يهدد قطع الأشجار للحصول على الأخشاب إحدى المهام الرئيسية التي تقوم بها، وهي امتصاص ثاني أكسيد الكربون الذي يساهم في ظاهرة الاحتباس الحراري، ومن ثم تتراجع فرصنا في معركة مواجهة التغيرات المناخية.
ويشهد العالم سنويّاً قطع 15 مليار شجرة، بحسب موقع منظمة Earth، وهي منظمة غير ربحية معنية بالتغير المناخي.
القطع غير الشرعي وتهريب الأشجار يفاقم الأزمة؛ إذ يقدر حجم التجارة غير القانونية للأخشاب حول العالم 157 مليار دولار سنويّاً، وبالطبع لم تَنْجُ الدول العربية تماماً من الأمر.
شهدت منطقة جبال أطلس أنشطة قطع أشجار الأرز بطرق غير قانونية، بهدف جني أرباح طائلة؛ إذ تخطى قيمة المتر المكعب الواحد منه 1000 يورو
الأزمة في العالم العربي
على مدار السنوات الماضية، انتشرت الظاهرة في عدد من مناطق الوطن العربي؛ ففي لبنان، على سبيل المثال، دفعت الأزمة الاقتصادية الكثيرين إلى قطع الأشجار دون الحصول على تصريح، وكشفت السلطات الرسمية في 2022، تلقي مئات الشكاوى اليومية المتعلقة بقطع الأشجار، لكن نقص الإمكانات، بما في ذلك نقص الوقود، أعاق جهود التحقيق في تلك الشكاوى ومواجهتها، وفقاً لموقع L’orient Today.
وفي منطقة شمال إفريقيا، شهدت منطقة جبال أطلس أنشطة قطع أشجار الأرز بطرق غير قانونية، بهدف جني أرباح طائلة؛ إذ تخطى قيمة المتر المكعب الواحد منه 1000 يورو، وفقاً لموقع France 24.
الأكثر قراءة
بصمة الخشب
لكن هل يمكن تتبع الأخشاب بعد قطعها، ومعرفة المنطقة التي سُرقت منها قبل أن تدخل في الصناعات المختلفة التي نعرفها؟ دراسة جديدة من نوعها أجابت عن هذا التساؤل لإتمام رحلة البحث عن الموطن الأصلي الذي نمت به الشجرة المأخوذة منه.
يمكن أن يستخدم التركيب الكيميائي للخشب في معرفة أصله، ومواجهة التجارة غير القانونية.. هذا هو الاكتشاف الأهم الذي انتهى إليه بحث شمل تعاوناً واسع النطاق بين جامعة فاغينينغين الهولندية وعدد من شركائها الدوليين.
وشملت الدراسة تحليل التركيب الكيميائي لعينات أخشاب من منطقة إفريقيا الوسطى، وجزيرة بورنيو الواقعة في جنوب شرق آسيا، ليكتشف الفريق أن البصمة الكيميائية لها تكشف المنطقة التي نمت بها الأشجار على مستوى المناطق المحلية داخل الدولة.
تُصنَّف تجارة الأخشاب غير القانونية من أكثر الجرائم المدرة للربح فيما يتعلق بالحياة البرية، ويمثل تزييف منشأ هذه الأخشاب أحد جوانبها الرئيسية؛ فغالباً ما تكون مسارات الاتجار معقدة وتمر بعدة دول، قبل أن تصل إلى وجهتها الأخيرة؛ ما يزيد احتمالية تزوير المعلومات المتعلقة بتلك الأخشاب، خاصة في المناطق الاستوائية؛ ففي بعض بلدان نهر الكونغو، قدرت نسبة الأخشاب التي يجري تصديرها بطريقة غير قانونية إلى ما يصل إلى 90%.
العينات التي شملتها الدراسة مأخوذة من 991 شجرة موزعة 22 موقعاً في إفريقيا الوسطى، و9 في جزيرة بورنيو
تحليل مكونات الخشب
أحد التشريعات التي تبناها الاتحاد الأوروبي مؤخراً يُلزِم تجار الأخشاب بإثبات كيف جرى الحصول عليها بطريقة قانونية دون التسبب في إزالة الغابات.
الباحثة لورا بويسكوتين المؤلفة الرئيسية للدراسة التي نشرتها دورية "Environmental Research Letters states" علقت على القانون الجديد الذي يقضي بضرورة الإبلاغ عن منشأ الخشب عندما تصل إلى السوق الأوروبية، مؤكدةً أنه "لا بد من الاستعانة بوسائل مستقلة لتوثيق منشأ الأخشاب من أجل تنفيذ هذا القانون، ويمكن أن يصبح التحليل المتعدد العناصر الذي طبقناه في البحث، أداة فعالة للقيام بالأمر".
العينات التي شملتها الدراسة مأخوذة من 991 شجرة موزعة 22 موقعاً في إفريقيا الوسطى، و9 في جزيرة بورنيو.
وفقاً للباحثة، قام الفريق بقياس أعداد كبيرة من العناصر الكيميائية مثل الماغنسيوم، والكالسيوم من خلال أحد أنواع أجهزة مطياف الكتلة الذي يستخدم في تحليل المواد، مستعينين بتكنولوجيا يطلق عليها "مطياف الكتلة البلازمية المزدوجة الحث" التي يمكن من خلالها رصد العناصر الموجودة بكميات ضئيلة للغاية تصل إلى 1 : 1015 جزءاً لكل كوادريليون.
بعدما تمكن الباحثون من تجميع المواقع المتشابهة كيميائياً، تمثلت الخطوة التالية في الاستعانة بطرق التعلم الآلي، وهو أحد فروع الذكاء الاصطناعي لربط التركيب الكيميائي الذي توصلوا إليه بالموقع الجغرافي.
3 أنواع من الأخشاب خضعت للدراسة التي فاجأت نتائجها الباحثين؛ إذ يقول البروفيسور بيتر زويدييما المشارك في الدراسة: "لقد سررنا باكتشاف اختلافات كبيرة في حيز مكاني ضيق، مثل اختلافات بين أخشاب لا تبعد بعضها عن بعض سوى 50 كم".
درس الفريق "الميرانتي الأحمر"، وهو خشب آسيوي يستخدم في صناعة إطارات النوافذ، علاوةً على نوعين من الأخشاب الإفريقية: "آزوبي" و"تالي" اللذين يستخدمان في محطات المياه.
وتراوحت دقة تتبع المنشأ في منطقة إفريقيا الوسطى بين 86% و98%، وبلغت 88% في جزيرة بورنيو، وأرجع الباحثون ارتفاع نسبة الدقة في تتبع أخشاب الجزيرة، رغم صغر المساحة التي خضعت للبحث، إلى الاختلافات بين التربة الموجودة على مسافات قصيرة بعضها من بعض.
الباحثون أجروا تجربة للتوصل إلى الأخشاب الإفريقية دون معرفة نوع أيٍّ منها، وإضافتها إلى أنواع جديدة من الأخشاب، لتتراوح دقة التعرف عليها 70% إلى 72%، لكن الأدوات التي استعانوا بها فشلت في استبعاد 70% من الأنواع الأخرى.
وسبق أن جرى استخدام التحليل المتعدد العناصر لنباتات أخرى، مثل نبات الهليون والموز، والشاي، لكن هذه الدراسة هي الأولى التي يجري تطبيقها على الخشب