"يقولون إن الصورة لا تكذب.. حسناً، لكنها قد تخبرك بقصة مختلفة تماماً عن الحقيقة".. بهذه الكلمات، حذر أحد خبراء الصور الفوتوغرافية من النتيجة العكسية التي تقود إليها بعض الطرق المُستخدَمة للتوعية بآثار التغيرات المناخية عالمياً.
لعقود طويلة، كانت صور الدببة القطبية الواقفة على ألواح الجليد البعيدة رمزاً لأزمة التغير المناخي، حتى خرجت أصوات تحذر من فاعلية استخدامها بصرياً. من بين هؤلاء مايكل بريتشارد مؤرخ الصور في الجمعية الملكية للتصوير الفوتوغرافي في بريطانيا، الذي حذر من طريقة تعاملنا مع تلك الوسائل.
التغير المناخي.. متهم بلا دليل
الواقعة الأشهر تعود إلى معسكر صيد مهجور في جزيرة بافن شمال كندا، حين وقف المصوران كريستينا ميترماير وبول نيكلن يراقبان في حالة من الرعب دباً قطبياً يخطو خطوات ثقيلة بجسده الهزيل، وفرائه التي أصابها الجرب وتغير لونها، حتى توقف مؤقتاً للبحث عن طعام في حاوية مهجورة.
"ميترماير" مُلتقطة الصورة التي أصبحت من أكثر صور الدببة القطبية انتشاراً وأكثرها إثارةً للجدل، وصفت الدب الذي من المرجح أن يكون في لحظات حياته الأخيرة بـ"المفجع"، حسبما نقلت هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي".
في ديسمبر 2017، نشرت مجلة "ناشيونال جيوجرافيك" الصورة والمقطع اللذين التقطهما المصوران، وأحدثا ضجة واسعة تحت عنوان "هذا هو ما يبدو عليه تغير المناخ"؛ حيث تجاوزت أعداد المشاهدات 2.5 مليار مشاهدة، وأثيرت نقاشات عالمية حول التهديد الذي يشكله ذوبان الجليد والاحتباس الحراري.
ذوبان الجليد
ومنذ عام 1979، تراجعت معدلات تركيز الجليد البحري بنسبة 13% لكل عقد مر على الأرض بفعل ارتفاع درجة الحرارة. وفي عام 2023، تراجعت مساحة الجليد البحري في القارة القطبية الجنوبية خلال فصل الشتاء إلى مستويات قياسية، وهي الظاهرة التي وصفها المركز الوطني لبيانات الثلوج والجليد في الولايات المتحدة بـ"الصادمة".
والدببة القطبية كانت إحدى ضحايا هذا التغيير؛ إذ تتراجع الأوقات التي تقضيها على الجليد، وتطول فترات الجوع الذي تنصيبها، كما تتراجع معدلات الإنجاب.
ورغم اتفاق الخبراء على المستويات غير المسبوقة لذوبان الجليد، لكن بعضهم حذر من أن صور الدببة التي تواجه الأزمة، لا تخبرنا القصة كاملة، وسط دعوات إلى التعبير عن قضية التغير المناخي بطريقة أكثر تنوعاً.
ورداً على الانتقادات التي أحاطت بصورة "ميترماير"، والتي أشارت إلى احتمالات أخرى قد تكون انتهت بالدب إلى هذه الحالة، مثل الإصابة بالسرطان؛ أصدرت المجلة بياناً تشير فيه إلى أنها قد بالغت حين ربطت بين ما واجهه الدب وبين التغير المناخي.
أما المصورة المكسيكية التي ترأس كذلك منظمة "Sea Legacy" – وهي منظمة غير ربحية معنية بالبيئة البحرية – فأقرت بأن سردها للأمر لم يكن محكماً، وأنها لم تقصد أن تقدم حقيقة علمية، بل طرحت موضوعاً للنقاش، بأن هذا هو الحال الذي ستصل إليه الدببة في القطب الشمالي بسبب ذوبان الجليد، وفقاً للعلماء.
المناخ وحرب فيتنام
الأمر كان أشبه بما حدث مع صورة "فان ثي كيم فوك" المعروفة باسم "فتاة النابالم" التي أصبحت رمزاً لحرب فيتنام، وحرَّكت الرأي العام، بعدما ظهرت في الصورة تركض عارية بعد إصابتها بالحروق من جراء قصف المنطقة بقنابل "النابالم". وفي عالم الدببة، يشبه الأمر "الباندا" التي أصبحت رمزاً لحماية البيئة، واتخذها الصندوق العالمي لحماية البيئة "WWF" رمزاً له في عام 1961.
مايكل بريتشارد مؤرخ الصور في الجمعية الملكية للتصوير الفوتوغرافي في بريطانيا، أشار إلى أن صور الدببة تجذب الجمهور على الفور، وهو ما لم يكن ليحدث إذا ما تم استخدام صورة سمكة أو ضفدع، لكنه يرى أن التعامل مع صور الدببة القطبية الصادمة دون تدقيق قد يجعلها إشكالية؛ ما يستوجب إعادة النظر إلى سياق وظروف التقاطها.
أما سافرون أونيل الخبيرة في المناخ والمجتمع بجامعة "إكستر" البريطانية، فتتبعت مدى انتشار صور الدببة القطبية في الأخبار ووسائل الإعلام الشهيرة من خلال دراسة، وكشفت أن تلك الصور مثَّلت ما يصل إلى 6% من التغطية الخبرية البصرية بين عامي 2000 و2010، لكن النسبة ارتفعت في بعض الصحف إلى ما يزيد عن الضعف خلال السنوات الأخيرة.
"أونيل" أجرت دراسة أخرى شارك فيها 30 بريطانياً، وسألتهم عن أول صورة تطرأ على أذهانهم عندما يفكرون في التغيرات المناخية، فذكروا تلقائياً الدببة القطبية، لكنها ترى أن التركيز على فكرة الرمز البصري الأيقوني يمكن أن يؤدي إلى استبعاد الحقائق الأوسع من تغير المناخ، كعدم الإشارة إلى مجتمعات السكان الأصليين التي تعيش في القطب الشمالي.
هناك عيب آخر في استخدام تلك الصور تشير إليه كاتو مانزو المحاضرة في مجال التواصل المناخي في جامعة نيوكاسل بالمملكة المتحدة، التي وصفت تلك الوسائل البصرية بـ"المتناقضة"؛ لأنها تحمل رسائل متضاربة، ولم تنقل حقيقة تلك الكائنات التي هي بعيدة عن كونها دمى بيضاء ناعمة.
"مانزو" شبهت الأمر بما حدث مع الأطفال الأفارقة الذين يعانون من سوء التغذية، ويجري استخدام صورهم في الإعلانات الخيرية، التي غالباً ما تدفع الجمهور إلى التبرع.
وبحسب "مانزو"، تشكل صور الدببة خطراً؛ لكونها تصرف الجمهور عن القضية الحقيقية؛ لأنها ترسخ الصور النمطية عن المنطقة القطبية بأنها منطقة جليدية خاوية ونائية لدرجة تبدو كأنها جزء من عالم آخر، وتعطي انطباعاً للجمهور بأن التغير المناخي أزمة لا تتعلق بهم.
وترى "مانزو" أن "من المستحيل الاعتماد على رمز وحيد لتمثيل مشكلة عالمية، مشيرة إلى أن الصورة الأكثر ملاءمةً هي تلك المتعلقة بالطقس المتطرف؛ فصور الفيضانات التي اجتاحت بريطانيا، وحرائق الغابات التي اندلعت في كندا على سبيل المثال، أظهرت أن هناك صعوبة متزايدة في فكرة الاستعانة بمصادر خارجية للتعبير عن المشكلة؛ لأن التغير المناخي بات قريباً منا وعلينا العثور على طرق أخرى لجذب الانتباه إلى الأزمة".
البشر وليس الدببة
خلال العقد الماضي، أطلقت منظمتا "أوكسفام" و"Christian Aid" حملات لتغيير تلك الصور التقليدية للتعبير عن أزمة الاحتباس الحراري، ودعم شعار "البشر وليس الدببة القطبية"، وبدأ مسؤولو الأخبار يحذون حذوهما.
وفي عام 2017، أطلقت منظمة "Climate Outreach" – وهي منظمة دولية غير ربحية تعمل في مجال التغير المناخي – مكتبة الصور "Climate Visuals" التي يمكن للوسائل الإعلامية، والمنظمات غير الربحية استخدامها مجاناً أو برسوم رمزية.
ويقول أليستر جونستون المستشار بمنظمة "Climate Visuals"، إنه من الأفضل الاستعانة بالتفاعل البشري مع التغير المناخي؛ كي يشعر الجمهور بصلتهم به.
وتخضع المكتبة لـ7 مبادئ تشير إلى التواصل المناخي؛ أحدها أن تشمل الصور أشخاصاً حقيقيين، كما تخلو قاعدة بياناتها من صور ذلك النوع من الدببة، بل تركز صور المناطق القطبية على علماء المناخ العاملين هناك، وعلى السكان الأصليين.