البيئة والصحة معاً.. كيف يحقق الصيام دائرة الاستدامة؟


سلمى عرفة
الاحد 31 مارس 2024 | 07:10 مساءً

يعدد الجميع فوائد الصيام في رمضان صحياً واجتماعياً وبالطبع دينياً، ويغفل أغلب الناس الفائدة الأشمل، وهي الفائدة البيئية؛ حيث المحيط الأعم لحياة البشر؛ إذ يُفعِّل الصيام الممارسات المستدامة دون إدراك مباشر من الصائم، فكيف ذلك؟

دائرة استدامة كاملة

يعزز الصيام الممارسات المستدامة، ومن ثم يعمل على تقليل آثار التغير المناخي على البيئة التي بدورها تؤثر على صحة البشر، عبر أمراض أشهرها ارتفاع ضغط الدم والسكري، فكيف يمكن لصيام شهر رمضان أن يساهم في تخفيف تلك الأضرار المتصاعدة؟

الصيام والأمراض المزمنة

في دراسة نشرتها دورية "Nature Medicine"، توصَّل الباحثون إلى أن الصيام المتقطع – الذي يعد صيام رمضان أحد أنواعه – ساهم في تقليل خطر الإصابة بالنوع الثاني من مرض السكري، بسبب المساهمة في زيادة حساسية الأنسولين؛ ما يعني تراجع مقاومته.

وتشير مقاومة الأنسولين إلى عدم كفاءة خلايا الجسم في التفاعل مع السكر؛ ما يؤدي إلى زيادة نسبته في الدم؛ ما يزيد الضغط على البنكرياس الذي يفرز المزيد من الأنسولين للتعامل معه، وينتهي الأمر بفشله تماماً في القيام بالمهمة.

بحسب موقع Health Line، يساهم الصيام في استقرار مستوى السكر في الدم، والحد من ارتفاعه أو انخفاضه.

الصيام كذلك يساعدنا على مواجهة ما يعرف بمتلازمة التمثيل الغذائي، وهي عدة مشكلات صحية، مثل ارتفاع نسب الكولسترول، وارتفاع مستوى ضغط الدم، وزيادة نسبة الدهون في البطن، التي تساهم معاً في زيادة احتمالية الإصابة بعدة أمراض مزمنة.

في عام 2021، تصدرت منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا قائمة مناطق العالم من حيث عدد مصابي مرض السكري بأكثر من 70 مليون مصاب، بحسب إحصائيات الاتحاد الدولي الفيدرالي لمرض السكري "IDF".

كل هذه الفوائد قد تساهم في تخفيف الآثار التي تنال منك جراء استنشاق هواء ملوث، أو جراء التقلبات الجوية التي تحيط بك.

يرجح الباحثون دور تلوث الهواء في ارتفاع معدلات ضغط الدم، وهو أحد عوامل خطر الإصابة بمرض القلب.

التغير المناخي.. الخطر المقابل

بحسب الجمعية الأمريكية للقلب، يساهم التعرض لتلوث الهواء في الإصابة بتصلب الشرايين، وتطور حالتها، وهو ما يؤدي في النهاية إلى الإصابة بأمراض القلب.

يرجح الباحثون دور تلوث الهواء في ارتفاع معدلات ضغط الدم، وهو أحد عوامل خطر الإصابة بمرض القلب.

الظروف البيئية لا تساهم في زيادة خطر الإصابة فحسب، بل تزيد كذلك التهديدات التي يواجهها المصابون بالفعل.

في عام 2022، نشرت دورية "Lancet planet Health"، تحليلاً علمياً شمل ما توصَّل إليه الباحثون بعد تحليل مئات الدراسات، وخلصوا إلى أن الموجات الحارة تؤدي إلى زيادة معدلات الوفيات المرتبطة بأمراض القلب والأوعية الدموية بنسبة تفوق 11%.

إذا ما عدنا إلى مرض السكري مجدداً، فسنجد هناك علاقة بين التعرض لجزيئات PM2.5 الملوثة، التي تنتج من مصادر مختلفة، مثل احتراق الغابات، أو انبعاثات المنشآت الصناعية، وبين الإصابة بالنوع الثاني من مرض السكري.

في الهند التي تعد من أكثر الدول معاناةً من تلوث الهواء، اكتشف الباحثون زيادة احتمالية الإصابة بمرض السكري بنسبة تفوق 20% مقابل كل 10 ميكروجرامات/م3 زيادة في المتوسط السنوي لتلك الجزيئات، حسبما نقلت صحيفة الجارديان البريطانية.

الصيام يدعم الصحة العقلية

الامتناع عن الطعام والشراب كذلك لفترة محددة يعمل على تحسين وظائف الدماغ، ويحمي من أمراض عقلية خطيرة.

بحسب موقع "Health line"، يساهم الصيام المتقطع في زيادة هرمون يطلق عليه "عامل التغذية العصبية المشتق من الدماغ"، الذي يرتبط بتحسين الوظائف الإدراكية، وتعزيز القدرة على التعلم، ووظائف الذاكرة، في الوقت الذي يرتبط فيه نقصه بالإصابة بمشكلات الصحة العقلية كالاكتئاب.

وبإجراء التجارب على الفئران، اكتشف باحثون في كلية سان دييجو للطب في جامعة كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية، أن تقييد تناول الطعام بوقت محدد أدى إلى تقليل تراكم بروتين الأميلويد في الدماغ، وهو البروتين المرتبط المسؤول عن منع خلايا المخ من القيام بعملها عند زيادته لدى مصابي ألزهايمر.

على الجانب الآخر، يؤثر تلوث الهواء والتدهور البيئي الذي تتعرض له الأرض سلباً على صحة دماغك.

في عام 2022، كشفت لجنة آثار تلوث الهواء في بريطانيا – وهي مجموعة من العلماء من تخصصات مختلفة تقدم الاستشارات إلى السلطات المعنية – نتائج مراجعة نحو 70 دراسة، وانتهت إلى ارتباط تراجع جودة الهواء بتسارع التراجع الإدراكي لدى البشر، وزيادة خطر الإصابة بألزهايمر.

الأمر لا يقتصر على التلوث فحسب؛ فدرجات الحرارة المتطرفة الناتجة عن التغيرات المناخية في الفصول المختلفة، لها دور كذلك في التأثير على الطريقة التي تعمل بها عقولنا.

وفي الوقت الذي تتزايد فيه وتيرة الموجات الحارة بفعل التغيرات المناخية، يتراجع أداء أدمغتنا خلال الموجات الحارة، وتزداد صعوبة المهام التي تتطلب درجة مرتفعة من الانتباه والتركيز، وفقاً لدراسات نقلها موقع "فوربس".

التعرض للبرد الشديد خلال موجات الشتاء القارس ينتهي أيضلً بنتائج مماثلة؛ إذ يؤثر كذلك بالسلب على أداء العقل، بحسب تحليل نشرته المكتبة الأمريكية الوطنية للطب.