سنوات طويلة عاشتها "خديجة" في منطقة "ساتخيرا" الواقعة جنوب غرب بنجلاديش، دون أن تدرك كيف سيؤثر الموقع الجغرافي الذي نشأت به، ويسكنه ما يزيد عن مليونيّ شخص، على حالتها الصحية بفعل ارتفاع مستوى سطح البحر، وزيادة حدة الأعاصير، وتسرب المياه المالحة.
في حديثها إلى شبكة "VOX"، تصف "خديجة" ما عانته خلال طفولتها من شرب المياه الملوثة بالملح قائلة "إنها لا تروي عطشك، بل تشعر كما لو كنت تبتلع إبراً".
أضرار المياه المالحة
مستويات الأملاح في المياه التي تستخدم في الاغتسال كانت زائدة لدرجة أصابت "خديجة" بالحكة، وجفاف البشرة، وأدت إلى تساقط شعرها، لكن الآثار الأشد سوءاً بدأت حين انتقلت إلى مرحلة المراهقة، وبدأت تعاني من الالتهابات وعدم انتظام دورتها الشهرية.
"خديجة" التي اضطرت لاستخدام المياه المالحة لغسل الفًوُط الصحية القماشية التي كانت تستخدمها لم تتمكن من تلقي علاج مناسب لحالتها سوى بعض الأدوية الهرمونية التي أدت إلى توقف الحيض.
لحسن حظها، انتقلت الفتاة لاحقاً إلى العيش في مدينة "سافار"، التي تتوافر فيها المياه النظيفة، حيث تحسنت حالتها الصحية، وأنجبت طفليّها لاحقاً.
لكن الفرصة التي أتت لـ"خديجة" لم تتوافر لأعداد كبيرة من النساء اللاتي لازلن يعشن في المناطق التي تعاني من تسرب المياه المالحة، والتي تتفاقم بفعل ارتفاع مستوى سطح البحر الناتج عن ظاهرة الاحتباس الحراري وما يصاحبها من تسارع معدلات ذوبان الجليد.
النساء في خطر
شبكة "VOX" نقلت نتائج عدة دراسات كشفت عن التأثيرات السلبية الطويلة المدى لاستخدام المياه المالحة على النساء خلال كافة مراحل الدورة الإنجابية، بداية من الحيض وحتى الولادة، والتي قد تصل إلى خسارة فرصهن في الإنجاب.
التقرير الذي نشره المركز الدولي للتغير المناخي والتنمية، وهو هيئة بحثية معنية بالبيئة في بنجلاديش، في عام 2024، وثق عدد من الحالات التي واجهت تلك المعاناة، من بينهن سيدة، لم تتجاوز الثانية والثلاثين من عمرها، والتي خضعت لجراحة استئصال الرحم، وروّت تعرض العديد من النساء لمثل هذا الإجراء.
طبيبة في أحد المجمعات الطبية روت في شهادتها إلى المركز، كيف لاحظت زيادة حالات العقم، وعدم انتظام الدورة الشهرية، وحالات التهاب الحوض، مضيفة أن غالبية المريضات اللاتي فحصتهن، ممن تجاوزن الأربعين من العمر، خضعن لعمليات استئصال الرحم، أو إزالة بطانته من أجل وقف النزيف خلال فترات الحيض.
مخاطر ارتفاع مستوى سطح البحر لا تقتصر على بنجلاديش فحسب، فنحو 40% من سكان العالم يعيشون بالقرب من السواحل داخل مناطق لا تتجاوز مساحتها 60 ميلاً، وتواجه ما يزيد عن 100 دولة من بلدان العالم خطر تسرب المياه المالحة التي تطال أضرارها قطاعات مختلفة.
في فيتنام على سبيل المثال، تصل المياه المالحة من بحر الصين الجنوبي إلى مصب نهر ميكونغ سنوياً خلال فترات الجفاف، ما يدفع سكان دلتا النهر، الذين يمثلون 20% من سكان الدولة، إلى حصاد مياه الأمطار لتعويض تلك الملوحة الموسمية، لكن التغيرات التي شهدتها السنوات الماضية ومن بينها عدم انتظام تساقط الأمطار، واستمرار موجات الجفاف أعاقت ذلك الأمر.
تهديد المخزون الجوفي
تقرير "VOX" أشار إلى المخاطر المشابهة التي تتعرض لها دلتا نهر النيل في مصر، حيث يستخرج المزارعون المياه الجوفية لتعويض نسب الملوحة التي تتسرب إلى المنطقة.
لكن الاعتماد المفرط على المياه الجوفية يخل بالتوازن الطبيعي بينها وبين المسطحات المائية، فمع انخفاض مستوياتها، يقل حجم الضغط الذي يمنع المياه المالحة من التسرب.
ووفقاً لمنظمة الأغذية والزراعة "الفاو"، فإن 15% من الأراضي الزراعية الأجود في دلتا مصر طالتها آثار الملوحة.
تحديات متزايدة
الدول المعرضة للخطر تواجه تحدي آخر وهو أن عليها زيادة التدابير الوقائية التي تمنع تسرب المياه المالحة إلى موارد المياه العذبة، والتربة، من بينها شحن طبقات المياه الجوفية لمحاولة إعادة التوازن مجدداً.
أما محاولة التدخل لاحقاً لإزالة الأملاح من كميات المياه التي وصلت إليها، فلا تجري إلا من خلال عمليات التحلية التي تحتاج إلى كميات كبيرة من الطاقة، علاوة على تكلفتها.
لكن التوقعات المستقبلية تنبئ بالحاجة إلى إيجاد المزيد من الحلول، فمن المتوقع أن يرتفع متوسط مستوى سطح البحر عالمياً بفارق 20 سم بحلول عام 2050 إذا ما استمرت الوتيرة الحالية، وفقاً لتوقعات وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا".