معركة الحفاظ على مزاج العالم.. استراتيجيات بديلة لزراعة البن


سلمى عرفة
الاثنين 17 يوليو 2023 | 10:21 مساءً
مزارعو البن - مشاع إبداعي
مزارعو البن - مشاع إبداعي

برائحتها المميزة ومذاقها ذي المرارة الخفيفة، وقدرتها على منحنا النشاط، تحوَّلت القهوة إلى أسلوب حياة، وطقس يومي يمارسه الكثيرون؛ فسكان الأرض يتناولون يومياً ما يقارب ثلاثة ملايين فنجان قهوة، لكن لسوء الحظ، تُمثِّل عملية إنتاجها مشكلة تُشعِرنا بالذنب؛ لما لها من تأثيرات سلبية على البشر والحيوانات.

تتعرَّض الأنواع المختلفة من نبات البن لوابل من هجمات الحشرات والبكتيريا والفطريات؛ بسبب زراعته منذ تسعينيات القرن الماضي وحيداً دون نباتات أخرى تُشارِكه التربة، وقد تكون التغيرات المناخية ساهمت في تفاقم تلك الهجمات.

في مزارع القهوة الأكبر حجماً بالتحديد، أدى خطر هذه الهجمات إلى استخدام المزيد من مبيدات الآفات، وهي السلاح الأساسي الذي يستخدمه المزارعون لمواجهة الضيوف غير المرغوب فيهم.

حبوب البن

البرازيل باعتبارها أكبر مُنتِج للقهوة في العالم وأكبر مستهلك للمبيدات الحشرية في الوقت نفسه، ارتفعت نسبة استهلاك المبيدات الكيميائية فيها 190% خلال عقد واحد، فيما تشير التقديرات إلى أن ما يقرب من 38 مليون كيلوجرام من المبيدات يجري استخدامها في الدولة اللاتينية سنوياً من أجل إنتاج البن.

ففي عام 2019 وحده، جرى الموافقة على 475 مبيداً حشرياً، أكثر من ثلثها ممنوع استخدامها في الاتحاد الأوروبي بسبب درجة سُمِّيتها، وفقاً لما نشره لموقع "Phys".

مخاطر شديدة

تكمن المشكلة في تزايد التقارير التي تتناول التلوث الذي تقف خلفه تلك المبيدات في النظم البيئية، بما في ذلك تأثيرها على المياه الجوفية، وكذلك الأمراض التي تنتشر بين البشر والحيوانات في مناطق زراعة البن.

وترصد الزميلة في قسم علوم الأرض وإدارة الموارد الطبيعية بجامعة كوبنهاجن الدنماركية "أثينا كوتوليس" قائمة بأبرز هذه الأمراض، وهي الأمراض الجلدية ومشكلات الجهاز التنفسي وارتفاع ضغط الدم وتلف الأعضاء والسرطان وأمراض القلب والأوعية الدموية.

البرازيل باعتبارها أكبر منتج للقهوة في العالم وأكبر مستهلك للمبيدات الحشرية في الوقت نفسه ارتفعت نسبة استهلاك المبيدات الكيميائية فيها 190% خلال عقد واحد

قادت "كوتوليس" فريق دراسة نشرتها دورية Plant Pathology شملت مراجعات الأبحاث الخاصة بالاستراتيجيات البديلة لحماية نبات البن.

لعل غالبية التقارير التي تتحدث عن تأثيرات المبيدات الحشرية قادمة من البرازيل وكولومبيا وجامايكا ونيكاراجوا، وهي بلدان تتسم بدرجة عالية من التنوع البيولوجي، علاوةً على النظم البيئية الهشة، كما ينتشر فقر الموارد بين سكان الريف.

أما الأبحاث التي تناولت البلدان الأخرى، فتشير كذلك إلى نتائج مشابهة؛ فعلى سبيل المثال، أثبتت دراسة أجريت في جمهورية الدومينيكان أن أجساد العمال المُعرَّضين لتلك المبيدات، تعاني من وتيرة أسرع بكثير من التغيرات الخلوية.

البن

الباحثة حذرت من سيناريو إيقاف إنتاج القهوة بغض النظر عن نتائج الأمر؛ فالمبيدات الحشرية التي تواجه الآفات التي تصيب النبات، يمكن أن تزيد إنتاج المحصول على المدى القصير، لكن على المدى الطويل تدمر الصحة والنظام البيئي.

العلماء أشاروا إلى العديد من الاستراتيجيات التي يمكن وصفها بالبدائل المستدامة للوسائل الكيميائية؛ أولها الزراعة الحراجية التي تجمع بين زراعة المحاصيل والأشجار على الأرض نفسها، وهي الطريقة التي ستُعيد زراعة البن إلى أصولها القديمة.

ما الزراعة الحراجية؟

الباحثة الدنماركية قالت إن تاريخ زراعة البن يعود إلى آلاف السنين؛ عندما كان ينمو في بيئة غنية تضم العديد من النباتات والشجيرات والأشجار في جنوب غرب إثيوبيا، وكانت تلك هي الطريقة التقليدية التي اتبعها المزارعون هناك، وغالباً ما تقلل الآفات والأمراض، وتُعزِّز صحة النباتات والتنوع البيولوجي والنظم البيئية.

تُنوِّع الزراعة الحراجية أيضاً مصادر الأرباح التي يحصل عليها المزارع، سواء من حبات القهوة أو من المنتجات الثانوية، مثل العلف أو المحاصيل النقدية الاستوائية مثل الفانيلا.

لكن التحدي قد يتمثل في أن بعض الآفات والأمراض تميل إلى الازدهار في تلك النظم، ومن ثم يجب الحرص عند التخطيط لخليط النباتات والأشجار التي تمثل الخيار الأمثل للمزارع.

"على سبيل المثال، قد يكون علينا الاختيار بين زراعة أشجار الموز السريعة النمو في المنطقة أو زراعة أشجار الأخشاب الصلبة؛ حيث يجب أن يجري اختيار الطريقة بناءً على الاحتياجات المحلية؛ فالأمر ليس رصاصة سحرية نطلقها، لكنه الأكثر واقعية"، على حد قول "كوتوليس".

المواجهة البيولوجية

باحثون آخرون كثفوا دراساتهم على التوسع في المكافحة البيولوجية، التي يتم الاعتماد فيها على البكتريا والفطريات والحشرات كي تواجه بدورها الكائنات الأخرى المسببة للأمراض، بدلاً من استخدام الوسائل الكيميائية.

هناك استراتيجية ثالثة مطروحة ركز عليها الباحثون، وهي تقنية جينوم جديدة يطلق عليها تداخل الحمض النووي الريبي RNA؛ إذ يجري رش جزيئات الحمض على المحصول لتعمل على تعطيل الجينات الحيوية في الكائنات التي تهدد النبات.

استخدام المبيدات

إحدى المميزات الرئيسية لتلك الطريقة هي أن المادة التي يجري استخدامها لا تؤثر إلا على الآفة المستهدفة، كما تتحلل بسرعة، وجرى اختبارها على عدد من المحاصيل بخلاف البن.

يساهم صغار المزارعين بالنسبة الكبرى من محصول البن في العالم، بنسبة تتراوح بين 70% و90% منه، وغالباً ما يملك كل منهم أراضيَ تقل مساحتها عن خمسة هكتارات، والغالبية العظمى منهم لا يستخدمون المبيدات الحشرية، ومنخرطون بالفعل في درجة ما من أنشطة الزراعة الحراجية.

أما البقية فهم كبار المزارعين الموجودين بالأساس في البرازيل وفيتنام، وتُمثِّل طرق إنتاجهم المشكلة الكبرى؛ فهذه النسبة الصغيرة من المزارعين هي من تدفع في الاتجاه غير المستدام لزراعة البن في مزارع أحادية المحصول، مع استخدام كميات كبيرة من المبيدات، و"إذا تسبَّبنا في تدهور البيئة التي ينمو بها البن، فإن ذلك يعود بالخطر على النبات نفسه"، بحسب "كوتوليس".

يُوصِي الباحثون بدعم المزارعين على المستويَين المحلي والدولي للتحول إلى الزراعة الحراجية، أو الاستراتيجيات الأخرى المُوصَى بها، بجانب الاستثمار في الأبحاث التي تُركِّز على تكنولوجيا الجينوم الصديقة للبيئة.

وترى "كوتولويس" ضرورة مكافأة المزارعين الذين يُطبِّقون مبادرات صديقة للبيئة لا بد من مكافأتهم من خلال برامج تعويضية، كما يجب التركيز كذلك على العاملين في تحميص البن واستيراده، وكل من هو في سلاسل القيمة ببرامج مستدامة ستُحدِث بالفعل فارقاً في مختلف المراحل ولدى جميع الفئات.