لا تخلو الفعاليات البيئية العالمية من الحديث عن أهمية الحيوانات في النظام الإيكولوجي، وضرورة حمايتها من التهديدات؛ ما يطرح تساؤلاً حول كيفية الاستعانة بالحيوان لتنفيذ مهام بيئية من أجل مصلحة الكوكب الأزرق.
"جرين بالعربي" تستعرض في السطور التالية، بعض التجارب العالمية التي قد تحمل إجابة على هذا التساؤل.
النحل.. "مُخبر بيئي" في شرطة روما
إيطاليا هي أول دولة أوروبية يوجد بها قوة شرطة بيئية ضمن قوات الدرك الوطني الإيطالي (الكارابينيري)، وهي وحدة خاصة مُكلفة بحماية البيئة والغابات والتنوع البيولوجي والإدارة المستدامة للموارد، والأمن الزراعي والغذائي، والتخطيط لحالات الطوارئ وإدارتها. ومن أجل مراقبة البيئة ومكافحة التلوث، تستعين الكارابينيري بحليف لديه خبرة طويلة في المراقبة الحيوية البيئية، وهو النحل، الذي يلعب دور المخبر في قوات الشرطة الإيطالية.
منذ ما يقرب من 5 سنوات تحول سطح المقر الرئيسي لقوة الكارابينيري في وسط روما إلى مقرٍ للعديد من خلايا النحل؛ حيث يستخدمونه مؤشراً على التنوع البيولوجي والنباتي بالمدينة، ويستغلون قدراته في المراقبة على نطاق واسع يبلغ نحو كيلومترين لفهم الحالة البيئية بشكل أفضل.
جيانكارلو بابيتو المقدم بوحدة الغابات والبيئة في قوات الكارابينيري، أوضح لموقع "Futuro Prossimo"، أن النحل يساعدهم على جمع معلومات مفيدة وغير متوافرة عادةً، حول ملوثات الهواء التي يمكن أن تكون موجودة في المناطق الحضرية، مثل ملوثات الديوكسينات الخطرة.
وأضاف أن نشاط النحل يجعلهم يفهمون حالة البيئة بشكل أفضل، ويساعدهم على تحسين الحياة في المدن، واختيار السياسات الأنسب لتحسين صحة المواطنين؛ حيث يمكن اعتبار نمط حياة النحل اليومي ونشاطه والرحيق وحبوب اللقاح المنتجة بمنزلة "تقارير بيئية" تخبر الشرطة عن جودة الهواء وتوافر النباتات والزهور ومدى تنوعها في العاصمة الإيطالية.
ومع نجاح مشروع "المراقبة الحيوية البيئية" باستخدام أسراب النحل، تلقت قوات الكارابينيري دعماً بقيمة 50 ألف يورو لمواصلة برنامج التعاون مع النحل وتوسيع نطاقه ليشمل مدناً أخرى خارج العاصمة؛ لذلك يأمل المقدم "بابيتو"، أن يلهم نجاح هذه التجربة الأولى من نوعها باقي قوات الشرطة البيئية، وأن تكررها كل دول الاتحاد الأوروبي.
البط يخرج صباحاً على شكل دوريات إلى حقول الأرز في مهمة خاصة، وهي أكل الأعشاب الضارة والآفات، وفي الوقت ذاته لا يؤذي البط نباتات الأرز الصغيرة
"البط" في مهام بيئية خاصة باليابان
من إيطاليا إلى اليابان، وبالعودة إلى ممارسة زراعية ذات جذور قديمة منذ آلاف السنين، نشر مزارعو الأرز الآسيويون قطعاناً من البط في الحقول للقضاء على الأعشاب الضارة والآفات؛ حيث يواجه الأرز منافسة غير متكافئة مع الأعشاب الضارة السريعة النمو بسبب بطء نموه؛ ما كان يضطر المزارعين إلى استخدام المبيدات التي تحمي المحصول، لكنها تضر البيئة وتلوث الموارد المائية وتسمم العديد من الكائنات المفيدة التي تستوطن حقول الأرز.
من هنا يأتي دور البط الذي يخرج صباحاً على شكل دوريات إلى حقول الأرز في مهمة خاصة، وهي أكل الأعشاب الضارة والآفات، وفي الوقت ذاته لا يؤذي البط نباتات الأرز الصغيرة؛ لأنها ليست ضمن غذائه المفضل، وتستمر مهمته لمدة 6-8 أسابيع تقريباً حتى تبدأ الحبوب الموجودة في نباتات الأرز بالامتلاء، مكونةً مظلة كاملة فوق الأرز، وحينها لن تمثل الأعشاب الضارة مشكلة، وتنتهي مهمة البط بنجاح.
نجاح هذه الممارسة التقليدية – رغم بساطتها – حوَّلها إلى ممارسة عالمية مُوثقة في كتاب "The Power of Duck and The One Duck Revolutio"، ونقلها إلى حقول أوروبا وأمريكا الشمالية؛ حيث قضت على مشكلة الأعشاب والآفات الضارة، وفي الوقت ذاته ساعدت على حماية البيئة وصحة المستهلك، وساهمت في تحسين خصوبة التربة، وخفض تكلفة العمالة، إضافةً إلى تحسين الثروة الداجنة، خاصةً أن البط الذي يُنتج بواسطة حقول الأرز يكون مصدراً رائعاً للحوم والبيض.
يعتبر الفيل "مهندس النظام البيئي"؛ لأنه من الأنواع الأساسية الفعالة للحفاظ على التنوع البيولوجي؛ فقد أظهرت الدراسات أن الأفيال تساعد على حماية صحة الغابات في إفريقيا
"الأفيال" تساهم في ازدهار "بوتسوانا"
نتيجة موجات الجفاف يحدث أحياناً احتكاك بين الحيوانات في الحياة البرية ومجموعات البشر التي تعيش بالقرب منها، بسبب البحث عن موارد المياه والغذاء، لكن عندما يتم تحويل هذه الحيوانات إلى مصدر اقتصادي لتطوير هذه المجتمعات، يكون ذلك بمنزلة حل وسط يضمن الحفاظ على التنوع البيولوجي من جهة، ويجلب الرزق للبشر من جهة أخرى، وهو ما يحدث في بوتسوانا موطن أكبر عدد من الأفيال في إفريقيا.
العناية بالأفيال والتعايش معها في بوتسوانا، حوَّل منطقة المجتمعات المحلية إلى منطقة جذب سياحي؛ حيث تتيح السياحة الطبيعية المزدهرة ومشاهدة الأفيال والحياة البرية في الغابات الإفريقية جلب الأموال للقرى، وباتت السياحة التي يتركز معظمها على الحياة البرية، تمثل نحو 10% من اقتصاد بوتسوانا، وقد ارتفعت هذه النسبة مع تعزيز حماية الأفيال.
وبجانب دورها الاقتصادي، تتمتع الأفيال بأهمية بيئية كبيرة؛ حيث يعتبر الفيل "مهندس النظام البيئي"؛ لأنه من الأنواع الأساسية الفعالة للحفاظ على التنوع البيولوجي؛ فقد أظهرت الدراسات أن الأفيال تساعد على حماية صحة الغابات في إفريقيا، من خلال توزيع بذور الأشجار ونشر الشتلات على نطاق واسع بسبب تجولها لمسافات كبيرة داخل الغابات، كما تلعب الفيلة دوراً رئيسياً في حفر آبار المياه وتخصيب الأرض؛ ما يساعد الحيوانات الأخرى على النمو، ومن المؤكد أن الحفاظ على صحة الغابات يضمن استمرار الأشجار في تخزين الكربون؛ ما يساعد بدوره على تقليل آثار تغير المناخ.
"الكلاب" تحمي النباتات في كاليفورنيا
هناك بعض الآفات والأمراض الخطيرة التي تصيب النباتات في صمت دون أعراض واضحة، ولا يتم اكتشافها إلا بعد موت النبات وانتشار المرض على نطاق واسع، وأحياناً لا يوجد علاج لهذه الأمراض الفتاكة، ولا توجد فرصة للنجاة إلا من خلال الوقاية والكشف المبكر عنها.
وهنا يأتي دور الكلاب واستغلال حاسة الشم القوية، وتدريبها على اكتشاف هذه الآفات والفطريات المميتة، واحتوائها قبل انتشارها بين النباتات؛ ما يحافظ على الغطاء النباتي والزراعي، ويقلل عدد النباتات الميتة، ويخفض إطلاق الانبعاثات الكربونية من الجذوع الميتة.
ولهذا استخدمت عدة دول الكلاب في مجال حماية النباتات؛ حيث استعانت أمريكا، عبر فريق من الخبراء في ولاية كاليفورنيا، بالكلاب لاكتشاف البكتيريا الموجودة على ثمار الحمضيات عبر الرائحة، واكتشاف الأشجار المصابة ببكتيريا "زيليلا فاستيديوزا" التي هددت أشجار الزيتون الثمينة في جنوب أوروبا.