لو سألتك عن أول شيء لاحظته عند رؤية الصورة الموجودة أسفل النص، فغالباً ما ستكون الإجابة قرداً يحمل صغيره، في وقت ستتجاهل فيه عيناك النباتات المحيطة بهما، أو قد لا تلحظها على الإطلاق، وهو ما يعني احتمالية إصابتك بـ"عمى النبات".
قبل 20 عاماً، وضع اثنان من علماء النبات في الولايات المتحدة الأمريكية – وهما جيمس واندرسي وإليزابيث شوسلر – تعريفاً لتلك الظاهرة، وأشارا إليها بعدم القدرة على ملاحظة النباتات في البيئة المحيطة بالفرد، وهي الظاهرة التي تفاقمت مع مرور الزمن بفعل عدة عوامل.
لماذا تستبعد أدمغتنا النباتات؟
يشير الكاتب إريك رولز، في تقرير نشره موقع "Earth"، إلى أن الطريقة التي تعمل بها عقولنا هي السر في إعطاء الأولوية للكائنات الأخرى.
من المستحيل أن تحلل أدمغتنا كل الإشارات الطبيعية التي تلتقطها العين، بل تعمل على ترتيب الأولويات التي تتصدرها الاستجابة السريعة لمشاعر الخوف، وملاحظة الأشياء المتحركة التي هي سمة أساسية تطورت لدينا كي نتمكن من الفرار من الكائنات المفترسة، لكن الكفة تميل إلى الحيوانات كذلك حتى إن لم تكن تشكل خطراً علينا مقارنة بالنباتات الثابتة.
العامل الآخر الذي يجعلنا أن نولي انتباهاً أقل إلى النباتات مقارنة بالحيوانات أن الأولى لا تشبهنا من الناحية الجسدية، على عكس الأخيرة التي تتشابه أعضاء جسدها معنا وتتمتع بأعين، وفم، وأذرع.
أما إذا ما اقتصر المشهد على النباتات فحسب، فقد تلتفت عيناك إلى الأزهار الزاهية والمختلفة اللون، وتتجاهل المكونات الأخرى.
في عام 2022، نشر علماء كلية لندن الجامعية وجامعة إكستر في المملكة المتحدة نتائج تحليل ما يزيد عن 300 بحث نشرته الدوريات العلمية في الفترة من 1998 إلى 2020، وكشفوا عن مدى تفشي تلك الظاهرة.
غالبية الدراسات كشفت أن النباتات دائماً ما تأتي في مرتبة أقل مقارنة بالحيوانات، من حيث درجة الانتباه، أو تذكر المعلومات المتعلقة بها، وانتهت الدراسة إلى أن كبار السن هم أصحاب المعرفة الأفضل بالنباتات.
تراجُع الوقت الذي يقضيه الإنسان في الطبيعة، وزيادة معدلات العيش في المدن ساهما في تراجع التواصل بين البشر والنباتات المحيطة، كما أن تراجع الوقت الذي يقضيه الأفراد مع الأسرة، في كثير من الأحيان، أثر على مشاركة المعرفة النباتية بين كبار السن والأطفال.
عمى النبات والتغير المناخي
مع تفاقم ظاهرة التغير المناخي التي تعود بأضرار وخيمة علينا وعلى الكائنات الحية التي تشاركنا الحياة على الأرض، حتى تلك التي لا تحظى بمكان داخل دائرة اهتماماتنا، يشير "رولز"، في تقرير موقع "Earth" إلى أن النباتات تقضي حياتها كاملة في مكان واحد، على عكس الحيوانات التي يمكنها التحرك من مكان إلى آخر.
على سبيل المثال، لن تتمكن أي من الأشجار من البحث عن مكان أكثر برودة، عندما تشتد الحرارة والجفاف، فتواجه خطر الانقراض.
يقول الكاتب: "لو كان بإمكاننا الالتفات إلى الطبيعة كما كنا نفعل قبل مئات السنين، لكنا لاحظنا آثار التغيرات المناخية بسهولة، لكنا لاحظنا تأخر اصفرار أوراق الأشجار حتى شهر نوفمبر بدلاً من أكتوبر، وكان يمكن أن تلاحظ كيف تفتحت الأزهار الموجودة في حديقة منزلك مبكراً".
كما أن هناك مخاوف لدى علماء النبات بأن يؤثر تناقص المعرفة بذلك النوع من الكائنات الحية على جهود حمايته، والحفاظ على الدور الهام الذي يلعبه في مواجهة التغير المناخي، وأبرزه قدرتها على امتصاص غاز ثاني أكسيد الكربون الذي يساهم في ارتفاع درجة حرارة الأرض.
بحسب دراسة نشرتها مؤسسة "Kew Gardens" – وهي مؤسسة بريطانية غير ربحية معنية بعلم النبات – فإن 75% من أنواع النباتات التي لم يضع العلماء لها وصفاً بعد، مهددة بالفعل بالانقراض.
الجدل حول الاهتمام بالنبات يصل كذلك إلى عالم البحث العلمي؛ إذ يروي روبيش بوديال الباحث في جامعة ليدز البريطانية، في مقال له على موقع Medium، كيف تلقى تعليقات سلبية عند اختيار التخصص في علم النبات، ممن رأوا أن عليه دراسة موضوعات "مفيدة".
مواجهة "عمى النبات"
بحسب الدراسة البريطانية، لا يوجد دليل ملموس على أن عمى النبات سمة فطرية في البشر، بل يمكن للأفراد مواجهته من خلال تفاعل الأفراد مع النباتات التي لها صلة مباشرة بحياتهم، من بينها النباتات الصالحة للأكل.
هناك اقتراح آخر أشار إليه الكاتب إريك رولز؛ هو أن مواقع التواصل الاجتماعي والتطبيقات الهاتفية يمكن أن تساهم بدور في تعلم الأفراد المزيد حول النباتات المحلية المحيطة بهم، وكذلك التعرف على النباتات النادرة، ومشاركتها مع الآخرين.