ماذا يعني أن تعيش في عصر تغير المناخ، وأن تقطن في واحدة من أكثر بقاع الأرض ندرة في المياه مثل المنطقة العربية المعرضة لموجات الجفاف والفيضانات، والاحترار والتصحر، والغمر بماء البحر وأعاصير المتوسط؟
ببساطة يعني أنك تعيش في قلب الأزمة، ويجب أن تتحرك سريعاً لتتصدر هذه القضية أولوياتك اليومية، وإذا لم يحدث ذلك فعلياً، فهو إشارة إلى خلل أو مشكلة في المجتمع.. الحديث ليس من باب التشاؤم، لكنه مصارحة مع النفس تقودنا إلى التساؤل المهم: ماذا يحدث على أرض الواقع عربياً؟ وكيف تتم التوعية بقضايا البيئة والمناخ في مجتمعاتنا؟
الحديث ليس على المستوى الرسمي والحكومي؛ فذلك شأن آخر، لكننا نتحدث عن المستوى المجتمعي والدور المنوط بالمؤثرين العرب، خاصة في عالم الفن والثقافة، باعتبارهم الأقرب إلى قلب الجمهور والقادرين على صناعة رأي عام قوي.
الدور التوعوي للمؤثرين والفنانين في مجال البيئة
إذا كان الفنان أو المثقف صاحب وجهة نظر، يستطيع بلورة رأيه في عمل فني أياً كان قالبه، فيلتف حوله الجمهور، ويصنع رأياً عاماً قادراً على التغيير، فالأمر ليس صعباً، والمعادلة ليست مستحيلة.
أبحاث جامعة ملبورن الأسترالية، تشير إلى أن الفنانين والمنظمات الفنية قادرون على رفع مستوى الوعي وتعبئة الرأي العام بشكل فعال للغاية؛ حيث تكمن القوة الحقيقية للفن في القدرة على تحويل الأفكار والقضايا المجردة إلى فنون مرئية أو مسموعة.
وتؤكد الأبحاث أن الفنون قد تساعد على توضيح قضية المناخ ومخاطرها للجمهور، وتعزز مفهوم المواطنة البيئية العالمية أو بناء شعور بالمسؤولية المشتركة على الكوكب؛ لكون البيئة جزءاً من التراث الإنساني المشترك والحفاظ عليها هي مسؤولية الجميع. ويمكن أن يلعب المؤثرون دوراً مهماً في إثارة القضية عبر وسائل التواصل الاجتماعي والخطابة العامة في الأحداث المختلفة من أجل نشر الوعي المجتمعي.
المشاهير وقضايا المناخ
إذا كنا نستهدف أهل الفن والإبداع في عالمنا العربي، فالوضع يختلف تماماً عن نجوم العالم الذين يتصدرون المشهد البيئي، مستغلين شهرتهم ووجودهم الإعلامي من أجل حشد الجهود للدفاع عن الكوكب.
أحد أشهر هذه الأسماء هو ليوناردو دي كابريو، الذي حوَّل خطاب فوزه لأول مرة بالأوسكار عام 2016 إلى حديث عن التغيير المناخي، الذي وصفه بالتهديد الأكثر إلحاحاً للبشرية، كما أنه صاحب مؤسسة ليوناردو دي كابريو (LDF)، التي قدمت منحاً بقيمة 100 مليون دولار لدعم المشروعات البيئية منذ عام 1998، بل ينتج أفلاماً قوية ترصد التداعيات المناخية وخطورتها مثل "Before the Flood".
قائمة "تايم" لأقوى 100 شخصية في العمل المناخي
"دي كابريو" ليس نموذجاً نادراً؛ فهو لا يعزف منفرداً ولا يغرد خارج السرب، بل على العكس هناك الكثير من المبدعين العالميين يقودون جهود الوعي البيئي، وأكبر دليل هو قائمة مجلة "تايم" الأمريكية الشهيرة لأبرز 100 شخصية في العمل المناخي، التي كشفت عنها لأول مرة هذا العام.
وتضمنت القائمة 7 أسماء ينتمون إلى عالم الفن والثقافة والموسيقى، من أمثال المخرج جيمس كاميرون، المتربع على عرش قائمة الأفلام الأكثر ربحاً في التاريخ، وصاحبة جائزة "الغرامي" المغنية بيلي إيليش، ومصممة الأزياء الشهيرة ستيلا مكارتني، والفرقة البريطانية "Coldplay"، والمصور الفوتوغرافي البرازيلي سيباستياو سالجادو.
أما على المستوى العربي، فتضمنت قائمة "تايم" فقط اسم الدكتور سلطان بن أحمد الجابر وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة الإماراتي ورئيس مؤتمر الأطراف "COP 28"، ولا نرى أي حضور للمؤثرين على المستوى الثقافي والفني.
في الحقيقة، إذا حاولت التفكير في اسم مبدع أو مؤثر عربي يستحق الالتحاق بهذه القائمة، فسوف تفكر طويلاً، ولكنك للأسف لن تستطيع العثور على شخصية ذات ثقل فني أو ثقافي تأخذ على عاتقها حماية البيئة والاستدامة والتنوع البيولوجي.
لقد اعتدنا دائماً ترديد العبارات الشهيرة "الفن مرآة المجتمع" و"السينما ابنة البيئة"؛ لذلك من خلال هذا التقرير نحاول معرفة لماذا هذا الصمت في مواجهة قضايا المناخ؟ وما الذي أصاب "مرآة" المجتمع العربي؟ هل باتت "الشاشة الفضية" مثل "الابن الضال" فيما يتعلق بالأزمة المناخية؟ ولماذا لا توجد أسماء لامعة ومهمة من المؤثرين والفنانين تتبنى هذه القضايا وتقود الرأي العام العربي على غرار مشاهير العالم؟
فقير: غلب المؤثرين المغاربة في مجال البيئة ينتمون إلى عالم الإعلام والصحافة، لكنهم أكثر ندرة في المجال السينمائي
المحطة الأولى مغربية
رحلة "جرين بالعربي" ستبدأ في البحث عن إجابة على هذه التساؤلات من المغرب؛ فرغم وجود نفس الإشكالية العربية، وهي عدم وجود مؤثر سينمائي أو فني منخرط في الشؤون البيئية، نستطيع القول إن المشهد الفني المغربي قد يبدو مختلفاً قليلاً عن باقي العالم العربي، بحكم القرب الجغرافي والتبادل الثقافي مع دول شمال البحر المتوسط، وخاصة فرنسا وإيطاليا.
السينما المغربية أكثر انفتاحاً على قضايا متنوعة، منها التغير المناخي. ويوجد في الساحة صناع أفلام يهتمون بتناول هذه "التيمات"، حتى لو كانت التجارب قليلة. ومن بين تلك الأسماء المخرج المغربي ياسين آيت فقير الحاصل على عدة جوائز وطنية ودولية.
في البداية، أوضح آيت فقير لـ"جرين بالعربي" أن أغلب المؤثرين المغاربة في مجال البيئة ينتمون إلى عالم الإعلام والصحافة، لكنهم أكثر ندرة في المجال السينمائي، مرجعاً ذلك إلى أن التغيرات المناخية والاحتباس الحراري موضوعات مستجدة نسبياً.
ويرى المخرج المغربي أن الإشكال الحقيقي وراء عدم وجود مشهد فني عربي أو أعمال قوية تعكس الواقع البيئي هو قلة الوعي؛ فالمجتمعات العربية يلزمها أولاً إدراك المخاطر المناخية التي تعيشها حالياً؛ حتى يهتم العاملون بالمجال الفني برصد هذه الأزمات في أعمالهم، لكنهم – للأسف – في الوقت الراهن منشغلون بالموضوعات التي تدر أرباحاً تجارية.
وحول قضية إشراك الفنانين في القضية البيئية وحثهم على تقديم أعمال تناقش المجال المناخي، أكد آيت فقير أن الموضوعات التوعوية مسؤولية الحكومات والمنظمات العالمية، التي من المفترض أن تخصص دعماً للمبدعين والمؤثرين، مشيراً إلى أن هناك حاجة للاستثمار في المؤثرين والفنانين، وحثهم على الدخول في غمار الدعم البيئي.
وفيما يتعلق باستضافة الدول العربية لمؤتمرات المناخ والقمم البيئية، ودور ذلك في خلق زخم إعلامي أو وعي بالقضية من المفترض أن ينتقل إلى عالم الفن والمؤثرين، أوضح آيت فقير أن التوعية بالمخاطر البيئية ليس محصوراً في الجهات الأكاديمية؛ فهذه المؤتمرات قد تهم الباحثين والعلماء، لكنها بعيدة عن الفئة العريضة من الناس، مشدداً على أن المجتمع يحتاج إلى تمرير الرسائل البيئية لأكبر عدد ممكن من الجمهور، والإعلام والفن يمكن أن يلعبا هذا الدور عبر الأفلام التي تعد وسيلة جماهيرية مهمة.
ولفت المخرج المغربي إلى أهمية الدراسة الأكاديمية، لكن المعلومات المناخية يجب تفريغها أولاً ثم تمريرها بشكل بسيط إلى جميع شرائح المجتمع، والعمل على تقاسم الرأي في موضوعات البيئة مع أكبر عدد من الناس عبر وسيلة جماهيرية، وألا يقتصر الأمر على فئة معينة.
"أسيف" فيلم بيئي حصل على 9 جوائز وطنية ودولية في أقل من عام، ورغم أنه فيلم روائي قصير، فإن مدته نحو 7 دقائق من المشاهد البصرية الممتعة والبسيطة
وحول تجربته مع الأفلام البيئية التي سبق أن قدمها، وعن جهات الإنتاج المغربية التي تتحمس للأفكار غير التجارية، قال آيت فقير لـ"جرين بالعربي" إن المركز السينمائي المغربي هو الجهة الإنتاجية التي تدعم جميع الأفلام وتهتم بالموضوعات المتنوعة والمختلفة، مضيفاً أن المركز مؤسسة حكومية تبحث عن موضوعات تواكب العصر في الثقافة والتاريخ والتراث، ولديه صندوق لتمويل هذه التيمات غير المستهلكة مثل المناخ.
فكرة تحقيق الأفلام البيئية مردوداً تجارياً وجماهيرياً يؤدي إلى تذليل عقبات الإنتاج، تعتمد على جهات التوزيع، بحسب آيت فقير، الذي أكد أن المشكلة قد تكمن في ضعف توزيع الأفلام الوثائقية على المستوى العربي؛ حيث لا يأخذ الأمر اهتماماً كافياً، بينما يتم الترويج المحلي عن طريق المهرجانات المحلية والدولية وعرض بعض الأفلام على القنوات التلفزيونية.
وحول أكثر المناطق العربية التي تعاني من التغير المناخي، وتستحق تسليط الضوء عليها، أوضح المخرج المغربي أنه يفضل المناطق الصحراوية التي باتت معزولة وخاوية بسبب تغير المناخ بعد أن كانت مزدهرة بالواحات، بينما يرحل عنها سكانها حالياً وتشهد هجرات مناخية، مؤكداً أنه يجب أن نتوغل في حياة الناس وتفاصيلها في المجتمعات التي تعاني من الهشاشة المناخية والفقر، ونقل ذلك بشكل فني على الشاشة.
وضرب المخرج المغربي مثالاً بأفلامه التي سبق أن عالجت موضوعات مماثلة وتطرقت إلى هذه المناطق بالمملكة المغربية، مثل الفيلم الوثائقي "عطش"، والفيلم الروائي القصير "أسيف" أو "الوادي"، وهو فيلم لم يطرح الأزمة البيئية بطريقة مباشرة، لكن من يشاهد الفيلم ويفكك رموزه يستنتج أن جذور المشكلة بيئية في الأساس.
فيلم "أسيف" حصل على 9 جوائز وطنية ودولية في أقل من عام، ورغم أنه فيلم روائي قصير، فإن مدته نحو 7 دقائق من المشاهد البصرية الممتعة والبسيطة، تمزج بين أكثر من قضية متأصلة في المجتمعات الفقيرة والهشة مناخياً من تعليم الفتيات، وندرة المياه، والعزلة؛ كل ذلك بأسلوب هادئ وغير مباشر. وحتى نهاية الفيلم، رغم فشل البطلة الصغيرة في تحقيق هدفها فقد كانت مختلطة بروح الطفولة والبراءة.
المحطة الثانية سعودية
في هذه المحطة من رحلتنا لفهم سبب هذا الجفاء بين المؤثرين العرب وقضايا المناخ، حاولت "جرين بالعربي" البحث عن أرضية مشتركة تجمع بين المؤثرين ونشطاء البيئة؛ فإذا كان الفنانون العرب غير مكترثين بالعمل المناخي، أو هكذا يبدو، فما زال بإمكانهم دعم النشطاء أو التعاون معهم في حملات بيئية لنشر الوعي وتحفيز العمل الفعلي لحماية البيئة والحفاظ عليها في المجتمعات العربية.
توجهنا بهذا الاقتراح إلى الناشط البيئي سعيد السهيمي الحاصل على جائزة الأميرة صيتة بنت عبد العزيز عن فرع "التوعية بالمسؤولية المجتمعية"، الذي أيد الفكرة، مؤكداً أنه سبق أن حاول تنفيذ حملة بيئية بمشاركة نجوم ومؤثرين مثل خالد عبد الرحمن وفايز المالكي، لكنه – للأسف – لم يجد طريقة للتواصل معهم.
يُلقّب الناشط السعودي بـ"سفير الطبيعة"؛ لاهتمامه بالتعريف بالبيئة ومبادرات زراعة الأشجار في المملكة، وربما كان تعاونه مع المبدعين العرب مثمراً ويصب في مصلحة العمل العام، لكنه يعتقد أن السبب وراء عدم انخراط الفنانين في المجال البيئي يعود إلى عدم الاهتمام بالموضوع أو عدم إدراكهم المخاطر التي تترتب على التغير المناخي.
وبالنسبة إلى الفنان، من الأسهل تقديم فكرة اجتماعية مضمون نجاحها أو صداها الإيجابي، على عكس أن يختار عملاً عن الموضوعات البيئية في مدينة مثل القاهرة
المحطة الأخيرة مصرية
الفن المصري لديه تاريخ حافل بالدفاع عن قضايا المجتمع والمرأة والحريات، ونجحت أعمال فنية في تغيير منظور المجتمع وتحريك المياه الراكدة على مدى سنوات. يكفي أن نذكر الفيلم المصري "أريد حلاً" وغيره الكثير، ولكن رغم هذا التاريخ الطويل من الاهتمام بالقضايا المجتمعية، لماذا يقف المبدعون والمؤثرون المصريون مكتوفي الأيدي أمام قضية ملحة ومصيرية مثل المناخ؟
تجيب على هذا السؤال الناقدة الفنية المصرية حنان شومان، التي أكدت أن "قضية البيئة مأساة حقيقية، لكنه ظلم أو تحامل إذا حملنا الفن أو المؤثرين من الفنانين مسؤولية التغيير والتأثير في الرأي العام فيما يخص القضايا البيئية، على غرار النماذج والشخصيات الغربية".
وقدمت "حنان" عدة تفسيرات لذلك، أولها أن الثقافة البيئية ليست متجذرة داخل المجتمع المصري بالأساس، على عكس المجتمعات العالمية التي تهتم بالبيئة وتعلم الأطفال ذلك منذ الصغر؛ فإذا كانت مظاهر أو ثقافة الاهتمام بالبيئة غائبة عن المجتمع نفسه، فكيف ستجد لها مكاناً داخل المشهد الفني؟ أو كيف نطلب من الفن الذي هو نتاج زمانه ومكانه أن يهتم بقضية المجتمع ككل لا يدركها؟ فالفنان هو ابن هذه البيئة؛ قد يؤثر فيها ويغيرها، لكن عندما يكون هناك أساس أولي يستطيع البناء عليه وليس من الفراغ.
وأضافت الناقدة الفنية أنه لكي تكون هذه الثقافة البيئية موجودة في المجتمع، يأتي "الفن في آخر الطابور تماماً" حسب تعبيرها. ورغم أنه لا يمكن إنكار أثر الفن، لكن في قضايا بعينها، منها البيئة، يقف الفن في نهاية الطابور من حيث التأثير، بينما يأتي في أول الطابور التعليم ثم الإعلام.
وأشارت حنان شومان إلى أنه "من الممكن وجود فنان أو مثقف عربي يتصدر مشهد المناخ ويتحدث عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لكن الأهم هو وجود مناخ عام يساعد على ذلك؛ فنحن نتاج هذا المجتمع".
وعلقت شومان: "إننا منذ عقود حملنا الفن كل خطايانا؛ فعند انتشار أي ظاهرة سلبية يكون الفن هو السبب، وهذا تسطيح شديد جداً، وإجابة سهلة لمعضلة صعبة". أما ما يخص المؤثرين من المثقفين والإعلاميين، فترى أن البيئة بعيدة عن حسابات الإعلام، الذي يجب أن يتحمل جزءاً من المسؤولية عن التوعية بقضايا المناخ.
وفيما يتعلق بالاهتمام الفني برصد القضايا الاجتماعية، في مقابل الإهمال الشديد لشؤون المناخ، رغم تداعيات الموضوعين على المجتمع، أشارت الناقدة الفنية إلى أن العالم العربي يعتبر منطقة فقيرة سينمائياً؛ لذلك يلجأ إلى تلبية احتياجاته الأساسية من الأعمال الفنية، ويتجه لتقديم الأعمال التي يقال عنها مجازاً "أفلام تجارية" تحقق مكسباً مادياً أو لديها مرود عند الجمهور، أو حتى تستطيع الوصول إلى العالمية.
وبالنسبة إلى الفنان، من الأسهل تقديم فكرة اجتماعية مضمون نجاحها أو صداها الإيجابي، على عكس أن يختار عملاً عن الموضوعات البيئية في مدينة مثل القاهرة، التي تعد ضمن أكثر مدن العالم تلوثاً، وداخل مجتمع غير واعٍ بهذه المأساة؛ فالفنان هو مواطن مصري في النهاية، وقد يكون هو شخصياً غير مدرك أيضاً، ولو أدرك يمكن أن يفكر بمنطق النجاح: "قضية الطلاق أم المناخ؟ أيهما يحقق رد فعل أكبر عند الجمهور؟"، بحسب حنان شومان.
ودار نقاش مع الناقدة الفنية حنان شومان حول السينما المستقلة والأفلام القصيرة؛ فرغم ما لدى صناعها من حرية في اختيار الموضوعات، وعدم التقيد بالربح؛ لأن هناك صناديق تمول هذه المشروعات، لكنهم يبتعدون عن تناول أزمة المناخ أيضاً.
وأوضحت "حنان" أن السينما المستقلة العربية فقيرة أيضاً، وصناعها يميلون أكثر إلى القضايا الاجتماعية؛ لأنه حتى التمويل عادةً يفضل الموضوعات التي تسلط الضوء على "حواديت" المجتمعات أو دواخلها الشديدة المحلية، لكن فكرة البيئة لا تتجه إليها السينما المستقلة بوجه عام وحتى عالمياً.
وترى الناقدة الفنية المصرية أنها دائرة مفرغة لا بد لها من نقطة بداية، وهي التعليم؛ من أجل نشر الثقافة البيئية؛ فوجود منظومة متكاملة يحتاج إلى التعليم ودور الدولة؛ فإذا كانت المؤسسات لديها إشكالية في إدارة منظومة للقمامة، فهل الفن قادر على تقديم أفلام تتحدث عن بيئة نظيفة بشكل صحيح؟! الدولة تأتي في المقدمة. لا بد من أن يكون كل ذلك ضمن خطة الدولة نفسها.
وأخيراً، ضربت شومان مثالاً بالفيلم الجديد "Leave the World Behind" باعتباره عملاً يتناول فكرة الكوارث التي يعيشها العالم، وهو من إخراج سام إسماعيل، في إشارة إلى أن الفنان ابن مجتمعه والبيئة التي ينمو فيها؛ فالمخرج المهتم بأفلام الكوارث، هو من أصول مصرية، هاجرت عائلته إلى الولايات المتحدة.
نهاية الرحلة
وفي نهاية رحلتنا حول علاقة المؤثرين من الفنانين والمبدعين العرب بقضايا البيئة، نستطيع القول إن صناع الفن والمهتمين بالمشهد السينمائي قد أجمعوا على أن تعزيز هذه العلاقة يبدأ من دعم الحكومات للإبداع والتعليم والاستثمار في هذا المجال، وهو ما يستدعي ضرورة التكاتف لصنع تجربة فنية وثقافية تثري المشهد البيئي، ومن ثم نشر الوعي بالمخاطر المناخية والتنوع البيولوجي؛ فربما يفرز المجتمع العربي يوماً ما أصواتاً من المؤثرين قادرين على صناعة القرار المناخي، والدفاع عن القضية في المحافل الدولية.