تمتلك أشجار المانجروف نظاماً بيئياً معقداً وفريداً، بفضل جذورها الراسخة بعمق في الماء، وهي تزدهر في البيئات الحارة والطينية والمالحة، حيث لا يمكن لأي نبات آخر البقاء على قيد الحياة.
وتعود هذه الأشجار بالفائدة على الجميع، إذ يعتمد عليها أكثر من 1500 نوع من النباتات والحيوانات، ما يدعم التنوع البيولوجي، كما تلعب غابات المانجروف دوراً مهماً في حماية المجتمعات الساحلية من الكوارث الطبيعية مثل العواصف وأمواج تسونامي.
وتكافح أشجار المانجروف تغير المناخ من خلال احتجاز الكربون، حيث تعد هذه الأشجار من بين أغنى النظم البيئية بالكربون على هذا الكوكب، وتخزن في المتوسط 1000 طن من الكربون لكل هكتار في كتلتها الحيوية والتربة الأساسية، وفقاً لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة.
غابات المانجروف العربية
يمثل المانجروف ثروة مهمة على طول السواحل العربية، ومنها الشواطئ الغربية، ووفقاً لتقرير منظمة الأغذية والزراعة "أشجار المانجروف في العالم" فإن إفريقيا تمتلك ثاني أكبر مساحة من أشجار المانجروف على مستوى العالم، حوالي 2.82 مليون هكتار؛ بما يمثل 19% من مساحة المانجروف العالمية، والتي تتركز في منطقة غرب إفريقيا حيث تقع موريتانيا، والتي تطل على الساحل الجنوبي الشرقي للمحيط الأطلسي
وينمو في موريتانيا المانجروف الأسود، وهي أشجار شديدة التحمل تتكيف مع البيئات القاسية حيث تتغير مستويات المياه والملوحة، ويستطيع المانجروف الأسود اختراق أقصى المناطق الداخلية في المياه المالحة.
ويعتبر المانجروف الأسود ذو قيمة كبيرة في استعادة مستنقعات المياه المالحة بسبب قدرته على تصفية الرواسب واحتجازها، حيث تعمل غابات المانجروف الأسود كمصرف للمغذيات الزائدة والملوثات، وتلعب دوراً في تقليل طاقة الأمواج، فهي تتكيف بسهولة مع النباتات الأصلية الأخرى، حسب وزارة الزراعة في الولايات المتحدة USDA.
ومن غرب القارة إلى سواحل منطقة القرن الإفريقي، حيث تمتلك الصومال ثاني أطول خط ساحلي في كل قارة إفريقيا، والذي يمتد على خليج عدن والمحيط الهندي، وتتركز أشجار المانجروف في الساحل الجنوبي للبلاد.
وتعد غابات المانجروف في منطقة شرق إفريقيا ومنها جنوب الصومال، منطقة بيئية تعمل كمصائد غذائية لأحواض الأنهار وتوفر المأوى والملجأ للعديد من الأنواع المهمة من الأسماك والروبيان وسرطانات البحر والرخويات.
كما توفر المستنقعات الطينية الضحلة التي ترتبط بأشجار المانجروف المنتشرة على طول الساحل، مواقع مهمة للطيور المهاجرة، وتلعب غابات المانجروف دوراً مهماً في منع تآكل الشاطئ، ومنع تدفق الرواسب على الشعاب المرجانية، حسب موقع "one earth"
أما في جيبوتي، تمثل غابات المانجروف نظاماً بيئياً بالغ الأهمية لمواجهة تأثيرات أزمة المناخ على طول المناطق الساحلية؛ فالبلاد معرضة بشدة لتداعيات التغير المناخي، ومهددة بفقدان جزء من سواحلها بسبب ارتفاع مستويات سطح البحر، ما يعرض حياة معظم سكان الساحل إلى الخطر.
ويتعاون برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP) مع جيبوتي من أجل استعادة أشجار المانجروف داخل المجتمعات المحلية ومقاومة تغير المناخ، حيث توفر غابات المانجروف دفاعاً طبيعياً ضد الأحداث الجوية المتطرفة، وحاجزاً ضد ارتفاع مستوى سطح البحر مع امتصاص الكربون، وتحافظ على سبل العيش للمجتمعات الساحلية.
دراسة حديثة
ورغم ثبوت الأهمية الكبيرة لأنظمة أشجار المانجروف عربيا وعالميا، لكنها تشهد تراجعاً مقلقاً، فقد انخفضت مساحة أشجار المانجروف في العالم بمقدار 284 ألف هكتار منذ عام 2000 وحتى 2020، بسبب عدة ظواهر طبيعية، مثل: ارتفاع مستوى سطح البحر وتغيرات درجة الحرارة وهطول الأمطار، إضافةً إلى تأثير الأنشطة البشرية مثل الزراعة والتوسع الحضري، وفقاً لتقرير منظمة الأغذية والزراعة.
وفي ظل هذا الوضع المقلق، أصبحت جهود الحفظ واستعادة الغابات أكثر أهمية من أي وقت مضى، وخاصة داخل آسيا وإفريقيا، حيث تتواجد أكبر مساحات لأشجار المانجروف بالعالم، مع الاستمرار في اجراء الدراسات والابحاث العلمية لتحسين وتعافي المانجروف.
وتوصلت أحدث دراسة أجراها باحثون في جامعة بوترا الماليزية، إلى أن مراقبة مجتمعات الطيور التي تعيش في غابات المانجروف يمكن أن تكون بمثابة مؤشرات مفيدة لقياس صحة النظام البيئي لأشجار المانجروف.
ويوضح فريق الباحثين أنه عند بداية مشاريع زراعة أو استعادة أشجار المانجروف، يكون من الصعب تتبع او قياس مدى تقدم هذه المشاريع أو معرفة المرحلة التي وصلت إليها، لذلك تقترح الدراسة مراقبة مجتمعات الطيور التي تعيش في غابات المانجروف باستخدام علم الصوتيات الحيوية، للحصول على إجابات لهذه الأسئلة.
استخدم الفريق أجهزة تسجيل الصوت للاستماع إلى الطيور في مواطنها الطبيعية، حيث ركب 20 جهازاً للتسجيل الصوتي داخل 4 محميات لغابات المانجروف، في مراحل مختلفة من النمو، أحدث واحدة يبلغ عمرها نحو 10 سنوات، بينما الأقدم مر على زراعتها أكثر من 4 عقود.
ومع مراقبة التسجيلات وتحليلها، وجد الباحثون أن غابات المانجروف التي تضم أشجاراً أكبر وأطول وتتمتع بغطاء شجري كبير، تدعم مجموعة أكبر وأكثر تنوعاً من الطيور، وحددوا 53 نوعاً من الطيور تشتمل أنواع مهددة بالانقراض، تعيش داخل أكبر وأقدم محمية بينما يقل عدد الطيور وتنوعها في المحميات الأصغر والأحدث.
وتذكر الباحثة في مجال الصوتيات الحيوية بجامعة صنواي الماليزية، لو ين يي، أن مراقبة مجتمعات الطيور باستخدام علم الصوتيات تساعد بشكل واضح على تتبع تقدم استعادة أشجار المانجروف على المدى الطويل.
وأكدت أهمية علم الصوتيات الحيوية الذي يستخدم بشكل متزايد في جنوب شرق آسيا، حيث يسمح للباحثين بجمع بيانات طويلة الأجل ومتعمقة عبر الغابات الكثيفة، والتي يكون من الصعب مسحها سيراً على الأقدام.
وأضافت أن علم الصوتيات الحيوية يعمل على تقليل تأثير وجود المراقبين البشريين على مجتمعات الطيور، ما يزيد من فرصة اكتشاف الأنواع النادرة والمهددة بالانقراض دون الإضرار بهذه المجتمعات أو إزعاجها.
تظهر هذه الدراسة إمكانية استخدام علم الصوتيات الحيوية لمجتمعات الطيور لضمان تقدم مشاريع استعادة أشجار المانجروف بنجاح، وهي طريقة بسيطة وفعالة يمكن استغلالها في غابات المانجروف العربية والعالمية من أجل الحصول على غطاء شجري جيد من شأنه أن يدعم التنوع البيولوجي والمرونة المناخية وصحة النظام البيئي بشكل عام.