عكف العديد من العلماء على تجارب اعتقد البعض أنها مستحيلة في الماضي؛ إذ أرادوا استخلاص الماء من الهواء، معتمدين على بخار الماء المتطاير حولنا. ولعلك سمعت عن تلك المحاولات الكثيرة، لكن الأهم في أزمة العالم اليوم أنها طريقة مستدامة لمواجهة أزمة نقص المياه، خاصةً في العالم العربي.
وفقاً لتقارير أممية، تحتل منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا المركز الأول في قائمة المناطق التي تعاني من شح المياه؛ إذ تقع 11 من دول المنطقة ضمن قائمة أكثر 17 دولة معاناةً من الإجهاد المائي.
مشروعات الحصول على المياه من الهواء موجودة بالفعل في عدد من الدول العربية، كالمملكة العربية السعودية، والإمارات، والمملكة المغربية، لكن اكتشافاً جديداً خرج إلى النور يمكنه زيادة فاعلية تلك المشروعات.
المواد الماصَّة للمياه
كلما ارتفعت درجة الحرارة، تفقد الغالبية العظمى من المواد الماصَّة للمياه قدراتها، وهذا هو السبب الذي يجعل العرق يخرج من جلودنا، ويؤدي إلى جفاف النباتات عند التعرُّض للحرارة. وينطبق الأمر كذلك على المواد التي جرى تصميمها لامتصاص الرطوبة، مثل عبوات هلام السليكا، التي تفقد خصائصها الإسفنجية عند احترار الجو.
لكن يبدو أن هناك مادةً بعينها تتسم بميزة فريدة في مقاومة تأثير الحرارة؛ إذ اكتشف علماء الهندسة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا بالولايات المتحدة أن مادة "البولي إيثيلين جليكول" “PEG” – وهي عبارة عن "هيدروجيل" شائع استخدامه في إنتاج الكريمات التجميلية، والكبسولات الدوائية – يمكنها امتصاص الرطوبة من الغلاف الجوي دون أن توقفها الحرارة.
الفريق طور النموذج اعتماداً على خصائص "PEG" الفريدة، لاستخدامه في تصميم مواد أخرى مقاوِمة للحرارة، وقادرة على امتصاص المياه
مفاجأة سارة
اكتشف الفريق أن مادة البولي إيثيلين جليكول، تضاعف قدرتها على امتصاص المياه بمجرد ارتفاع الحرارة من 25 إلى 50 درجة سيلزيوس (77 إلى 122 درجة فهرنهيت)؛ فزيادة درجة حرارة المحيط يُحوِّلها من طور متبلور إلى آخر أقل تنظيماً؛ ما يعزز قدرتها على التقاط المياه، وفقاً للموقع الرسمي للمعهد.
الفريق طور النموذج اعتماداً على خصائص "PEG" الفريدة، لاستخدامه في تصميم مواد أخرى مقاوِمة للحرارة، وقادرة على امتصاص المياه؛ إذ يرى الباحثون أن مثل هذه المواد يمكن تحويلها إلى أدوات لجمع الرطوبة من الهواء من أجل الحصول على مياه الشرب، لا سيما في المناطق الصحراوية القاحلة، كما يمكن استخدامها في المضخات الحرارية، وتكييفات الهواء؛ للمساعدة في تنظيم درجات الحرارة والرطوبة بدرجة أعلى من الكفاءة.
تطبيقات مختلفة
يقول لينان تشانغ – وهو باحث في قسم الهندسة الميكانيكية بالمعهد – إن كميات كبيرة من الطاقة التي تُستهلَك في المباني، تكون مخصصة للتنظيم الحراري، لكن هذه المادة يمكنها أن تصبح عنصراً أساسيّاً في أنظمة التحكم السالبة في المناخ، التي تستخدم في عمليات التبريد والتدفئة في المباني.
دورية Advanced Materials نشرت تفاصيل التجارب التي أجراها الباحثون؛ إذ استهدفت المجموعة التي تشرف عليها الدكتورة إيفلين وانغ في مختبر أبحاث تابع للمعهد، مواجهة تحديات الطاقة والمياه، عبر تصميم مواد وأجهزة جديدة يمكنها إدارة المياه والحرارة إدارةً مستدامةً.
واكتشف الفريق خصائص مادة PEG غير التقليدية خلال عملية تقييم عدد كبير من مواد "الهيدروجيل" لتحديد قدراتها على جمع المياه.
اكتشف الباحثون أن المادة يزيد وزنها بفعل الحرارة، لكنها تستمر في الامتصاص حتى مع رفع درجة حرارة الغرفة إلى 50 درجة.
يقول تشانج إنهم كانوا يبحثون عن مادة ذات كفاءة عالية يمكنها التقاط المياه، وتصلح لتطبيقات مختلفة، ومن ثم فإن مواد "الهيدروجيل" مرشح مثالي؛ فغالبية مكوناتها من المياه وشبكة بوليمرية، ويمكنها التمدد في الوقت الذي تمتص فيه المياه؛ لذا تصلح تماماً لعمليات تنظيم الرطوبة، وبخار المياه.
خلال عمليات التقييم، وضع الفريق كل مادة على مقياس جرى وضعه داخل غرفة تحكَّموا في أجوائها، وعندما تبدأ تلك المواد بامتصاص الرطوبة، يبدأ وزنها يزداد، وبحساب تلك التغيرات، تمكن الباحثون من تتبع قدراتها، عبر التحكم في درجة حرارة الغرفة ورطوبتها.
النتائج كانت تقليدية مع الغالبية العظمى للمواد، وتوصلت إلى أن الاحترار يؤدي إلى تراجع التقاط الرطوبة، والسبب الذي يفهمه الباحثون جيداً أن سريان الحرارة وارتفاع درجتها يدفع جزيئات المياه إلى الحركة بطريقة أسرع، فتزداد صعوبة اندماجها مع غالبية المواد الأخرى، لكن المفاجأة كانت عندما اكتشفوا علاقة عكسية تسببها مادة "PEG".
اكتشف الباحثون أن المادة يزيد وزنها بفعل الحرارة، لكنها تستمر في الامتصاص حتى مع رفع درجة حرارة الغرفة إلى 50 درجة.
تقول الباحثة شينيو ليو: "في البداية، اعتقدنا أننا أخطأنا في بعض القياسات، ثم فكرنا في احتمالية الأمر، وبعد التأكد مرةً ثانيةً من صحة كافة خطوات التجربة، أدركنا أن الأمر حقيقة"، وأنها المادة الوحيدة المعروفة التي تتمتع بتلك الميزة.
ركز الفريق على محاولة تحديد السبب وراء تلك السمة غير العادية، ليكتشفوا أن نقطة الانصهار الطبيعية لمادة PEG، تقع عند 50 درجة؛ ما يعني أن التركيب المجهري لها ينهار تماماً ويتحول إلى طور غير متبلور، وهو ما يمنح "البوليميرات" الموجودة بها المزيد من الفرصة لالتقاط جزيئات المياه التي تتحرك بسرعة.
يوضح "تشانغ" إن في المرحلة الأولى، قد يكون هناك مساحة محدودة على المواد البوليميرية لجذب المياه، لكن في المرحلة التالية، يمكن اتساع المساحة وبالتالي فإن الأداء العام يتحسن مع زيادة الحرارة.
بعد ذلك، طوَّر الفريق نظرية لتوقُّع كيفية قيام مواد "الهيدوجيل" بالامتصاص، وتوصَّلوا إلى أنهم يمكنهم تفسير سمات المادة من خلال إضافة تأثير الانتقال بين المرحلتَين، ليمكن من خلال تلك النظرية توقُّع ما سيحدث.