في قلب غابات الأمازون، حيث تلتقي الأنهار المتصاعدة مع الجفاف المتفاقم، يجد سكان المنطقة أنفسهم في مواجهة مع التغيرات البيئية التي تهدد بقاءهم، إذ يواجه سكان إكيتوس، المدينة البيروفية الواقعة في مقاطعة لوريتو، تهديدات متعددة من الفيضانات المدمرة إلى الجفاف القاسي. وفي ظل هذه التحديات، يصبح السؤال المطروح: هل يمكن لسكان الأمازون العيش مع النهر بشكل مستدام.

ارتفاع منسوب الأنهار وتهديد المجتمعات
في أبريل من هذا العام، أعلنت الهيئة الوطنية للأرصاد الجوية والهيدرولوجيا (SENAMHI) حالة الطوارئ في مدينة إكيتوس بعدما ارتفع منسوب مياه نهر الأمازون بسرعة كبيرة، ما أدى إلى غمر الشوارع والعديد من المناطق، نقلاً عن "FairPlanet".
وتشير التقارير إلى أن مياه النهر ارتفعت بمقدار 10-15 سنتيمتراً يومياً، مما أدى إلى تهديد الأمن الغذائي والتسبب في تفشي أمراض مثل الملاريا وحمى الضنك في المناطق الأكثر تضرراً مثل حي بيلين العائم.
ومن جانبها، أوضحت امرأة بيروفية من قرية أوكايا، والتي تعمل في إكيتوس، أنها تشعر بالخطر نتيجة الفيضانات المتكررة، مؤكدة أن الحكومة لا تقدم الدعم الكافي للمجتمعات المتضررة.
وقالت: "نخشى من تزايد الحشرات والأمراض، المنازل على ضفاف النهر في خطر".
الجفاف: أزمة متعددة الأبعاد
على الرغم من الفيضانات، فإن مدينة إكيتوس ليست بعيدة عن تهديد آخر وهو الجفاف، بين شهري أغسطس وأكتوبر 2024، سجل نهر الأمازون أدنى مستويات المياه في قرن كامل، مما أوقف حركة السفن التي تربط المدينة بالمناطق الأخرى، مما أثر على التجارة والأمن الغذائي.
وأشار طيارون محليون إلى أن الجفاف أصاب إكيتوس بالشلل، حيث تعفنت السلع القابلة للتلف وتوقفت السفن عن العمل.
وفي المناطق المجاورة مثل مدينة ليتيسيا الكولومبية، تدهور الوضع بشكل أكبر، حيث أظهر المعهد البيروفي لعلوم المياه انخفاضاً حاداً في تدفق المياه بنسبة 82%، ما أثر على الحياة اليومية للمجتمعات الأصلية في المنطقة، وهؤلاء السكان يعتمدون بشكل كبير على النهر كمصدر رئيسي للمياه والغذاء.
إزالة الغابات والتأثيرات المناخية
الأنشطة البشرية مثل إزالة الغابات وتطوير البنية التحتية لها تأثير كبير على هذا النظام البيئي الفريد، فقد أدت إزالة الغابات في البرازيل إلى انخفاض في كمية المياه المتاحة، مما ساهم في تفاقم الجفاف.
كما تسببت الحرائق التي اجتاحت المنطقة في الشهر الماضي في تعزيز ظاهرة الاحتباس الحراري، حيث أكدت وزارة الدفاع البيروفية أن إزالة الغابات أدت إلى فقدان 17% من الغطاء النباتي في المنطقة.
ووفقاً للعالم البيئي سانتياغو روبرتو دوكي إسكوبار، فإن هذه الأنشطة تساهم في إبطاء تدفق النهر من خلال تراكم الحطام، ما يعرض المنطقة لمزيد من الفيضانات والجفاف.
وأضاف أن هذه العمليات تساهم في ابتعاد النهر عن بعض المناطق مثل مدينة ليتيسيا بحلول عام 2030، إذا لم تُتخذ إجراءات لحماية البيئة.

العودة إلى الأساليب التقليدية في العيش
بينما يواجه سكان الأمازون تحديات خطيرة بسبب تغير المناخ، هناك بعض المجتمعات التي تسعى إلى التكيف مع هذه التغيرات من خلال العودة إلى الأساليب التقليدية في العيش.
ففي بويرتو نارينيو، وهي مدينة بيروفية على ضفاف النهر، تتبع المجتمعات المحلية نمط حياة مستدام يركز على التناغم مع البيئة، فإن المنازل المصنوعة من الخشب والقش لا تحتوي على مركبات آلية، ويعتمد السكان على مصادر مياه نقية للمجتمع بأسره.
تعمل منظمة "ناتوتاما" البيئية في هذه المدينة على مراقبة وحماية البيئة، بما في ذلك الحفاظ على الأنواع المحلية مثل خراف البحر والدلافين. تؤكد ديانا لوز أوروزكو، مؤسسة المنظمة، أن الهدف هو استعادة المعرفة التقليدية حول الحفاظ على الموارد الطبيعية والابتعاد عن الرؤية الاستخراجية التي تهدد النظام البيئي.
الاستدامة والحلول المبتكرة
في حين أن الحلول التكنولوجية مثل بناء السدود والجدران قد تكون مؤقتة، فإن بعض الباحثين يرون أن الحلول طويلة الأجل تكمن في إعادة بناء العلاقة بين الإنسان والطبيعة.
وأوضح دوكي إسكوبار أن الحل ليس في بناء المزيد من البنية التحتية، بل في احترام دورات النهر الطبيعية وإعادة التعلم كيفية العيش في تناغم مع البيئة.
تعتبر منطقة الأمازون واحدة من أكبر مثبتات الكربون في العالم، حيث تخزن ما بين 90 إلى 140 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون.
كما أن النظام البيئي الفريد في الأمازون يلعب دورًا حيويًا في تنظيم المناخ العالمي من خلال امتصاص الطاقة الشمسية وإعادة تدوير المياه في الغلاف الجوي. لهذا، فإن أي تدخل غير مدروس في هذا النظام يمكن أن يؤدي إلى عواقب بيئية وخيمة.