السلاسل الغذائية تضم مجموعات كبيرة من الكائنات الحية التي يعتمد كل منها على الآخر، وهي تختلف باختلاف النظام البيئي في موطنها الأصلي، لكنها قد تواجه خطراً كبيراً بسبب الأنشطة البشرية التي تعبث بالأنظمة البيئية التي اعتادتها بعض الكائنات، ودفعتها إلى البحث عن بدائل لطعامها الطبيعي.
وفي تقرير نشره موقع "The Conversation"، أشارت "أراليسا شيدن" الباحثة في مجال الحفاظ على البيئة في جامعة بورنموث البريطانية، إلى التغيرات التي طرأت على نوعين من الكائنات الحية التي تسكن إحدى أكثر المناطق تنوعاً بيولوجياً في العالم بسبب النشاط البشري.
النوع الأول: القطط الكبيرة
وأوضحت أن النوع الأول يضم القطط الكبيرة فصيلة السنوريات؛ حيث أصبحت قائمة طعامها تضم للمرة الأولى القردة التي تنتمي إلى فصيلة الرئيسيات، التي تعيش بين الأشجار الضخمة، ونادراً ما تهبط إلى الأرض، ومن ثم يصعب صيدها.
في العادة، يميل النمر المرقط وأسد الجبال اللذان ينتميان إلى "السنوريات" إلى تنويع النظام الغذائي، وصيد الأنواع الأكثر شيوعاً في المناطق التي يعيشان بها مثل الغزلان، وحيوان "الأرماديلو"، والبيكاري وهو أحد أنواع الخنازير البرية.
لكن الأعداد التي تعيش منهما في الغابات الواقعة جنوب المكسيك، والتي تعاني من الأنشطة البشرية، مثل قطع الأشجار للحصول على أخشاب، أو إزالتها لتحويلها إلى مزارع، والتوسع العمراني، بدأت تغير تفضيلاتها الغذائية لتشمل القردة، حسب دراسة شاركت بها الباحثة ونشرتها "BIOTROPICA".
ووفقاً للباحثة، يشير تغير النظام الغذائي لهذه القطط إلى تراجع أعداد الفرائس المعتادة، أو أن هناك أمراً ما حدث سهَّل صيد الرئيسيات، وعرَّضها لخطر الانقراض من الغابات الاستوائية جنوب المكسيك؛ ما سيؤدي بالتبعية إلى اختفاء الأنواع التي تتغذى عليها لاحقاً؛ ما يهدد استقرار النظام البيئي بأكمله.
وأوضحت أن الكائنات الحية كلها تساهم في الحفاظ على التنوع البيولوجي، فسواء كانت الحيوانات آكلة للحوم أو للأعشاب، فكلاهما يؤدي دوراً مهماً في تحقيق التوازن، ومن دون أي منهما يختل النظام البيئي.
النوع الثاني: الرئيسيات
يواجه 60% من الرئيسيات حول العالم خطر الانقراض؛ بسبب تغير النظام البيئي للغابات على يد قاطعي الأخشاب والصيادين؛ حيث تعتمد هذه القردة على الأشجار المرتفعة للحصول على الغذاء والمأوى؛ ما تطلب دراسة ما يحدث في تلك المناطق للتمكن من اتخاذ إجراءات أكثر فاعليةً للحفاظ على البيئة، وحماية هذه الكائنات من الانقراض، وفقاً للدراسة التي قادتها الباحثة "أراليسا شيدن"، وركزت على وادي أوكسبانابا في جنوب شرق المكسيك.
ويعد وادي أوكسبانابا من آخر بقايا الغابات الطويلة الدائمة الخضرة في المكسيك، ويُصنف من أكثر المناطق تنوعاً بيولوجياً العالم؛ فهو موطن لعدة فصائل من القطط الكبيرة، منها الجاكوار وبوما، واثنان من الرئيسيات المهددة بالانقراض: قرود العواء والقرود العنكبوتية.
تكونت الدراسة التي تعد الأولى من نوعها من فريقي بحث: الأول ركز على توزيع الرئيسيات في ذلك الوادي، ومناطق وجودها، وطبيعة الغابات التي تفضلنها، والفريق الثاني رصد فصيلة "السنوريات" بالاستعانة بأحد الكلاب التي أرشدت الباحثين عن أماكن فضلاتها.
وأوضحت الباحثة أن تلك الفضلات يمكن من خلالها الحصول على الحمض النووي "DNA"، وتحديد الأنواع الخاصة بها، ومعرفة النظام الغذائي الذي تتبعه، والأنواع التي افترستها من خلال دراسة الشعر الموجود فيها باستخدام الميكروسكوبات.
سبب تغير السلسلة الغذائية
وأظهرت نتائج الدراسة أمراً غير اعتيادي؛ إذ شكلت الرئيسيات 35% من بقايا فضلات النمر المرقط وأسد الجبال؛ حيث كانت الأكثر شيوعاً في الفضلات التي جرى جمعها من المناطق التي تراجع فيها الغطاء الغابي والمساحات الخضراء، كما ظهرت آثار القرود العنكبوتية تحديداً في الفضلات التي كانت في مناطق تضم عدداً أكبر من القرى، وفي الغابات التي تنمو مجدداً بعدما تأثر نظامها البيئي.
ورجحت الباحثة ارتباط زيادة عدد القرى في منطقة الدراسة بانتشار قطع الأشجار والصيد الجائر، موضِّحةً أن الصيد الجائر يؤدي إلى تراجع أعداد الفرائس التي تفضلها القطط الكبيرة، والغابات التي ما زالت في طور النمو لا توفر الحماية الكافية للرئيسيات، كما تفعل الغابات الطويلة التي لم تمسها يد الإنسان؛ ما يفسر سبب تناول القطط الكبيرة القرود العنكبوتية في كثير من الأحيان.