أرق الغزلان.. التغيرات المناخية تسلب النوم من عيون الحيوانات


سلمى عرفة
الخميس 13 يونية 2024 | 12:09 صباحاً

باتت جودة نوم البشر مرتبطةً اليوم بمؤشر الحرارة المتصاعدة بفعل التغيرات المناخية المتطرفة الظواهر، لكن ليس هذا الخوف الوحيد؛ فهناك كائنات يجافيها النوم أيضاً للسبب نفسه، ولا تمتلك أي حلول لتخطي الأزمة.

الموجات المتطرفة التي تتفاقم بفعل التغير المناخي متهمة بزيادة معدلات الأرق؛ ما يدفعنا إلى اللجوء إلى أجهزة التكييف، لكن الكائنات الأخرى التي تشاركنا الحياة على الكوكب لا تملك تلك الرفاهية.

الأشهر القليلة الماضية شهدت خروج دراستين للنور، حذَّر خلالهما العلماء من تأثير ارتفاع درجة الحرارة على جودة نوم عدة أنواع من الحيوانات، وتأثير الأمر على سلوكها، وعلى الدور الذي تقوم به في النظام البيئي.

قد تبدو مراقبة كائن نائم أمراً مملاً، لكن إيوان مورتلوك الباحث في مرحلة ما بعد الدكتوراه بجامعة بريستول البريطانية، قضى سنوات طويلة من عمره، وهو يدرس أنماط النوم عند قائمة طويلة من الكائنات، تتنوع بين الثدييات الضخمة إلى ذباب الفاكهة.

"مورتلوك" – وهو مؤلف الدراستين – يعتبر النوم واحداً من أكثر السلوكيات المثيرة للاهتمام التي يمكن ملاحظتها؛ فهو سلوك تقوم به كل الحيوانات تقريباً، بما في ذلك قناديل البحر التي تخلو أجسادها من الأدمغة، وكشفت الأبحاث عن تراجع مستوى النبض في أجسادها خلال فترات النوم.

الغزلان في خطر

إحدى ضحايا تلك التغيرات هي صغار الغزلان، التي راقب الباحثون مجموعة منها لمدة 300 يوم كاملة، في أحد المتنزهات القريبة من العاصمة الأيرلندية عبر تركيب أطواق برقابها مزودة بأجهزة تقيس حركتها بدقة، وانتهت الدراسة إلى تراجع فترات النوم التي استغرقها تلك الصغار، علاوةً على انخفاض جودتها، وفقاً لدورية "Animal Behaviours".

الخلود إلى النوم لدى الغزلان لا يمثل أمراً روتينياً، بل هو أحد عوامل بقائها على قيد الحياة؛ فخلال تلك الفترة، يُعاد بناء خلايا الجسم، ويتم التعافي من الأنشطة التي تحدث خلال أوقات الاستيقاظ، وفقاً لموقع مؤسسة "National Deer Association"، وهي منظمة بيئية غير ربحية.

أما الخنازير البرية، التي راقبها الباحثون لعدة سنوات بدايةً من عام 2019، فتراجعت فترات نومها بنسبة 17%، خلال فترات الحر الشديد، مقارنةً بالفترات التي سجلت درجات حرارة أقل، كما أصبح النوم يسير بوتيرة متقطعة، بحسب دورية "Proceedings of the royal society b".

مخاطر متزايدة عربياً

إصابة الحيوانات بصعوبات النوم بفعل ارتفاع درجات الحرارة قد يؤدي كذلك إلى ضعف جهازها المناعي؛ ما يقلل فرص نجاحها في مواجهة الأخطار الأخرى التي تحيط بها بفعل الأزمات البيئية.

في المنطقة العربية التي يتسارع فيها معدلات زيادة درجة الحرارة بدرجة تفوق بقية مناطق العالم، يواجه العديد من الحيوانات تهديدات متزايدة بفعل التغيرات المناخية.

العراق على سبيل المثال شهد خلال السنوات الماضية، حالات نفوق مجموعات من غزلان الريم بفعل الجفاف ونقص الغذاء، في وقت تُصنَّف الدولة العربية فيه بأنها أكثر بلدان العالم معاناةً من آثار التغيرات المناخية.

وفقاً للدراسة، يمكن أن يؤدي نقص النوم إلى زيادة احتمالية إصابة الخنازير بالأمراض، أو يقلل الوقت الذي تقضيه في رعاية صغارها.

وعلى العكس، ارتفعت جودة نوم الخنازير البرية بالتزامن مع تساقط الثلوج والأمطار؛ لأنها تعمل على خفض درجة حرارة أجسادها، كما لم تزعج تلك الظواهر الخنازير كثيراً؛ لأنها تنام عادةً تحت الأشجار.

كما أن التوقعات المناخية تُنبئ باستمرار تلك الموجات الحارة؛ ما يعني زيادة معدلات الأرق؛ ففي عام 2023 وحده، ارتفع متوسط عدد الأيام التي شهدت ارتفاعاً متطرفاً بفارق 26 يوماً، وفقاً لتقرير أصدرته منظمة Climate Central، وهي منظمة بيئية غير ربحية مقرها الولايات المتحدة الأمريكية، بالتعاون مع منظمات بيئية أخرى.

صدام بين الحيوانات والبشر

لكنَّ هناك خطراً آخر يشير إليه "مورتلوك"، وهو أن القدرات الفائقة للكائنات الحية على التكيف قد تنتهي بنتائج تضر بالبشر؛ فعلى سبيل المثال "لن تتوقف الخنازير عن النوم بسبب احترار الكوكب"، ولكنها قد تبحث عن مناطق أخرى، وهو ما يعني اقترابها من التجمعات السكانية، وزيادة خطر الأضرار التي قد تُلحِقها بالمحاصيل الزراعية، والمنشآت المختلفة.

في حديثها إلى شبكة "VOX"، تشير بريانا أبراهامز خبيرة سلوك الحيوانات والبيئة، إلى دراية العلماء بأن التغيرات المناخية تشكل مجموعة متنوعة من الضغوط على الحيوانات، لكن تلك الدراسة تكشف عن جانب جديد من الضغوط التي قد تتعرض لها.

وتتابع قائلةً إن الحيوانات والبشر كذلك يحتاجون إلى النوم؛ للتعافي من الضغوط الأخرى الواقعة عليهم؛ لذلك تشير إلى أن تأثيرات درجات الحرارة الأعلى قد تُفاقِم الآثار السلبية الأخرى لتغير المناخ على الكائنات البرية.