مع بداية عام 2025، رحب العالم بجيل جديد يُعرف باسم "جيل بيتا Gen Beta"، والمتوقع أن يرى النور في بيئة متغيرة عن تلك التي عاش فيها آباؤهم وأجدادهم، فمن التحولات التكنولوجية والاجتماعية إلى التغيرات المناخية، ستكون هذه الحقبة مليئة بالتحديات والفرص التي يتعين على الجيل الجديد التعامل معها بطرق ربما لم يسبق لها مثيل.
الجيل هو مرحلة التعاقب الطبيعية من الآباء إلى الأبناء، ويُعرف تقليدياً بأنه متوسط الفترة الزمنية بين ولادة الآباء وأبنائهم، وتتراوح مدة الجيل بين 20 إلى 30 عاماً، ويتميز كل جيل بمجموعة من الخصائص التي أثرت في حركة التاريخ بشكل مختلف؛ لذا بدأ علماء الاجتماع منذ بداية القرن العشرين في اعتماد نظام تسمية الأجيال بشكل متسلسل.
ويحمل كل جيل اسماً يعكس سماته النمطية الفريدة، والتي تكونت نتيجة الظروف البيئية والاجتماعية السائدة خلال الفترة التي تشكل فيها وعيه وتفكيره، ويعيش في عالمنا الحالي 8 أجيال متعاقبة: جيل العظماء، جيل الصامتين، جيل الطفرة السكانية، جيل إكس، جيل الألفية، جيل زد، جيل ألفا، جيل بيتا
جيل بيتا
سيدرك أبناء جيل بيتا الحياة في القرن الثاني والعشرين، حيث سيبلغ الأطفال المولودين عام 2025 عمر 76 عاماً بحلول عام 2101، وقد يكون من السابق لأوانه الحديث عن خصائص الجيل الجديد أو المجتمع المحيط بهم، لكن من المتوقع أنهم سيرثون كوكباً مثقلاً بفاتورة الأنشطة البشرية الضارة، ومختلفاً عن العالم الذي عاش فيه أجدادهم.
ويواجه هذا الجيل تحديات بيئية كبيرة، بما في ذلك تغير المناخ، والتوسع الحضري السريع، واستهلاك الموارد الطبيعية، ما سيجعل الاستدامة مصدر قلق كبير، فكيف سيكون شكل كوكب الأرض عندما يصل هؤلاء الصغار إلى مرحلة الشباب بحلول عام 2050 وتبدأ رحلتهم في الحياة؟ وما هو الإرث المناخي الذي يتركه لهم من سبقوهم إلى معترك الحياة؟
الأكثر قراءة
سيناريو المناخ عام 2050
وضع تقرير التقييم السادس الصادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ "IPCC" عدة سيناريوهات تتوقع مستقبل الكوكب في ظل التغير المناخي، وبناءً على السيناريو المتوسط "ما بين الأفضل والأسوأ"، يفترض أن معدل الانبعاثات الكربونية سوف يستمر بنفس المستويات الحالية، دون زيادة حتى منتصف القرن الحالي، وبالتالي تستمر درجات الحرارة كما هي عليها الآن.
ومع الأخذ في الاعتبار أنه خلال الفترة من فبراير 2023 إلى يناير 2024، قد تجاوزت البشرية الالتزام العالمي بعدم زيادة الاحترار عن 1.5 درجة مئوية أعلى من مستويات ما قبل الثورة الصناعية، حيث بلغ متوسط زيادة درجة الحرارة في جميع أنحاء العالم 1.52 درجة مئوية، وفقًا لخدمة كوبرنيكوس لتغير المناخ التابعة للاتحاد الأوروبي.
واستناداً إلى هذا السيناريو، من المتوقع أن تمثل الظواهر الجوية المتطرفة واحدة من أكبر المخاطر التي تواجه العالم وسكانه ومنهم "جيل بيتا"، وتحديدا هناك 3 كوارث مناخية ستمثل مصدر التهديد الأكبر للبشرية خلال منتصف القرن الحالي، وفقاً لأحدث تقرير صادر عن المنظمة العالمية "The World Economic Forum".
1. الفيضانات والأمطار الغزيرة
تتسبب الفيضانات في أكبر قدر من الخسائر البشرية، حيث يتوقع أن يبلغ عدد ضحاياها حول العالم نحو 8.5 مليون شخص بحلول عام 2050، وبالإضافة إلى الوفيات والإصابات، يؤثر التعرض لكارثة الفيضان بشكل كبير على الصحة العقلية للبشر وهم يتعاملون مع فقدان ذويهم ومنازلهم وسبل عيشهم.
كما يؤدي الضرر الذي يلحق بالبنية الأساسية والمحاصيل إلى انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية، وتشكل المياه الراكدة بعد سقوط الأمطار الغزيرة بيئة مثالية لانتشار الأمراض المنقولة بالمياه.
ومع ارتفاع درجات حرارة البحر، يتوقع ارتفاع كمية المياه المتبخرة ويتسارع ذوبان الجليد القطبي، مما يؤدي إلى زيادة هطول الأمطار وارتفاع مستويات المياه الجوفية.
وتُظهر التوقعات العالمية أن المناطق الاستوائية في كل من أمريكا الجنوبية ووسط إفريقيا والمناطق الساحلية في جنوب شرق آسيا قد تكون الأكثر تضرراً من ارتفاع مستويات الفيضانات بحلول عام 2050.
2. موجات الجفاف
تأتي موجات الجفاف في المرتبة الثانية بقائمة المخاطر المناخية الأكثر ضراوة، ومن المتوقع بحلول عام 2050 أن تتسبب في وفاة ما يصل إلى 3.2 مليون شخص.
وتشمل المناطق الأكثر عرضة لخطر الجفاف خلال العقود القريبة القادمة؛ منطقة البحر الأبيض المتوسط، وجنوب غرب أفريقيا، وغرب الولايات المتحدة وجنوب غرب أمريكا الجنوبية، ويرجع ذلك إلى تدهور معدل هطول الأمطار وانخفاض مستويات المياه الجوفية، حسب الإدارة الوطنية الأمريكية للمحيطات والغلاف الجوي (NOAA).
3. موجات الحر
تنتشر موجات الحر الطويلة بشكل متزايد في جميع أنحاء العالم، مما قد يسبب العديد من المشكلات الصحية، بما في ذلك الإجهاد الحراري والنوبات القلبية أو السكتات الدماغية.
وبحلول عام 2050، من المتوقع أن تتسبب موجات الحر في وفاة ما يقرب من 1.6 مليون شخص، معظمهم في المناطق الأكثر عرضة للخطر، بما في ذلك الولايات المتحدة وأمريكا الوسطى وجنوب وغرب إفريقيا والشرق الأوسط والهند وجنوب شرق آسيا وشمال أستراليا.
المسارات الاجتماعية والاقتصادية
ولن يتأثر كوكب الأرض بالانبعاثات الكربونية فقط؛ بل ستلعب العوامل الاجتماعية والاقتصادية دوراً مهماً خلال العقود القادمة، ومنها النمو السكاني والتوسع الحضري واستخدام الأراضي، على سبيل المثال، من المتوقع أن تؤدي الزيادة السكانية إلى زيادة استهلاك الموارد الطبيعية.
وقد تسفر محاولات زيادة المحاصيل الزراعية عن إزالة المزيد من الغابات أو مضخات الكربون، مما سيغير وجه العالم الذي نعرفه حالياً، ولكن ربما لن يعرفه جيل بيتا.
التأثير على صحة الإنسان ونمط الحياة
من المتوقع أن تؤثر أزمة المناخ على كل مظاهر الحياة الرئيسية وأهمها الصحة العالمية، وقد تودي بحياة 14.5 مليون شخص بحلول عام 2050، كما أن الأحداث الجوية المتطرفة وموجات الاحترار سوف تفاقم الأمراض المعدية وأمراض القلب والأوعية الدموية ومشاكل الجهاز التنفسي وغيرها من المشاكل الصحية.
وتؤثر القضايا الصحية المتعلقة بتغير المناخ بشكل غير عادل على المجتمعات والفئات الضعيفة، ومنها النساء وكبار السن وفئات الدخل المنخفض والشباب، وخاصة داخل الدول النامية في إفريقيا وجنوب آسيا.
ومن منظور اقتصادي، تصل الخسائر المادية الناتجة عن قضية المناخ إلى 12.5 تريليون دولار بحلول عام 2050، بينما تؤثر موجات الحر بشكل كبير على الصحة المهنية والإنتاجية، وخاصة بين العمال والمزارعين.
وأخيراً، من المتوقع أن تكون قضية المناخ هي أكبر أزمة يعيشها "جيل بيتا"، لذلك نحاول في "جرين بالعربي" أن نذكر العالم بأن هؤلاء الصغار من حقهم التمتع بالمساواة والعدالة حتى في الحقوق البيئية، وأن نترك لهم إرثاً مناخياً عادلاً تتساوى فيه فرص الحياة مع من سبقوهم، بالوصول إلى السيناريو الأول والأكثر تفاؤلاً ضمن سيناريوهات الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ "IPCC" حيث تصل معدلات انبعاثات ثاني أكسيد الكربون إلى الصفر بحلول عام 2050.
ويطمح السيناريو المتفائل بانتقال المجتمع إلى ممارسات مستدامة، مع إعطاء الأولوية للرفاهية على النمو الاقتصادي، وترتفع الاستثمارات في التعليم والصحة، ويتناقص التفاوت بين الفئات، ما يساهم في انخفاض حد الاحترار إلى 1.4 درجة مئوية فقط بحلول نهاية القرن الحالي.