موجات متتالية من الجفاف تواجهها مناطق مختلفة من العالم العربي، بدأت آثارها تتضح أكثر فأكثر خلال السنوات الماضية، محدثة أثر بالغ الخطورة على التربة والزراعة.
آخر تلك الأزمات شهدتها تونس التي تعاني معدلات غير مسبوقة من الجفاف، إذ نضبت خزانات المياه، وتراجعت المحاصيل الزراعية، وسط توقعات بانخفاض محاصيل الحبوب إلى ما يتراوح بين 250:200 ألف طن، مقابل 750 ألف طن العام الماضي، وفقا لموقع "يورو نيوز".
في العراق، أثّر الجفاف أيضاً على أكثر من 7 ملايين شخص، من بينهم عاملين في قطاعي ّ الزراعة والصيد خسروا مصدر دخلهم بسببه، وفقا لموقع "بلومبرج".
6 دول عربية يضربها الجفاف
مؤسسة "جرينبيس" نشرت في 2022 تقريراً ركز على كل من مصر، والإمارات، والجزائر، وتونس، والمغرب، ولبنان، لتحذر فيه من أن جميع مناطق البلدان المشار إليها تواجه خطراً بالغاً فيما يخص ندرة المياه ما يعود بالضرر على الزراعة، ويزيد خطر المزيد من الاعتماد على استيراد الغذاء خلال العقود القادمة.
تتابع موجات الجفاف في العالم دفع العلماء إلى دراسة آثارها على التربة، وبحسب موقع Sciencedaily، تخزن التربة كميات من الكربون تفوق تلك التي تمتصها النباتات والغلاف الجوي معاً، إذ تتولى الميكروبات الموجودة فيها القيام بالأمر، لكن تصاعد وتيرة الجفاف وزيادة شدته قد تؤثر على هذا النظام البيئي الحساس.
تكيف الميكروبات
ستيفن أليسون الأستاذ في جامعة كاليفورنيا- إرفاين، حذر من التغيرات التي قد تشهدها مستويات غازات الدفيئة، والتأثيرات التي ستلحق بصحة التربة، إذا ما تكيفت الميكروبات مع ظاهرة الجفاف بدرجة أسرع من تكيف النباتات، وأكد أن علينا أن نفهم استجابتها بدرجة أكبر، حتى نتمكن من إدارة الموقف على الصعيد البيئي والزراعي، وفقاً لدورية "Trends in Microbiology".
"أليسون" يؤكد على فائدة ميكروبات التربة التي لا يمكن أن نعيش بدون مهمتها في دورة الكربون والعناصر الغذائية، لكن التغيرات المناخية والجفاف يمكن أن يغير هذا التوازن فجأة، فلابد من الوعي بتلك التغيرات.
تحوي التربة الغنية بالكربون على كميات أكبر من العناصر الغذائية التي تؤدي إلى نمو نباتات ذات إنتاجية أعلى، لأن الكربون يغير من سمات التربة ما يمنع تآكلها
الكربون من التربة إلى الهواء
تشمل الميكروبات الموجودة في التربة نوعين، إحداها يلتقط الكربون من النباتات المتحللة ويخزنها في التربة، وهو ما له فوائد عديدة، والآخر يطلقه إلى الغلاف الجوي.
ويرى عالم البيئة أن كربون التربة له تأثيرات ممتدة على العالم فيما يخص البنية التحتية لإدارة أنظمتنا البيئية والطبيعية.
تحوي التربة الغنية بالكربون على كميات أكبر من العناصر الغذائية التي تؤدي إلى نمو نباتات ذات إنتاجية أعلى، لأن الكربون يغير من سمات التربة، ما يمنع تآكلها.
بعض الميكروبات قد يمكنها مساعدة النباتات في التكيف مع الجفاف، فإذا حددنا أي الميكروبات التي تحقق الاستفادة الأكبر لها، والمرجح أن تُبقي الكربون في التربة، فقد نحاول أن نغير ذلك التوازن لصالحها.
كاليفورنيا مثالا
"أليسون" ضرب مثالا بولاية كاليفورنيا الأمريكية التي تشهد موجة جفاف يتبعها تساقط أمطار غزيرة، فهطول المياه الكثيف بالتزامن مع خسارة الكربون الموجود في التربة قد يجرفها، ويؤدي إلى تآكلها، ووقوع الانهيارات الأرضية، والطينية، وكافة المشكلات التي نشهدها حالياً.
أما الكربون في الهواء فله تأثيرات أخرى، فمن منطلق التخفيف من شدة التغيرات المناخية، نحتاج لوجود المزيد من الكربون في التربة، مقابل كميات أقل في الغلاف الجوي، فكلما زادت عمليات الامتصاص في النباتات من خلال التمثيل الضوئي، وانتقاله إلى التربة، كلما تقدمنا على طريق مواجهة التغير المناخي، ومن هنا تكمن أهمية معرفة توازن التغيرات الكربونية سواء مع الجفاف أو الاحترار أو غيرها من عوامل التغيرات المناخية.
كلا من الميكروبات والنباتات سيقعان تحت تأثير زيادة وتيرة الجفاف، لكن "أليسون" يظن أن الميكروبات قد تكون الأسرع في التعافي.
وفقا لرأيه، فإن الميكروبات يمكنها التكيف بشدة، من خلال تغيير طريقة عمل جسدها، أو إفساح المجال للميكروبات المقاومة للجفاف، وربما تتطور الميكروبات، ولذلك نتوقع أن تتمكن من مواجهة الجفاف، ويمكن أن تحدث كل تلك العمليات بسرعة تفوق النباتات بفارق كبير.
وإذا زادت نسب نجاة الميكروبات التي تطلق الكربون في الهواء عن تلك التي تمتصه، فقد ينتهي الأمر بتربة مستنزفة الكربون، ما يؤدي إلى عواقب سلبية.
ويضيف قائلا إن لدينا بيانات تشير إلى تراجع نسبة الكربون عند وقوع الجفاف، لكننا لا نتمكن من فهم تفاصيل ما يحدث وكيفيته، سواء كان يؤثر على وفرة الميكروبات المفيدة مقابل النوع الآخر، أم يؤدي إلى تطور إحدى المجموعات، أم ستحدد التغيرات الفورية التي تطرأ على أجسادها التأثير.
بعض الميكروبات قد يمكنها مساعدة النباتات في التكيف مع الجفاف، فإذا حددنا أي الميكروبات التي تحقق الاستفادة الأكبر لها، والمرجح أن تُبقي الكربون في التربة، فقد نحاول أن نغير ذلك التوازن لصالحها.
هناك الكثير من الإمكانيات أمامنا لإدارة ميكروبات التربة، ففي النظم الزراعية، يمكننا البحث في كيفية التلاعب بالتربة، أو إعادة الميكروبات المفيدة إليها مجددا.
أما النظم الطبيعية حيث تتشابك النباتات مع الميكروبات، فقد تكون الإدارة من خلال النباتات نفسها.
كما نحتاج المزيد من القياسات لفهم تأثيرات الجفاف على التغيرات الكربونية في التربة في النظم البيئية المختلفة من مناطق في القطب الشمالي إلى الصحارى، فقد نرى المزيد من الأبحاث حول تلك المناطق المتنوعة.