رحلة تغير المناخ من محطة "الاحترار العالمي" إلى "أبواب الجحيم"


سلمى عرفة
الاثنين 30 أكتوبر 2023 | 04:25 مساءً

على مدى عقود، شهدت المصطلحات المتعلقة بظاهرة تغير المناخ تطوراً فارقاً كلما تزايدت تأثيرها على كافة مناحي الحياة.

ورصد الكاتب الأمريكي جيفري كلوجر، في تقرير نشرته مجلة "تايم" الأمريكية، كيف تطورت المفردات التي استخدمها العالَم من أجل التعامل مع أزمة المناخ، وكيف تصاعد حضور تلك الكلمات في حياتنا.

في أغسطس عام 1975، لم يكن هناك طريقة يَعرِف من خلالها العالِم في مجال الفلك والاس بروكر، عدد الذين اطلعوا على ورقته العلمية المنشورة بدورية Science؛ حيث لم يكن هناك زر لتسجيل الإعجاب كما هو الحال الآن، ومن ثم لم يطمح إلا في نشر ورقته المعنونة بـ"التغير المناخي: هل نحن على أعتاب احترار عالمي مؤكد؟".

ظهور محدود

ووفق وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا"، كان هذا هو أول ظهور لمصطلح "الاحترار العالمي" في دورية مطبوعة، ورغم ذلك لم تَحْظَ ورقة بروكر العالِم في مرصد لامونت دهورتي للأرض التابع لجامعة كولومبيا الأمريكية، باهتمام إعلامي وافر.

ونقل تقرير مجلة "تايم" عن إحدى مؤسسات قواعد البيانات كيف اقتصر ظهور مصطلح الاحترار العالمي على مرتين فقط خلال السنوات الخمس التي تلت نشر هذه الورقة العلمية؛ إذ كانت الاثنتان في مجلة The Economist.

وتزامن هذا الظهور المحدود مع إحدى الموجات الحارة في عام ١٩٧٧، التي أدت إلى قطع التيار الكهربائي عن مدينة نيويورك الأمريكية لمدة 24 ساعة كاملة، لتندلع أحداث شهدت القبض على 3700 شخص، وانتهت بإلحاق أضرار بـ1600 متجر، واندلاع ما لا يقل عن ألف حريق.

لكن النقاشات حول القضية سبقت نشر ورقة بروكر؛ ففي عام 1973 نشر فريق من علماء البيئة ورقة علمية بعنوان "دراسة تأثير الإنسان على المناخ"، وصفوا فيها هذا التأثير بعبارة "تحول مناخي غير مقصود"، وهي العبارة التي لم تَحْظَ بأي شعبية رغم وصفها الظاهرة بدقة، ولم يستخدمها العالم سوى 11 مرة فحسب خلال الفترة بين عامي 1988 و2023.

بدورها قالت كاثلين جاميسون أستاذة التواصل ومديرة مركز آنبيرج للسياسات العامة في جامعة بنسلفانيا الأمريكية، إن مصطلح "التحول المناخي غير المقصود" استوفى المعايير المطلوبة للنقل العلمي من حيث الدقة، ونقل السمات الأساسية للأمر.

لكن جاميسون رجحت أنه ظهر قبل الموعد المناسب له؛ ففي أوائل السبعينيات من القرن الماضي، لم يكن الجمهور يشعر بآثار التغير المناخي، ولم يكن هناك أحد يبحث عن مصطلح جديد لوصف شيء لا يعرف الناس بوجوده من الأساس.

الاحترار العالمي

بدأ مصطلح الاحترار العالمي ينتشر ببطء، لكن مع ارتفاع درجات الحرارة في الفترة بين منتصف الثمانينيات إلى أواخرها من القرن الماضي، بدأ يحظى بشعبية كبيرة؛ إذ بلغ أكثر من 300 استخدام بين عامي 1983 و1988 وهو العام الذي شهد تحولاً جذرياً.

في 23 يونيو 1988، أدلى عالم الفيزياء جيمس هانسن بشهادته أمام مجلس الشيوخ الأمريكي، معلناً وجهة نظره القاطعة حول هذه الظاهرة، بقوله: "كانت الشهور الخمسة الأولى من هذا العام حارة للغاية على مستوى العالم. لقد حان الوقت للتوقف عن الثرثرة والاعتراف بأن هناك دليلاً قوياً للغاية على وجود تأثير الدفيئة".

وفي هذا الوقت لم يتمكن فيه هانسن من تغيير رأي العديد من أعضاء الكونجرس، في وقتٍ كانت فيه ظاهرة إنكار المناخ قد ظهرت للتو، فإن كلمات العالم تردد صداها بطريقة أخرى؛ إذ تردد المصطلح الذي استخدمه ما يزيد عن 10 آلاف مرة في الإعلام؛ وذلك بالتزامن مع ارتفاع درجات الحرارة بطريقة ملحوظة في العالم.

وبدأ يشيع مصطلح "تغير المناخ"؛ لكونه على الأرجح أقل تحديداً من "الاحترار العالمي"؛ حيث تردد داخل أوساط العلماء بين عامي 1978 و1983 نحو 46 مرة، وانتقل إلى وسائل الإعلام ليتردد أكثر من 2800 مرة.

أبواب الجحيم

وفي 2002، شهد مصطلح تغير المناخ دفعة جديدة قبل انتخابات التجديد النصفي في الولايات المتحدة الأمريكية؛ حين قام خبير الاستطلاعات الجمهوري فرانك لونتز بإعداد مذكرة موجهة لقادة الحزب، دعا فيها المرشحين إلى مواجهة القضايا البيئية لأهميتها لدى المصوتين، لكنه دعاهم كذلك إلى استخدام مصطلح تغير المناخ بدلاً من الاحترار العالمي؛ لأنه الأقل ترويعاً، ويبدو أكثر قابليةً للتحكم بالظاهرة.

ومع تصاعد آثار الظاهرة الكونية، باتت مصطلحات التغير المناخي هي الأكثر تردداً، وأضيف عليها مصطلح "الانهيار المناخي" الذي استخدمه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في سبتمبر الماضي، وبالتبعية تردَّد 567 مرة خلال أسبوعين فحسب، قبل أن يذهب غوتيريش إلى أبعد من ذلك لاحقاً، ويقول إن آثار التغير المناخي قد فتحت "أبواب الجحيم".

ويرى الكاتب الأمريكي جيفري كلوجر، أن كل هذه التغيرات اللغوية هي ما تميز ظاهرة تغير المناخ عن غالبية حالات الطوارئ التي شهدتها الكرة الأرضية. وعلى سبيل المثال، شهدت أزمة كورونا قدراً كبيراً من الجدال حول آليات التعامل، لكن غالبية الناس اتفقوا على أنها "جائحة".