحفاظ على النظم البيئية المتوازنة والصحية، فهي رابط أساسي في هذه النظم، حيث تساعد في الحفاظ على صحة طبقات الأعشاب البحرية والشعاب المرجانية التي تفيد الأنواع ذات القيمة التجارية، مثل الجمبري وسرطان البحر والتونة، ونقل العناصر الغذائية إلى كائنات أخرى أو أنها تتغذى على كائنات أخرى مثل قناديل البحر وعند تعرض السلاحف للانقراض فذلك يهدد بزيادة خطر القناديل البحرية.
وهنا يتضح مدى الكارثة التي تهدد التنوع البيولوجي في ظل دراسة جديدة أجرتها جامعة أريزونا الأمريكية، أكدت أنه تم قتل أكثر من 1.1 مليون سلحفاة بحرية بشكل غير قانوني خلال الثلاثين السنة الماضية.
أما الضباع المخططة فهي تمثل حلقة جوهرية في النظام البيئي؛ حيث تقتات على جثث الحيوانات معظم الوقت مما يحافظ على التوازن ويخلص الكوكب من الجيفة وبقايا الكائنات الميتة، وتعرضها للانقراض يمثل تهديدا كبيرا للأنظمة البيئية التي استمرت لآلاف السنين.
حلول مقترحة
تكمن أهم وسائل التغلب على الخرافة في زيادة الوعي وإطلاق الحملات التوعوية والنصائح الإرشادية عبر المبادرات الحكومية لحفظ الحيوان والمجتمع المدني، أو الاستعانة بالمؤسسات الدولية، مثل الصندوق العالمي للطبيعة الذي يقدم عبر موقعه الإلكتروني بعض الخطوات لمكافحة الاتجار غير المشروع، ومنها تطوير سبل عيش بديلة للسكان المحليين حتى لا يعودوا للمارسات الخاطئة والترويج لقيمة الحيوان، وتدريب الحراس المحليين لمراقبة الحياة البرية والتصدي للصيد الجائر.
ويتطلب الأمر وقف الأسواق التقليدية والإلكترونية لبيع الحيوانات، فرغم امتلاك عدد من قوانين البيئة المفعلة، لا تزال تجارة الحيوانات النادرة والمفترسة رائجة في الأسواق التقليدية في مدن مصرية، مثل سوق الجمعة بالعاصمة القاهرة، وأيضا بالمدن الساحلية مثل الإسكندرية وبورسعيد؛ إذ يخالف التجار وصيادون قانون حماية البيئة المصري بالاتجار في الحيوانات داخل حلقات السمك الأسبوعية.
وهناك أيضا الأسواق الإلكترونية التي توفر بيع الحيوانات، مثل موقع أوليكس حيث تتفاوت أسعار السلاحف من 200 جنيه مصري أي ما يعادل 8 دولارات وصولا إلى 2000 جنيه أو 70 دولارا، وهذه الأسعار حتى عام 2022، أي قبل موجة الصعود الأخيرة للدولار أمام الجنيه.
ويلعب الدين دورا في مواجهة الخرافات؛ حيث تحتاج تصفية الموروث الشعبي من المعتقدات السلبية والضارة بالمجتمع إلى تدخل المؤسسات الدينية من أجل الإصلاح والتوجيه، وهو ما تم بالفعل في قضية صيد السلاحف، حيث أصدرت دار الإفتاء المصرية فتوى بهدف تحريم صيدها، مؤكدة أن تعذيب الحيوان وإيلامه وتصفية دمه من كبائر الذنوب.
واعتمدت الفتوى على معيار الحفاظ على مكونات البيئة باعتباره مطلبا شرعيا، لأن صيد الحيوان قد يؤدي إلى إفناء سلالته واختلال التوازن البيئي بينما أمر الإنسان بإعمار الأرض، وليس إفسادها وإفناء السلالات.
وعند تطبيق هذا المعيار على جميع الكائنات المهددة بالانقراض سنجد أن الفتوى تنطبق على الحيوانات كافة، وأخيرا، يجب التأكيد على أهمية تجريم الاتجار وتفعيل القوانين والاتفاقيات الدولية الرادعة من أهمها اتفاقية سايتس للحفاظ على البيئة.