بمجرد الخلود للنوم، تنتقل العقول إلى مساحات خلفية وعوالم مثيرة من الأحلام، والتي تتنوع أحيانا بين صور مشوشة ومشاهد متكاملة ذات دلالة، وكلاهما يعكس ما يدور في النفس والعقل الباطن.
وقبل نحو 12 عاماً، بدأت الأمريكية المتخصصة في السياسة البيئية والهندسة مارثا كراوفورد، ترى أحلاماً تتعلق بالتغير المناخي، من خلال مشاهد واضحة لا تحتاج إلى قدر كبير من التفسير.
وذات مرة، رأت كراوفورد نفسها تقرأ كتاباً تعليمياً عن التغير المناخي، ثم تلق به خلف الأريكة التي تجلس عليها متظاهرة أنه أمراً غير حقيقي، بينما حضرت في حلم آخر محاضرة لأحد علماء المناخ الذي بدأ بالصراخ في وجهها لأنها غير منتبهة وانتهى الحلم برسوبها.
تقول كراوفورد، وهي أخصائية اجتماعية معتمدة أيضا، إن المعنى كان واضحاً تماماً "أنتِ لا تولي انتباهاً بقضية تغير المناخ.. وعليك تغيير ذلك".
أحلام المناخ
تلك المقدمات دفعتها إلى إطلاق مشروع باسم "Climate Dreams" في عام 2019، لتوفر فرصة للآخرين لمشاركة أحلامهم المثيرة بشأن التغير المناخي، وغالبا ما يجري الأمر دون الكشف عن هويتهم.
وأحد الأحلام التي جرى إرسالها للمشروع كان لشخص حكى عن رؤية أناس يقومون بحفر ثقوب في الصحراء لتجد المياه القادمة من البحار المرتفعة مكاناً تستقر به، بينما رأى آخر مباراة كرة قدم تجري وسط فيضان، وشاهد في الشوط الثاني اللاعبين يطفون فوق أنابيب داخلية كتلك الموجودة في إطارات السيارات.
فيما ذكر مشارك آخر 4 أحلام عن المناخ من بينها رؤية مليارات البشر ينزلقون داخل غرفة ضخمة تبدو كساحة رياضية لكنها تكفي لكافة سكان العالم، وفي نهاية الأمر اختلف شكل الأرض وتغطت بالثلوج تماماً، وتبقى هضبة واحدة يعلوها إحدى المدن حيث كانت هي الجزء الوحيد الذي يمكن العيش عليه.
فروق بين الأجيال
وكشف استطلاع أجرته مؤسسة The Harris Poll لصالح مجلة "تايم" الأمريكية شمل ما يزيد عن 1000 شخص، أن ثلثهم رأوا أحلاماً عن التغير المناخي على الأقل مرة واحدة.
وفق نتائج الاستطلاع، تتنوع المشاهد التي تظهر في هذه الأحلام، لكن أغلبها يتضمن رؤية الظواهر المتطرفة للطقس والكوارث الطبيعية، مقابل تتراجع معدل رؤية القادة السياسيين أو القوانين أو البعوض والجراد.
وعند الحديث عن المشاعر التي تسببها تلك الأحلام، كانت معظمها الشعور بالخوف والضغوط، بينما ساد التفاؤل على البعض، لاسيما المولودين بين عامي 1981 و1996.
كما تبين أن احتمالية المرور بتجربة أحلام المناخ تتأثر بالعمر، حيث أظهر الاستطلاع أن 56 بالمئة ممن تتراوح أعمارهم بين 18: 34 عاماً، مروا بها على الأقل مرة واحدة، مقارنة بـ14 بالمئة ممن تجاوزوا الـ55 عاماً، كما يبدو الأمر منتشراً بين الرجال بدرجة أعلى من النساء، وبين الأشخاص الملونين بدرجة تفوق ذوي البشرة البيضاء.
ووفق الاستطلاع ذاته، فإن 57 بالمئة من جيل "z" المولودين بين عامي 1997 و2012، حلموا بالتغيرات المناخية، مقارنة بـ35 بالمئة من جيل "x" المولودين بين 1965 و1980، مقابل 14 بالمئة فحسب بين جيل الطفرة المولودين بين عامي 1946 و1964، وهو ما يمكن تفسيره بأن التغير المناخي انتقل من الموضوعات الدراسية إلى العالم الواقعي، وانتشر في حياة الأجيال الأصغر سناً بطريقة لم يشهدها الأكبر عمراً.
المشاعر والطقس
بين حين وآخر، يمر المجتمع بلحظة حاسمة تصل إلى حد تغيير ما نراه في أحلامنا، مثل جائحة كورونا أو الحروب العالمية، إذ يرى آلان إيزر عالم النفس والمحاضر في كلية الطب بجامعة ميتشغن الأمريكية، أن "التغير المناخي بات جزءاً من طابع العصر، ومن ثم يتسرب إلى الأحلام، لكن يظل تحديد كيفية هذا التأثير مسألة معقدة".
بدورها ترى مارثا كراوفورد " أن الأحلام المناخية يمكنها المساهمة في دفع الناس لحماية العالم، إذ غالباً ما تظهر مدى اشتباك الأشخاص مع المكان الذي ينتمون إليه، ويعكس أيضا محاولة البحث عن الحلول الكثير والعثور على أمل.
وتقول كراوفورد إن "مشاعرنا غالباً ما تشبه أحوال الطقس، ويظهر ذلك في العبارات التي نستخدمها مثل اشتعلت غضباً، أو غمرني هذا الشعور، وبالتالي من الشائع أن تنتقل إلى النوم، لكن هذه المشاهد التي تأتينا حالياً تتعلق حرفياً بالتغير المناخي".
وتتداخل العوامل الديموغرافية مثل النوع، والعرق، والانتماءات السياسية، ومكان الإقامة، في تحديد الأحلام التي يراها الأفراد بشأن التغيرات المناخية.
وانعكس ذلك في نتائج الاستطلاع، حيث تأثرت أحلام سكان غرب الولايات المتحدة والذي تزداد فيه الأمور سوءاً فيما يخص معدلات الحرارة والجفاف وحرائق الغابات، بشكل أكبر بنسبة وصلت إلى 44 بالمئة، بينما تراجعت هذه النسبة إلى الثلث في مناطق الجنوب والشمال الشرقي، والوسط الغربي في البلاد.
حرائق الغابات
الاستطلاع أظهر كذلك أن 43 بالمئة من الرجال مروا بالتجربة، مقارنة بـ29 بالمئة من النساء، لكن نسبة من كان لديها أحلام إيجابية بين الذكور بلغت 50 بالمئة، مقارنة بـ34 بالمئة فحسب بين الإناث.
أدوات تخزين وتنقية
هذا الأمر حدث مع ربيكا ويستون الرئيس المشارك لاتحاد علم النفس المناخي في أمريكا الشمالية، والتي تستمع إلى أحلام الآخرين وتصفها بأنها "نوع من أدوات تخزين والتنقية للمشاعر والأفكار والصور التي نحاول معالجتها في واقعنا".
وغالباً ما تحلم "ويستون" أنها عاجزة عن إنقاذ أطفالها من تهديد محتمل بسبب إحدى ظواهر الطقس المتطرف، ويسيطر عليها الإحساس بالعجز والفشل في مواجهة أمر شديد الخطورة، وتعجز عن رؤية ما يحدث لأطفالها جيداً.
تساعد دراسة الأحلام على فهم أكبر لحجم التأثير العاطفي بالعالم الذي نعيش فيه، خاصة فيما يتعلق بالأمور التي تقع خارج دائرة السيطرة مثل تأثيرات ظاهرة التغير المناخي.
وتطرح ويستون عدة أسئلة لمساعدة الأشخاص على تفسير أحلامهم بشأن التغير المناخي، أبرزها: ما علاقتك بالأرض أو بالمكان المتضرر الذي يظهر لك أثناء النوم؟، وما المشاعر التي تثيرها بشأن موطنك؟، وماذا عن مشاعر الفقد أو الارتباط؟، من معك في الحلم وما شكل علاقتك به؟، وهل هي علاقة قوة أم استقرار أم عدم أمان؟.
حلول في الأحلام
أما تور نيلسن أستاذ الطب النفسي ومدير مختبر الأحلام والكوابيس في جامعة مونتريال الكندية، فيرى أن الدروس التي قد نتعلمها من الأحلام تتجاوز المستوى الفردي وتمتد إلى التعامل مع قضية المناخ نفسها، في الوقت الذي يمكن أن يعجز التفكير المنطقي جزئياً عن القيام بتلك المهام.
ويقول نيلسن إننا نحتاج إلى المزيد من الطرق للتعامل مع الأزمة من بينها تلك التي تركز على الأحلام، ورغم ذلك لو طلبنا من الحالمين أن يتخيلوا حلولاً لمواجهة التغيرات المناخية، فقد يقتصر الأمر على عشرات من بين مئات الآلاف، وقد يكون معظمها غير مفيد.
وفكرة الحلول ظهرت في أحد الأحلام التي استقبلتها مجموعة كراوفورد، إذ رأي صاحب الحلم نفسه واحداً بين مجموعة من الرحالة يبلغ عددها 20 شخصاً، تقيم في مكان ما لفترة ثم نتركه قبل بدء موسم العواصف، وتزرع كميات كبيرة من المحاصيل ليتمكنوا من النجاة خلال فترات الطقس القاسي.
ويتابع صاحب الحلم "سافرنا حاملين أمتعة قليلة للغاية، وأقمنا في خيم مخروطية، وحصلنا على الكهرباء من خلال ألواح الطاقة الشمسية، واستخدمنا شاحنات ضخمة لخوض الرحلات الطويلة، والخيول للمسافات القصيرة، فيما تصدرت المهارات الزراعية والميكانيكية والإلكترونية قائمة المهارات الأعلى قيمة آنذاك".