من رعاة ماشية إلى حماة للأرض.. استعادة الغابات تتحول إلى تجارة مربحة


سلمى عرفة
الاحد 18 اغسطس 2024 | 03:29 مساءً

دائماً ما تصطدم جهود مواجهة التغير المناخي بالأنشطة الاقتصادية التي اعتمد عليها العالم لعقود طويلة، وبات التخلي عنها أمراً معقداً، لكن اتجاهاً جديداً يتصاعد بين القائمين على ممارسات حماية البيئة بالتركيز على تحويلها إلى ممارسات مربحة.

في بلدة ماراكاكومي البرازيلية الواقعة على حافة غابات الأمازون، بات سؤال واحد يتردد بين سكانها وهم يشاهدون عمليات التشجير تجري في المرعى التي اعتادت الماشية على التجول به لعقود طويلة: كيف يمكن لتلك الأشجار أن تدر دخلاً؟

في حديثه إلى صحيفة "نيويورك تايمز"، أبدى جوزياس أراوجو الذي انضم إلى فريق تنفيذ عمليات التشجير دهشته، قائلاً: "إننا ندمر المراعي التي يحتاجها العديد من مزارعي المنطقة.. الأمر كله غريب".

أشجار بدلاً من الماشية

ما يحدث في المنطقة هو جزء من صناعة جديدة تحاول عدد من المؤسسات إرساء قواعدها بأن تتفوق أرباح زراعة الأشجار التي تمتص غاز ثاني أكسيد الكربون- على رعي الماشية المتهم الأول بتدمير غابات العالم.

ويحذر العلماء بأن ارتفاع درجات الحرارة الناتج عن الاحتباس الحراري قد يؤدي إلى انهيار النظام البيئي لغابات الأمازون التي تمثل مكوناً حاسماً في تنظيم مناخ الأرض، وفقدت حتى الآن نحو 20% من مساحتها، ولن نتمكن من إنقاذها إلا إذا تمكنا من وقف إزالة الغابات، واستعدنا مساحات واسعة منها، تقدر بما يعادل مساحة دولة ألمانيا.

وتعتمد عمليات استعادة الغطاء الغابي في المنطقة على بيع اعتمادات الكربون التي تمتصه الأشجار إلى المنشآت الاقتصادية، لتعويض انبعاثات غازات الدفيئة التي تتسبب أنشطتهم في انطلاقها إلى الغلاف الجوي، من خلال فكرة بسيطة، وهي أن يعادل كل طن تمتصه الأشجار وحدة واحدة من أرصدة الكربون.

الجانب الإيجابي من الأمر هي أن المناطق التي تُزرع بها تلك الأشجار ستكون ضمن المناطق المحمية، لكن التحدي الأكبر هو أن قياس عمليات امتصاص الكربون تمثل مسألة معقدة من الناحية العلمية، وهناك مخاوف لدى بعض خبراء البيئة من إساءة الشركات للفكرة نفسها.

لكن ما يهم غالبية سكان المنطقة التي تتغلغل بها ثقافة رعي الماشية التي تطلق غاز الميثان، أحد أبرز الغازات المسببة للاحتباس الحراري، هو عدم فقدان الدخل.

يقول المزارع أندرسون فارياس، في حديثه إلى الصحيفة الأمريكية، إن من يعملون في مجال الماشية لا يهتمون كثيراً بمسألة استعادة الغابات، لكن إذا كان بيع الكربون- من خلالها- أفضل من الرعي، فلا مانع من تغيير النشاط الذي يقومون به.

أزمة محلية

أحد العوامل التي ساهمت في إقناع السكان بالتخلي عن المهنة التي عملوا بها لفترات طويلة هي الأضرار التي طالتهم بفعل التغير المناخي.

في حديثه إلى الصحيفة، يروي خوسيه رابيلو عمدة مدينة "ماي دو ريو" البرازيلية، الواقعة في الجزء الشمالي الشرقي من منطقة الأمازون، كيف جفت مساحات واسعة من النباتات التي يستخدمها المزارعون في إنتاج العلف، حتى أصبح عدد مزارع المدينة التي تضم حيوانات إلى أقل من 50%.. وتابع قائلاً: "المواشي تتضور جوعاً".

يرى عمدة المدينة إن قدوم الشركات إلى المدينة لتنفيذ أعمال استعادة الغابات، في إطار سوق الكربون سيكون بمثابة "طوق نجاة" للسكان.

بحسب تقرير مؤسسة "بلومبرج "NEF" للأبحاث، قد يصل حجم أسواق الكربون إلى تريليون دولار أمريكي بحلول عام 2037، أي ضعف حجم السوق العالمي للحوم البقرية حالياً.

وتحتل البرازيل المركز الثاني في قائمة أكبر دول العالم إنتاجاً للحوم بعد الولايات المتحدة الأمريكية.

تكثيف الرعي

جزء مهم من الاستراتيجية التي تعتمد عليها الشركات التي تعمل في المنطقة، هي مساعدة المزارعين على تحسين حالة أراضيهم، حتى يجري تكثيف عمليات الرعي في مساحات بعينها، بينما تبقى المساحات المتبقية متاحة لعمليات التشجير.

ويقتصر متوسط عدد رؤوس الحيوانات التي ترعى في غابات الأمازون على رأس واحدة لكل فدانين من تلك المنطقة الفسيحة.

لكن هناك مخاوف أخرى تتعلق كذلك بحرائق الغابات التي يمكن أن تمحو فوائد الأشجار التي يستغرق نموها فترات طويلة، ومن أن تنتقل أنشطة رعي الماشية إلى مناطق أخرى تحدث بها أضرار بيئية.

وظائف جديدة

توفر مشروعات استعادة الغطاء الغابي قائمة من الوظائف التي يعمل بها السكان المحليون كالاهتمام بالتربة، وزراعة الأشجار، ومراقبة حرائق، علاوة على مشروعات تمويل الشركات المحلية لتوفير البذور المحلية التي يحتاجها المزارعين.

كما أن نمو الغطاء الغابي ثانية يعني خروج المزيد من المنتجات إلى النور مثل زيت الجوز البرازيلي، والتي يمكن للسكان الاستفادة من عمليات جمعها ومعالجتها، وبيعها.

فرص عربية

الصراع بين تربية المواشي والغطاء النباتي الذي يساعدنا على مواجهة التغير المناخي لا يقتصر على منطقة غابات الأمازون فحسب، بل ينطبق كذلك على منطقة العالم العربي.

يشير التقرير الذي نشرته لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا "الإسكوا" في 2023، إلى أن ما يزيد عن 80% من أراضي العالم العربي تعاني من شكل من أشكال التدهور، ويأتي على رأس العوامل: إزالة الغابات، والرعي الجائر، والتصحر.

هناك ثلاث بلدان عربية أشار التقرير إلى تراجع مساحات الغطاء الغابي بها منذ تسعينيات القرن الماضي وتشمل جزر القمر، إلى جانب السودان، والصومال، والذي نلاحظ اعتمادهما على الثروة الحيوانية ركيزة اقتصادية لسكانها، وهو ما يتزامن مع تفاقم آثار التغير المناخي.

لكن على الجانب الآخر، تشهد المنطقة توسعاً في العمل على مشروعات سوق الكربون، ففي عام 2023، وصل حجم السوق الطوعي لتعويضات الكربون في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ما يزيد عن 160 مليون دولار، وستقترب من مليار دولار أمريكي في 2031، بحسب موقع "Statista" للإحصائيات.