اللحوم المُصنعة معملياً لن تنقذ البيئة.. فما السر؟


سلمى عرفة
الاربعاء 28 يونية 2023 | 03:56 مساءً

كطوق نجاة، أو كما حاول مُتبنُّو الفكرة الترويج لها، ارتفعت أسهم اللحوم المصنعة داخل المعامل على أنها الحل الأمثل لمواجهة انبعاثات الاحتباس الحراري التي تطلقها مزارع الثروة الحيوانية، دون محاولة التضحية بالطعام الذي يفضله مليارات البشر.

دراسة جديدة تقلب حسابات أصحاب الاستثمارات في مجال اللحوم المصنعة، الذي نجحت الشركات العاملة فيه حول العالم في جمع ملياري دولار، بعدما حاول الباحثون الإجابة على سؤال محوري: (هل اللحوم المنتجة معملياً أكثر ملاءمةً حقاً للمعايير البيئية؟)

رغم وصفها بالبديل المستدام للحوم، حذَّر باحثو جامعتَي كاليفورنيا–دافيس وكاليفورنيا–هولتفيل في الولايات المتحدة من أن الطرق المستخدمة حالياً في إنتاج اللحوم بالمختبر، قد تنتهي بأضرار بيئية أكبر بكثير من تلك التي تسببها المزارع التقليدية، وفقاً لموقع ساينس أليرت.

 عالم الأغذية بجامعة كاليفورنيا–دافيس "ديريك ريزنر" أعرب عن مخاوفه من التوسع في اتجاه استزراع اللحوم أو اللحوم المصنعة بسرعة شديدة والتسبب في ضرر بيئي

تقييم أجراه الباحثون على دورة عمليات استزراع اللحوم بالطرق الحالية، وخلص إلى أنه يمكنها التسبب في كميات أكبر من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون بفارق يتراوح بين أربع مرات و25 مرة للكيلوجرام الواحد، مقارنة باللحم البقري التقليدي، بما في ذلك الانبعاثات الناتجة عن التكاليف الخفية، ويختلف حجم الفارق باختلاف التقنيات المستخدمة. وتُعرَّف التكاليف الخفية بأنها التكاليف التي تدخل في عمليات الإنتاج والإدارة، لكن من الصعب تحديدها.

يشير فريق الدراسة – التي تنتظر مرحلة مراجعة الأقران – إلى أهمية النتائج التي خلصوا إليها مع وضعهم في الاعتبار الاستثمارات المالية التي جرى تخصيصها بالتحديد لهذا المجال بافتراض أنه أفضل بيئياً. ورغم ذلك تحدث عالم الأغذية بجامعة كاليفورنيا–دافيس "ديريك ريزنر" عن مخاوفه من أن يجري التوسع في هذا الاتجاه بسرعة شديدة، والتسبب في ضرر بيئي.

استهلاك للطاقة

تنمو اللحوم المستزرعة من خلايا حيوانية من أنواع مختلفة، ويجري استخدامها للوصول إلى الأنسجة التي يُفضِّل البشر تناولها، مثل الدهون والعضلات والأنسجة الضامة.

وفي الوقت الذي تستهلك فيه هذه اللحوم مساحات أقل من الأراضي مقارنةً بقطعان الأبقار والأغنام، وكميات أقل من المياه والمضادات الحيوية، ترتفع التكلفة البيئية لتوفير أنواع محددة للغاية من العناصر الغذائية اللازمة للإنتاج.

الأمر يتضمن تشغيل المعامل لاستخراج عوامل النمو من الأمصال الحيوانية، علاوةً على زراعة المحاصيل من أجل الحصول على السكريات والفيتامينات المطلوبة، وهناك كميات الطاقة اللازمة لتنقية كل هذه المكونات السائلة تنقيةً شديدةً، قبل أن تستخدم في استزراع قطع اللحوم، وهو ما يستلزم كميات كبيرة من الطاقة لمنع دخول الميكروبات إلى المزرعة.

في حديثه إلى موقع New Scientist، يقول عالم الأغذية ريزنر، إن الخلايا الحيوانية لن تنمو بدون هذه الخطوة (أي كميات طاقة كبيرة)؛ لأن البكتيريا ستتكاثر بسرعة أكبر بكثير.

تستهلك اللحوم المصنعة مساحات أقل من الأراضي مقارنة بقطعان الأبقار والأغنام، وكميات أقل من المياه والمضادات الحيوية، لكن التكلفة البيئية ترتفع لتوفير أنواع محددة للغاية من العناصر الغذائية اللازمة للإنتاج

رغم ذلك، هناك جانب إيجابي من الأمر؛ فخفض المعايير التي تجري بها عمليات التنقية من المعايير الصيدلانية إلى معايير المنتجات الغذائية، سيقلل كميات كبيرة من الطاقة اللازمة، ومن ثم سيتراجع فارق الانبعاثات الناتجة إلى ما يقل عن 30% مقارنةً بتربية الأبقار. ويفترض أفضل السيناريوهات، تفوُّق اللحوم المستزرعة بيئياً على تربية الأبقار بفارق 80%.

إلا أن هناك مفارقة أخرى، هي أن الأنظمة الأكثر كفاءة المتوافرة حالياً للحصول على اللحوم من الأبقار، لا تزال متفوقة على فكرة الاستزراع المعملي حتى بعد خفض المعايير، وفقاً لتقديرات الباحثين.

عالِم الأغذية في جامعة كاليفورنيا–دافيس "إدوارد سبانج" يرى أنه يمكن تخفيف الآثار البيئية في المستقبل، لكن الأمر يتطلب تطورات تقنية ضخمة لرفع أداء الوسط الذي تُزرَع فيه الخلايا، وتخفيف تكلفته.

الحسابات التي أجراها الباحثون لا تشمل إلا تكاليف الطاقة التي تسببها الطرق الحالية لإنتاج اللحوم معملياً، ولم تتناول آثار بناء مرافق أكبر حجماً تضم عمليات إنتاج واسعة النطاق.

من غير المفاجئ أن يكون استزراع الخلايا الحيوانية أكثر صعوبة من عمليات نمو البكتريا والفطريات؛ لأنها أكثر حساسيةً للطبيعة المحيطة بها؛ إذ تطورت لتبقى مطوية بأمان داخل طبقات أخرى في جسد ما. وتلك الطبيعة تلزمنا بالاستعانة بمفاعلات حيوية متخصصة ومعقمة وعطشى للطاقة من أجل توفير الظروف المناسبة والحماية اللازمة لتلك الخلايا الهشة.

أين الحل؟

بحسب الباحثين، فإن الخيار الأكثر منطقيةً هو الاستثمار في زيادة كفاءة مزارع الثروة الحيوانية الموجودة لتقليل بصمتها الكربونية، وهو ما قد يؤدي في النهاية إلى فارق أكبر في تراجع الانبعاثات، وبصورة أسرع مما يمكن للقطاع الوليد تحقيقه.

مع وضع هذا التقييم في الاعتبار، خلص الفريق إلى أن الاستثمار في التوسع في هذه التكنولوجيا دون إنهاء المشكلات الأساسية، سيُعارِض الأهداف البيئية التي يتبنَّاها هذا القطاع.

ومن الأفضل أن تُجرَى هذه التحسينات بسرعة؛ فمن المتوقع أن يرتفع إجمالي الطلب على اللحوم بأكثر من 70% بحلول 2050، بينما تمثل مزارع الثروة الحيوانية حالياً نحو 15% تقريباً من كافة الانبعاثات الناتجة من الأنشطة البشرية، وفقاً لمنظمة الأغذية والزراعة (الفاو).

أما الذين يفضلون بشدة بديلاً مستداماً، فيبدو أن البروتينات النباتية هي الاختيار المتاح، وإذا التزم المزيد من الناس بتقليل استهلاك اللحوم بدلاً من التخلي عنها تماماً، فما زال بإمكاننا معاً خفض الآثار البيئية لعاداتنا الغذائية جذرياً.

فريق الرافضين

النتائج الجديدة ستروق للفريق الذي رفض فكرة تناول اللحوم المعملية ولو كانت صديقة للبيئة؛ ففي دراسة نشرتها دورية Journal of Environmental Psychology، أزاح باحثون الستار عن موقف سائد بين ما يزيد على ألف متطوع، بينهم آكلو لحوم وآخرون يتبعون النظام النباتي.

على اختلاف عاداتهم الغذائية، شعر المشاركون بالتقزز من تناول اللحوم القادمة من المختبر؛ فالفريق التقليدي رأى أنها لا تشبه اللحوم التي يعرفونها، وعلى العكس تماماً هو سبب رفض إقبال الفريق النباتي، ليشير الباحثون إلى أهمية مواجهة الفكرة المسيطرة بأنها لحوم غير طبيعية.