بحجم هدر كبير، يواجه الصيادون يومياً مشكلة فقدان المعدات؛ إذ تتآكل الشباك وتهترئ صنارات الصيد ويضطر الصيادون أحياناً إلى قطعها حين تعلق في قاع البحر.
وقدرت دراسة أمريكية أوردتها دورية Fish and Fisheries، أن ما لا يقل عن 50 ألف طن من الشباك والصنارات، ومصايد الأسماك تختفي في المياه سنوياً حول العالم.
الصيد الشبحي
يمثل البلاستيك المكون الأساسي في هذه المعدات التي تغوص في المياه، ويستمر بعضها في ملاحقة الكائنات البحرية لقرون قادمة، فيما يعرف بظاهرة الصيد الشبحي.
أما معدات الصيد الصديقة للبيئة فتصنع من ألياف الطحالب الدقيقة، أو البوليستر القابل للتحلل، وهي مواد يمكن لكائنات المياه الدقيقة التعامل معها، إلا أن التجارب الأخيرة التي أجريت في عدة بلدان أثبتت أن استخدامها يؤدي إلى انخفاض كميات الصيد بفارق كبير مقارنة بالمعدات التقليدية.
على سبيل المثال، تُمكن الشباك المصنوعة من النيلون من صيد كميات أكبر من أسماك "القد" في مزارع المحيط الأطلنطي بفارق 25٪ مقارنة بالشباك القابلة للتحلل.
في دراسة نشرتها دورية PLOS One عزا الباحثون أسباب هذا القصور إلى أن تلك الشباك القابلة للتحلل غالباً ما تكون مرنة وقابلة للتمدد؛ ما قد يسمح للأسماك بالهروب منها.
معدات صديقة للبيئة
ونقلت مجلة Hakai رأي عالم اقتصاد الموارد البحرية في جامعة بورتسموث بإنجلترا بنيامين دريكفورد؛ إذ يرى أن المعدات القابلة للتحلل المتاحة حالياً ليست جيدة بما يكفي.
لكن دريكفورد وزملاءه حللوا الدراسات السابقة التي تحدثت عن مدى فاعلية معدات الصيد الصديقة للبيئة، ثم قابلوا 29 شخصاً من الصيادين وملاك القوارب، وممثلي مجموعات تابعة لقطاع الصيد في بريطانيا، وتحدثوا معهم حول التفاصيل المالية لعملهم من نفقات وأرباح، وغيرهما.
وخلص الباحثون إلى أن التحول إلى استخدام المعدات الصديقة للبيئة لن يقلل من تأثير الصيد الشبحي بما يكفي لتعويض الصيادين عن فارق كميات الأسماك، رغم مساهمتها في زيادة كميات الصيد في المستقبل لمساهمتها في حماية الكائنات البحرية.
وأشار فريق الباحثين، في ورقة علمية نقلتها دورية Marine Pollution Bulletin، إلى حاجة الصيادين إلى حوافز مالية لتعويض نقص الكميات الذي سيعانون منه حالياً، كما رأوا أن تحسين المعدات الصديقة للبيئة سيؤدي إلى تفوقها على نظيرتها التقليدية بطريقة مطردة.
ويأتي تحليل الباحثين في ظل قلق متصاعد من التلوث البلاستيكي حول العالم، الذي يصل إلى معدلات خطيرة، ويلاحق النظم البيئية البحرية؛ حيث يمكن لقطع البلاستيك أن تخنق الكائنات البحرية، وعندما تتحول إلى جزيئات بلاستيكية دقيقة يمكن أن يكون لها أثر أسوأ.
نظم تحفيزية
هناك أزمة أخرى هي أن جزءاً من أزمة الصيد الشبحي وقع بالفعل، واختفت المعدات في المياه، ومن ثم لن يرى الصيادون أي فائدة فورية إذا استبدلوا جميعاً مكان معداتهم معدات أخرى أكثر ملاءمةً للمعايير البيئية.
بدوره، يرى براندون كوتشينسكي، عالم البيئة الصناعية في جامعة كاليفورنيا- سانتا باربرا، أنه يمكن التغلب على نقص فاعلية التكلفة، من خلال تقديم دعم حكومي.
كما يعتقد جيف شيستر مدير الدعاية بمنظمة Oceana – وهي مؤسسة أمريكية غير ربحية معنية بحماية المحيطات – أن الطريقة الأسهل والأسرع هو تطبيق نظام المكافأة والعقاب على الصيادين من أجل عدم إلقاء تلك المعدات، أو عدم التسبب في ضياعها، رغم تأييده جهود تطوير المعدات الصديقة للبيئة، لكن هذا النظام يتطلب تتبع كافة معدات الصيد التجارية.
مسؤولية الشركات
وهناك خيار آخر هو تحميل الشركات المصنعة للشباك المسؤولية المالية عن التلوث البلاستيكي الناتج عن أنشطتها، علاوة على تكاليف التحول نحو المعدات القابلة للتحلل، وهو المبدأ الذي جرى مناقشته باختصار في الورقة البحثية.
ويعتقد دريكفورد أن الكفاءة المنخفضة للمعدات الصديقة للبيئة ما هي إلا عثرة مؤقتة في طريق تبني هذا الاتجاه، معتقداً أن هذا القطاع سيسير على نهج قطاع السيارات الكهربائية التي تضاعف إنتاجها عدة مرات في عقد واحد.
أما المفارقة الأخرى فتبدو من خلال أن استخدام تلك المعدات لا يمثل سوى العودة إلى الماضي المتمثل في تصنيع الشباك والمصايد من مواد صديقة للبيئة.
