متحفظ أم ودود؟.. هكذا يؤثر المناخ على شخصيتك


مروة بدوي
الخميس 15 فبراير 2024 | 09:55 مساءً

تلعب العوامل البيئية المحيطة دوراً مهماً في تشكيل شخصية الفرد وهويته، وتؤثر في سلوكياته ونمط حياته، ولكن هل يمكن للمناخ أن يشارك في تكوين شخصية الإنسان؟

هناك صورة تقليدية أو نمطية حول شعوب البحر المتوسط، مثل الطليان والإسبان، أنهم شعوب ودودة ومنفتحة وأكثر احتكاكاً بالثقافات الأخرى، فيما يُوصف الإنجليز بأنهم شعب متحفظ؛ فهل ينبع ذلك من الطقس السائد والمسيطر على هذه الدول أو معظمها؟ بمعنى آخر، هل صبغت بلاد الضباب والصقيع أهلها بجمود المشاعر والبرودة على غرار طقسها، بينما أبناء الشمس في الدول المعتدلة والدافئة هم أكثر انفتاحاً وتعبيراً عن مشاعرهم؟

ما العلاقة بين المناخ والشخصية؟

دراسة نشرتها مجلة "Psychology Today" كشفت عن وجود ارتباط بين درجة الحرارة وشخصية الإنسان؛ حيث تختلف السمات الشخصية الإنسانية باختلاف المناطق الجغرافية، موضحةً أن درجة الحرارة تعتبر عاملاً بيئياً حاسماً يؤثر في الأنماط السلوكية المعتادة للأفراد، ومن ثم تؤثر في السمات الأساسية للشخصية؛ لأن البشر يختبرون درجة الحرارة في البيئة المحيطة، ويتفاعلون معها باستمرار.

وتضمنت الدراسة استطلاعاً للرأي موجهاً لسكان بلدين كبيرين جغرافياً، لكنهما مختلفان ثقافياً، شارك فيه أكثر من 5000 طالب من 59 مدينة صينية، ونحو 1.6 مليون شخص من الولايات المتحدة الأمريكية؛ حيث أظهرت النتائج أن درجة حرارة البيئة التي نشأ فيها سكان الدولتين، ساهمت في تطور سماتهم الشخصية الأساسية.

تأثير غير متوقع للمناخ في تطور الشخصية

وأوضحت الدراسة أن الأشخاص الذين نشأوا في مناطق ذات درجات حرارة معتدلة لديهم مستويات أعلى من الانبساط والاستقرار العاطفي والمرونة والتقبل والانفتاح على العوالم الجديدة، مقارنةً بأقرانهم الذين نشأوا في مناطق أكثر برودة أو أكثر سخونة؛ لأن درجة الحرارة تؤثر في تطور شخصية الفرد.

وتوصلت الدراسة إلى أن المناخ يؤثر في تطور سمات الشخصية، خاصةً خلال السنوات الأولى من حياة الفرد، موضحةً أن اعتدال الحرارة قد يجعل الناس أكثر استعداداً للمغامرة والخروج في الهواء الطلق وخوض تجارب جديدة واستكشاف بيئتهم خلال التنشئة الاجتماعية، فيما تنخفض لديهم رغبة الاستكشاف ويصبحون أكثر ميلاً للبقاء في المنازل عندما تتطرف درجات الحرارة في انخفاضها أو ارتفاعها.

ما دور الحرارة في تكوين الشخصية؟

أكدت الدراسة – التي أجريت على الأشخاص الذين وُلدوا وقضوا طفولتهم في منطقة أجدادهم الأصلية؛ لاستبعاد السببية العكسية؛ أي هجرة الناس إلى مدن غير مسقط رأسهم أو هجرة عائلاتهم – أنه كلما كانت درجة الحرارة معتدلة تمتع الشخص بمستويات أعلى من السمات الشخصية الأساسية، مثل المرونة، والاستقرار العاطفي (أي انخفاض المزاجية والعصبية)، والتقبل والانفتاح على التجارب الجديدة.

تأثير درجات الحرارة على مزاجية الأشخاص

يقول أنطونيو كالينتزيس الأستاذ المحاضر في جامعة "City Unity College" اليونانية، إن البشر يتأثرون بكل ما يحيط بهم، بما يشمل البيئة والطقس، ويمكن أن تؤثر درجة الحرارة على عواطفهم وحالتهم المزاجية؛ حيث تشير الأبحاث إلى أن الفرد قد يتمتع بمزاج أفضل عندما تكون درجة الحرارة متوسطة، أما درجات الحرارة المرتفعة فيمكن أن تجعله يشعر بالغضب والانزعاج، في حين أن الدرجات الشديدة البرودة قد تشعره بالبطء وعدم التحفيز.

ضوء الشمس يرتبط بالسعادة والإيجابية

وأضاف "كالينتزيس" أن توافر ضوء الشمس يرتبط غالباً بالسعادة والتصرفات والتفكير الإيجابي؛ حيث يؤدي ضوء الشمس إلى تحفيز هرمون السيروتونين – وهو ناقل عصبي ينتج الإحساس بالسعادة والرفاهية – ما يترجم شعور الناس بالسعادة والنشاط والتفاؤل في فصل الصيف – عندما تكون الشمس مشرقة – أكثر من بقية الفصول.

المطر يرتبط بالحزن والاكتئاب

وأشار إلى ارتباط المطر بالحزن والاكتئاب؛ لأن قلة ضوء الشمس في الأيام الغائمة والممطرة يمكن أن يجعل الجسم ينتج كمية أقل من السيروتونين؛ ما يؤدي إلى الشعور بالخمول والحزن. ورغم أن صوت هطول الأمطار له تأثير مهدئ وإيجابي، فإن هطولها لفترة طويلة يمكن أن يؤدي إلى الشعور بالكآبة.

قد يعتاد البشر غالباً سمات شخصية وأنماطاً سلوكية تتعلق بالطقس ودرجات الحرارة التي نشؤوا فيها، لكن تفاقم موجات الحر بسبب التغير المناخي الناتج عن استخدام الوقود الأحفوري وانبعاثات غازات الدفيئة، قد يترك تأثيراً على الشخصية، ويتسبب في آثار نفسية سلبية؛ حيث ظهرت بالفعل مصطلحات تتعلق بالحزن والقلق المناخي للتعبير عن التأثير العاطفي للأزمة البيئية الحالية على النفس البشرية، نتيجة تغير درجات الحرارة المعتادة في كل منطقة جغرافية.

مصادر