كالمستجير من الرمضاء بالنار.. آثار هروب العمال إلى فخ العمل ليلاً


مروة بدوي
الخميس 24 ابريل 2025 | 08:12 مساءً
العمل في ساعات متأخرة بفعل التغير المناخي
العمل في ساعات متأخرة بفعل التغير المناخي

مع ارتفاع درجات الحرارة بشكل غير معتاد بسبب التغير المناخي، بات الإجهاد الحراري مرض العصر وخاصةً بين العمال الذين يفقدون حياتهم أثناء العمل بسبب الحرارة الشديدة في كل دول العالم.

ارتفاع عدد الوفيات بسبب الاحترار

تشير البيانات العالمية إلى تسبب موجات الحر في زيادة حالات الإصابة بضربات الشمس والوفيات بين العاملين في الهواء الطلق، وخاصةً في قطاعات الزراعة والبناء وصيانة الشوارع وجمع النفايات.

وتُظهر الأبحاث أن خطر وقوع الحوادث في مكان العمل يزيد بنسبة من 5% إلى 7% مع تخطي درجات الحرارة 30 درجة مئوية، بينما يزداد احتمال وقوع الحوادث بنسبة تتراوح بين 10% إلى 15% عند تجاوزها 38 درجة مئوية.

وفي الوقت الحالي، يواجه نحو 21% من سكان العالم مستويات خطيرة من الإجهاد الحراري لأكثر من ثلث العام؛ خلال ساعات عملهم الاعتيادية، والتي تمتد من الـ9 صباحاً إلى الـ5 مساءً، حسب تحليل أجرته جامعة كولورادو بولدر الأمريكية.

وبحسب تقديرات منظمة العمل الدولية تعرض أكثر من 80 ألف شخص لإصابات في العمل بسبب التعرض للحرارة عام 2020 داخل دول الاتحاد الأوروبي فقط، ونتج عن ذلك وفاة 67 شخصاً.

وحسب الاتحاد الأوروبي للنقابات العمالية (ETUC) تشهد دول الاتحاد زيادة بنسبة 42% في عدد الوفيات المرتبطة بالحرارة أثناء العمل منذ عام 2000.

العمل ليلاً

ومع اشتداد موجات الاحترار حول العالم، ووصول درجات الحرارة إلى معدلات قياسية جعلت 2023 هو العام الأكثر سخونة على الإطلاق، بدأ المجتمع الدولي البحث عن حلول لحماية العمال من المخاطر المرتبطة بتغير المناخ، وتجنب تكرار المآسي التي شهدها العالم في السنوات الماضية.

ومن أجل إدارة مخاطر الحرارة في قطاع الأعمال ظهرت دعوات إلى تطبيق نظام ساعات العمل المسائية، وخاصةً للعاملين في الهواء الطلق.

وبدأت بعض مجتمعات الزراعة والصيد في عددٍ من الدول مثل البرازيل والهند والولايات المتحدة بتطبيق نظام العمل أثناء الظلام لفترة من الوقت، أو حتى التحول الكامل إلى جدول العمل الليلي كوسيلة للتعامل مع ارتفاع درجات الحرارة.

نتائج التحول إلى ساعات العمل المسائية

أظهر بحث أجرته كلية الطب بجامعة ماريلاند بالتيمور الأمريكية، أن العمل بانتظام أثناء الليل يسبب اضطراباً جسدياً وعقلياً، ويمكن أن يؤدي إلى مضاعفات صحية طويلة الأمد؛ كما يؤدي العمل ليلاً إلى اضطراب النوم، والإجهاد البدني والاكتئاب والقلق، وضعف الإدراك، وانخفاض جودة الحياة.

ويقول دكتور زيا مهرابي، الباحث في مجال الأمن الغذائي والمناخ بجامعة كولورادو بولدر الأمريكية، أن العمل أثناء الليل قد يؤدي إلى انتهاكات للحقوق الانسانية بجانب تأثيرات سلبية أخرى، حيث يهدد الروتين الاجتماعي، لأن جدول النوم أثناء النهار يقلل من الوقت الذي يقضيه الناس مع عائلاتهم.

انتهاك الساعة البيولوجية لجسم الإنسان

وترى ماري جو دودلي، مديرة برنامج عمال المزارع بجامعة كورنيل الأمريكية، أن تبني المزيد من المزارعين الأمريكيين لجداول العمل الليلية، يزيد الأعباء وعدم المساواة التي يواجهونها.

وتشير "دودلي" إلى أن التحول إلى جدول العمل الليلي يدفع فئة سكانية شديدة الضعف إلى ظروف عمل أكثر صعوبة، وذات تأثيرات كبيرة على الصحة العقلية والجسدية.

وتوضح أن انتهاك دورة الساعة البيولوجية لجسم الإنسان، والتي تنظم وقت النوم والاستيقاظ، يزيد خطر تعرض الشخص لمضاعفات صحية مثل أمراض القلب والأوعية الدموية وأنواع السرطان، ويقلل قدرة الجسم على التعامل مع الإصابات والإجهاد.

وتضيف مديرة برنامج عمال المزارع بجامعة كورنيل الأمريكية، أن العمل لساعات غير تقليدية مثل أوقات الليل يمكن أن يقلل من قدرة الشخص على التفاعل الاجتماعي أو المشاركة في الأنشطة الثقافية والمجتمعية، التي ترتبط بتأثيرات إيجابية على صحة الدماغ والجسم.

صعوبة تطبيق جداول العمل الليلية

وإذا كان من الممكن التحول إلى ساعات العمل المسائية في بعض المجالات؛ هناك قطاعات يبدو من الصعب فيها تبني هذا التحول مثل رعاية الماشية، لأن الظلام لا يوفر الأمن ويهدد سلامة القطيع.

وبجانب آثار درجات الحرارة المرتفعة التي تسببت في ذبول المراعي وقلة إنتاج الألبان؛ يؤدي تقليل ساعات العمل الآمن إلى انخفاض الدخل أيضاً، ما يدفع الرعاة للهجرة إلى المناطق الحضرية والبحث عن أعمال أخرى.

أثر نظام ساعات العمل المسائية على المرأة

تتعرض النساء بشكل خاص لتأثيرات اجتماعية واقتصادية مضاعفة نتيجة التحول إلى جداول العمل الليلية، لأنه يتعين عليهن رعاية أطفالهن، والاهتمام بالغذاء والمياه، ومواجهة الأخطار المناخية الأخرى مثل الفيضانات لحماية عائلاتهن.

وفي هذا الصدد، قال دكتور زيا مهرابي إن ساعات العمل الليلية تتعارض مع الأدوار الأسرية للمرأة ولا تمثل حلاً يمكن تطبيقه على نطاق عالمي، لأن تغيير أوقات العمل يؤدي إلى تعطيل نمو الأسرة.

وقد تمتد هذه الآثار إلى مستوى عالمي يضر بمستقبل الغذاء على سبيل المثال؛ فالمرأة الريفية مسؤولة عن إنتاج 50% من الغذاء بالعالم، وفي البلدان النامية تصل مساهمتها إلى 80%؛ ومع عدم قدرتهن على تبني العمل الليلي لأسباب أسرية أو إصابتهن بالإجهاد البدني، ستتناقص كمية المحاصيل الزراعية؛ وتقل هوامشهن الربحية، وتزداد الفجوة بين الجنسين بسبب التغير المناخي.

إضافةً إلى كل ما سبق، هناك حقيقة قد لا يعرفها الكثيرون هو أن موجات الحر تحدث أيضاً أثناء الليل، وقد ترتفع درجات الحرارة ليلاً بسرعة أكبر من ارتفاعها أثناء النهار، ما يؤثر في صحة الإنسان، وذلك وفقاً لدراسة نُشرت حديثاً في مجلة Environmental Health Perspectives تحت عنوان: "الحرارة الشديدة ليلاً تساهم في زيادة خطر الوفاة".

بالنسبة للعمال في جميع أنحاء العالم، إنه سباق للحفاظ على سبل العيش، لكنهم باتوا كما يقول المَثل العربي؛ كالمستجير من رمضاء الاحترار نهاراً بنار العمل ليلاً؛ لما فيه من أضرار لا تقف عند الحدود الصحية، بل تمتد إلى الاجتماعية والاقتصادية والصحة العقلية واللامساواة المناخية؛ فالعمال هم الأكثر عرضة للمخاطر بينما هم الفئة الأقل مساهمة في تغير المناخ بالعالم.