"حقيبة الكوارث".. محاولة إنقاذ ذكريات البشر من الأزمات المناخية


سلمى عرفة
الخميس 22 فبراير 2024 | 10:10 مساءً

إذا تلقيت إنذاراً يخبرك بضرورة مغادرة منطقتك بسبب فيضان مدمر يقترب منها، فبالتأكيد ستفكر على الفور في الأشياء التي يمكنك اصطحابها، لكن ما لا تعرفه أن طبيعة المقتنيات التي ستنجح في حملها معك قد تتحكم في الآثار التي ستلحق بك من جراء التعرض لتلك الكارثة.

الصحفية الأمريكية أيوريلا هورن-مولر، تروي في تقرير نشره موقع "The Atlantic"، ما حدث لعائلتها في أبريل الماضي، عندما اجتاحت الفيضانات ولاية فلوريدا، ورغم نجاة والدها وشقيقتها الكبرى دون أن يصيبهم أذى، فإن الكثير من مقتنياتهم تحولت إلى حطام غمرته المياه.

تقول "أيوريلا": "وسط كل تلك الذكريات المدمرة، كانت هناك قطع من ملابس الرضع التي حرصت شقيقتي على الاحتفاظ بها، لكنها نسيتها حين وقع الفيضان، ولا زالت تتحسر عليها رغم مرور ما يزيد عن 6 أشهر على الواقعة؛ فالعائلة احتفظت بها لعقود طويلة، وارتدتها شقيقتي في طفولتها، كما ارتدتها ابنتها التي تبلغ من العمر عامين، وكانت تود الاحتفاظ بها حتى تنقلها ابنتها إلى الأحفاد".

الأمطار الغزيرة والمفاجئة التي سقطت على فلوريدا، أطاحت بأمنية شقيقة "أيوريلا"، في وقت يقف فيه التغير المناخي والاحترار غير المسبوق للكوكب خلف زيادة وتيرة العواصف التي يتعرض لها ساحل الولاية الجنوبي؛ حيث يمكن أن تتحول أي عاصفة مفاجئة إلى كارثة بفعل فيضانات المد والجزر.

وعلى مدى فترات طويلة، تعلَّم الأشخاص الذين يعيشون في مناطق الأعاصير والزلازل الاستعداد للسيناريوهات الأسوأ، لكن التهديدات الجديدة التي نعيشها أدت إلى زيادة أهمية تلك الاستعدادات لجميع الناس، بغض النظر عن الموقع الذي يعيشون به.

في الولايات المتحدة على سبيل المثال، تشمل توصيات الطوارئ إعداد كل عائلة مجموعة من الإمدادات، وتحضير نسخة صغيرة الحجم منها يمكن حملها إذا اضطروا إلى الإجلاء، على أن تشمل كميات من الطعام والشراب، ونسخاً من أوراق الهوية، وغيرها من الأساسيات.

حقيبة مناخية

لكن التجربة التي مرت بها عائلة الصحفية الأمريكية أيوريلا هورن-مولر، دفعتها إلى البحث عن خيار ثالث لإعداد "حقيبة مناخية" من نوع جديد، بعدما اكتشفت من خلال حديثها مع مجموعة من الخبراء أن التوصيات تخلو من الحديث عن المقتنيات الشخصية التي تمثل قيمة معنوية لأصحابها.

بدأت الصحفية الأمريكية بالفعل تطبق الفكرة، وأعدت حقيبة جاهزة لإخراجها من الخزانة التي وضعتها بها إذا ما استدعت الحاجة، بعدما وضعت بها المقتنيات الأقرب إلى قلبها، التي تشمل صوراً لأحبائها لفَّتها بقطع ملابس ورثتها من أقارب فارقوا الحياة، وخاتماً باهت اللون، وكومة من المذكرات التي كتبتها خلال فترة الطفولة.

تلك المقتنيات قد تبدو صغيرة الحجم نسبياً، لكن "مولر" تصفها بأنها أكثر الأشياء التي لا يمكنها الاستغناء عنها، وترغب في مشاركتها مع العائلة التي ستُكوِّنها يوماً ما.

هناك فكرة أخرى خطرت على بال عالم الاجتماع، وهي إنشاء مستودع عام يُودِع فيه الناس المقتنيات الهامة التي يريدون الاحتفاظ بها، بطريقة يسهل الوصول إليها وقتما شاؤوا

بنك الذكريات

فرناندو ريفيرا أستاذ علم الاجتماع في جامعة سنترال فلوريدا الأمريكية المتخصص في علم اجتماع الكوارث، يقول إن الأكثر أهميةً في مثل هذه الظروف هو الحاجة إلى الحفاظ على حياتنا، يليها الاحتفاظ بنسخ من وثائق الهوية، أو الأوراق الطبية، أو المالية التي يمكن الاستفادة منها لاحقاً خلال تلقي المساعدات.

لكن هناك فكرة أخرى خطرت على بال عالم الاجتماع، وهي إنشاء مستودع عام يُودِع فيه الناس المقتنيات الهامة التي يريدون الاحتفاظ بها، بطريقة يسهل الوصول إليها وقتما شاؤوا.

آثار نفسية حادة

محاولة إنقاذ ذكريات الناجين من الضياع لم تأت من فراغ؛ فـ"سو آن بل" عالمة التمريض المتخصصة في الاستجابة للكوارث، ترى أن فقدان المنزل الذي يعيش فيه الإنسان، وضياع مقتنيات شخصية بعينها يمكن أن يؤثر على الناجين خلال فترة التعافي.

الدراسة التي أجرتها "سو" ونشرتها دورية "BMC Geriatrics" حول دعم كبار السن الذين واجهوا كارثة، نقلت شهادات مقدمي الرعاية الذين تحاورت معهم ووصفوا حالة الانهيار والضيق التي طالت المرضى بسبب ما فقدوه خلال إعصارَي هارفي وإيرما.

ورغم اختلاف الأمر من شخص إلى آخر، يمكن أن يظهر الحزن والضغط المزمن الناتج عن آثار الكارثة على شكل مضاعفات صحية، قد تصل إلى الإصابة بأمراض القلب والسرطان، في وقت لا تظهر فيه تلك الآثار على الناجي مباشرةً.

تقول بريسيلا داس برايلسفورد عالمة النفس بجامعة جورج تاون، التي رصدت تفاقم الإصابة بالصداع ومشكلات المعدة بين مرضاها: "بعد أن ينتهي كل شيء، وبمجرد الدخول في مرحلة الاستقرار، تهاجمك فداحة ما حدث".

ذكريات ممتدة

رَوَت "داس برايلسفورد" ذكريات ما واجهته حين شاركت في الاستجابة الأولى لإعصار "كاترينا" الذي اجتاح الولايات المتحدة في 2005، قائلةً: "أتذكر السير عبر الركام، أنظر إلى الأشياء المفقودة خلال العواصف، وأردت أن ألتقطها وأنقذها.. إنها أشياء ثمينة بالنسبة إلى صاحبها، لكنها ستنتهي الآن إلى مكب النفايات".

كما كشفت الدراسة التي قادتها ونشرتها المكتبة الوطنية للطب في عام 2021، أن المشاركين يبالغون في درجة استعدادهم، حتى فيما يخص الخطوات الأساسية من إعداد الضروريات، أو فيما يخص الحديث مع العائلة والأصدقاء بشأن خطط الإجلاء.

هذا ما حدث كذلك مع والد الصحفية الأمريكية، الذي لم يخطر على باله أنه سيضطر إلى النزوح بسبب فيضان إلا عندما رأى المياه يرتفع منسوبها حوله، ولو كان يمكنه العودة بالزمن، لحزَم حقيبة مليئة بالذكريات: مجموعة من الكتب من التي احتفظ بها لعقود طويلة، وألبوم صور لأبويه وشقيقته وكل من فقدهم، حسب وصف الابنة.

لكن سارة ماركتارناغان الباحثة في المعهد الحضري – وهو معهد غير ربحي معني بالبحث في مجالات مختلفة؛ منها التغير المناخي – فترى أن الأشياء الهامة تختلف من شخص إلى شخص، ومن ثم يصعب العثور على دليل يتحدث عن اختيار المقتنيات الشخصية وإعدادها قبل وقوع الكارثة، لكن طرح السؤال نفسه يمثل خطوة أولى جيدة، ومن ثم فإن تذكير الناس بالمقتنيات ذات الأثر المعنوي، سواء كانت صورة أو قطعة ملابس، أمر مهم، ويمكن أن يساعد في تعافيهم نفسياً بعد الكارثة.