الوحدات الإدارية المهجورة.. مرحباً بك في منازل المستقبل


سلمى عرفة
السبت 29 يونية 2024 | 11:32 مساءً

حوَّلت سنوات جائحة كورونا حياة البشر إلى يوميات خلف الشاشات خوفاً من العدوى، وأجبرت أعداداً كبيرة من المؤسسات على إغلاق المقرات التابعة لها للتحول إلى العمل عن بُعد.

مزايا العمل عبر الإنترنت من اختصار وقت التنقل وتكلفته، وتقليل نفقات التشغيل حالت دون عودة الأمور إلى طبيعتها، وبقيت أعداد كبيرة من المكاتب الإدارية خاوية من العاملين بها، وتحولت إلى موارد مهدرة.

بحسب إحصائيات "Statista"، ارتفعت نسبة الموظفين الذين يعملون عن بعد حول العالم طوال الوقت أو معظمه من 10% في عام 2019، إلى ما يقرب من 30% في 2023.

وكشف استطلاع حديث في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أن 85% من المشاركين يرغبون في العمل عن بُعد، حسبما نقل موقع "Fast Company".

وحدات شاغرة

هذا الارتفاع قابلته زيادة في عدد الوحدات الشاغرة حول العالم بفارق 6% في الفترة نفسها، بحسب تقديرات نقلها موقع "دويتشه فيله".

بالتزامن مع تناقص الطلب على الوحدات الإدارية، يعاني العالم من أزمة إسكان تتطلب إقامة المزيد من المباني التي ستحتاج كميات هائلة من المواد الخام، وتكلفة مالية باهظة.

يقول بالاكريشنان راجاجوبال مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالحق في السكن اللائق، إن العالم يواجه وضعاً يتزايد فيه أعداد الناس الذين لا يمكنهم تحمل تكاليف السكن.

وفق إحصائيات أممية، يساهم قطاع البناء والتشييد بـ37% من إجمالي انبعاثات غازات الدفيئة التي تنطلق إلى الغلاف الجوي للأرض؛ النسبة الكبرى منها يتسبب فيها إنتاج واستخدام الأسمنت والصلب والألومنيوم.

وثائقي قصير أنتجته شبكة "دويتشه فيله" استعرض عدة تجارب ناجحة لتحويل الوحدات الإدارية إلى مشروعات سكنية، ويطلق عليه المعماريون "إعادة الاستخدام التكيفي".

ترى بيرنيلا هاجبرت باحثة الاستدامة الحضرية في المعهد الملكي للتكنولوجيا في ستوكهولم بالسويد أن على العالم استخدام المباني التي جرى إنشاؤها بالفعل، وخفض إجمالي عدد المنشآت الجديدة؛ من أجل تحقيق الأهداف المناخية، وبقية الأهداف المتعلقة بالاستدامة.

وبحسب خبراء، لم تبدأ أزمة المكاتب المهجورة مع جائحة "كورونا"، لكن العقد الماضي شهد انسحاب العديد من المؤسسات من المباني القديمة، والتوجه إلى مناطق أكثر حداثةً.

في الستينيات من القرن الماضي، شهدت مدينة فرانكفورت الألمانية إنشاء أعداد كبيرة من المباني الإدارية بمنطقة "نيديرراد"، لكن ثُلث تلك الوحدات بات خاوياً بحلول 2005.

المشروع الذي بدأت سلطات المنطقة تنفذه لاحقاً لم يقتصر على تحويل الأبراج إلى وحدات سكنية فحسب، بل حوَّل المنطقة إلى مكان جاذب للسكان يجدون فيه الخدمات التي يحتاجونها.

المساحات المخصصة لترك السيارات حول المنشآت الإدارية تحولت إلى دور جديدة لرياض الأطفال، وحدائق يرتادها المقيمون.

مشروع آخر تشهده المدينة لإنشاء 150 وحدة سكنية بعد إجراء التعديلات اللازمة على أحد الأبراج الإدارية.

مزايا وتحديات

وبجانب تقليل انبعاثات غازات الدفيئة، تشمل مزايا اللجوء إلى هذا الحل تقليل حجم التكلفة، والوقت المستغرق للتنفيذ، علاوة على تمكين الشركات المسؤولة عن المشروع من طرح الوحدات للإيجار سريعاً.

خلال الفترة بين عامَي 2011 و2021، تمكنت مدينة فرانكفورت من إنشاء ما يقرب من 10 آلاف وحدة سكنية بتلك الطريقة.

لكن هناك تحديات كذلك تواجه القائمين على تلك المشروعات؛ فتحويل وحدة إدارية إلى شقة سكنية يعني الحاجة إلى تغيير نظام دورات المياه، ونظام الإضاءة والتدفئة، وغالباً ما يجري تغيير التقسيم الداخلي كاملاً مع إبقاء الهيكل الخارجي للوحدات.

ألمانيا لم تكن الوحيدة التي حاولت إعادة استخدام المنشآت الإدارية لمواجهة أزمة الإسكان بطريقة أكثر استدامةً.

في 2021، وصلت نسبة المكاتب الشاغرة في مدينة "كالجاري" الكندية إلى 38% من إجمالي الوحدات الإدارية بالمدينة، وهي النسبة التي صُنفت ضمن الأسوأ في العالم.

لاحقاً، انطلق مشروع جديد لتحويل أعداد كبيرة من تلك الوحدات إلى منازل معقولة الثمن، بفضل الحوافز المالية التي قدمتها سلطات المدينة.