تتوالى الكوارث الطبيعية الناتجة عن التغير المناخي، ومعها تزداد أهمية التوصل إلى حلول مستدامة تُمكِّن البشر من مواجهة المخاطر الناتجة عنها، دون أن تؤدي إلى إحداث المزيد من الضرر بالبيئة المحيطة.
إحدى الآثار التي يفاقمها الاحتباس الحراري ولا تحظى بتركيز كافٍ ضمن النقاشات المتعلقة بالحلول المناخية هي الانهيارات الأرضية.
وفقاً لإحصائيات أممية، تسببت الانهيارات الأرضية في وفاة 18 ألف شخص خلال أقل من عقدين، وتجاوز عدد المتضررين منها 5 ملايين شخص، لكنَّ تصاعُد آثار التغيرات المناخية يُنذِر بزيادة الخطر.
مصدر الصورة: رويترز
التغير المناخي والانهيارات الأرضية
الأكثر قراءة
بجانب ثوران البراكين والزلازل، وبعض الأنشطة البشرية مثل التنقيب عن المعادن، يساهم هطول الأمطار الغزيرة والفيضانات في إضعاف قوة التربة التي تفقد قدرتها على الصمود عند نقطة بعينها.
وكلما ازدادت درجة حرارة الأرض، ارتفعت كميات بخار المياه التي تصل إلى الغلاف الجوي، ومن ثم ازدادت معدلات هطول الأمطار في مناطق بعينها.
مشاهد الانهيارات الأرضية كانت حاضرة خلال موجة الفيضانات الأخيرة التي اجتاحت منطقة الخليج العربي في أبريل الماضي؛ ما يلفت الأنظار إلى ضرورة مواجهتها.
إحدى التجارب التي نجحت في تقليل خطر الانهيارات الأرضية شهدتها منطقة بيلاسبور الهندية، والسر في ذلك: اللجوء إلى الهندسة الحيوية للتربة.
مصدر الصورة: رويترز
في أغسطس 2023، أدت الأمطار الغزيرة التي اجتاحت شمال الهند إلى فيضانات عارمة وانهيارات أرضية في مناطق عديدة، وتدمير العديد من الطرق.
تخفيف الأضرار
في حديثه إلى صحيفة "الجارديان" البريطانية، يروي كيشوري لال حاكم قرية كوثي جيري بولاية هيمشال براديش في جبال الهيمالايا ما حدث في ذلك اليوم، مشيراً إلى تدمير الطريق الذي يربط القرية بالطريق السريع للولاية.
وسط كل تلك الفوضى التي عمَّت المنطقة، والتي بقيت العديد من طرقها مغلفة لفترات طويل، نجحت السلطات في تسيير الطريق المؤدي إلى القرية خلال أقل من أسبوع واحد، في تراجع عن فترات الإغلاق التي كانت تطبق من قبل، وتمتد لشهر كامل خلال موسم تقلب الأجواء.
يشير تقرير "الجارديان" إلى أن نقطة التحول التي شهدتها القرية كانت عام 2010، عندما بدأ تطبيق تقنيات الهندسة الحيوية للتربة، وتثبيت المنحدرات المعرضة للخطر في اثنين من المواقع على الطريق المؤدي إليها، من خلال زراعة مساحات من النباتات.
نيها فاياس إحدى كبار اختصاصيي البيئة في البنك الدولي، تعتبر الهندسة الحيوية للتربة إحدى مكونات البنى التحتية الصديقة للبيئة، وتشمل خطة لزراعة الغطاء النباتي، وإدماج مواد عضوية أخرى تساهم في دعم استقرار التربة، وتعزيز مرونة النظام البيئي.
وفقاً لرأيها، يمكن للهندسة الحيوية للتربة أن تصبح نهجاً مستداماً ومُجدِياً اقتصادياً في تخفيف المخاطر البيئية، ومنها الانهيارات الأرضية، عبر توظيف الخصائص الطبيعية للنباتات، ومنها الطريقة التي تعمل بها جذورها.
نباتات ميتة
تلك الخصائص لا تقتصر على النباتات الحية فحسب؛ فالتجربة التي شهدتها ولاية هيماشال براديش شملت استخدام نباتات حية وميتة منها نبات الخيزران، إضافةً إلى الاستعانة بعناصر هندسية أخرى مثل استخدام الجدران الترابية.
وكان مشروع القرية واحداً من بين ما يزيد عن 250 مشروعاً لمعالجة امتدادات الطرق الجبلية في المنطقة ساهم البنك الدولي في تنفيذها، وهو ما أدى إلى انخفاض الأضرار التي شهدتها الولاية خلال الفيضانات الكارثية التي اجتاحتها العام الماضي.
لكن مسؤولة البنك الدولي تشير إلى أنه يمكن من خلال ذلك النهج التحكم بفاعلية في عمليات التآكل التي تتعرض لها الطرق، لا سيما مع تزايد هطول الأمطار الغزيرة بسبب تغير المناخ.
ومن خلال زيادة قدرة المنحدرات المهندسة حيوياً على امتصاص المزيد من المياه عبر تلك النباتات، يتراجع خطر جريان تلك المياه، كما يتحسن استقرار تلك المنحدرات، فيتراجع خطر الانهيارات الصخرية.
امتصاص الكربون
وعلاوة على ذلك، تشير "فاياس" إلى أن اختيار أنواع النباتات المناسبة يمكن أن يزيد نسب امتصاص ثاني أكسيد الكربون، ويوفر موائل للكائنات الحية، ومصدر دخل إضافي للمجتمعات المحلية الموجودة بالمنطقة.
لكن مشروعات هندسة التربة لتصبح أكثر استقراراً، تصطدم أحياناً بسوء التخطيط، أو بمنح الأولوية للتكلفة على حساب الفاعلية، في وقت لا بد فيه من استخدام تصميمات هندسية تحمي تلك النباتات، وتوفر لها بيئة تحاكي بيئاتها الطبيعية.