التحسين الوراثي.. أمل ينتظره الفلفل للنجاة من محرقة تغير المناخ


سلمى عرفة
الاثنين 25 سبتمبر 2023 | 08:02 مساءً

يعرف الفلفل بألوانه المختلفة منذ آلاف السنين، ويشارك جزءاً أساسياً في مختلف الأكلات الشرقية والغربية، لكن التغيرات المناخية انتزعت مكانته وهددت وجوده.

وفي محاولة لإنتاج ثمرة فلفل أكثر مقاومة للتغيرات المناخية، أجرت الصحفية التايوانية كلاريسا وي، زيارة إلى مركز الخضراوات العالمي في تايوان، وهو مركز غير ربحي متخصص في أبحاث النباتات، لترصد أبرز التحديات المناخية التي باتت تواجه الفلفل.

وفي تقرير نشرته صحيفة "The New Yorker"، نقلت الصحفية التايوانية تجربة تعود إلى عام 1999، حين التقطت باحثة بالمركز تدعى سوزان لين الباحثة زوجاً من القفازات المطاطية، لتبدأ عملية التلقيح التهجيني لبعض من الفلفل الحار.

بدأت الباحثة تجمع عدداً من الأزهار البيضاء الصغيرة الحجم من فلفل "الكايين"، قبل أن تحرك حبوب اللقاح الخاصة بها في أنبوبة اختبار، ثم تلتقط نوعاً آخر من فلفل "آجي"، لتزيل أجزاء البتلات والمئبر من براعم الزهرة، وتكشف عن جزء الميسم، ثم تخلطه بحبوب اللقاح، على أمل الخروج بثمرة.

وكانت الباحثة تحاول إنتاج نبات مقاوم لمرض "أنثراكنوز" أو ما يطلق عليه "الفحومة القمعية"، وهي عدوى فطرية تصيب الفلفل الحار بعد النضوج، وتؤدي إلى ظهور بقع غائرة تشبه حروق السجائر على ثماره.

والفحومة القمعية، آفة منتشرة في مساحات واسعة من العالم بداية من ولاية نيوجيرسي في الولايات المتحدة حتى العاصمة الهندية نيودلهي.

ثمار مشوهة

ورغم نمو العديد من الأزهار، لم تنجح تجربة الباحثة ولم تخرج الثمرة التي تنتظرها إلى النور، واستمرت التجارب في السنوات التالية على المزيد من النباتات الموجودة في بنك الجينات التابع للمركز، الذي يضم بذوراً برية ونباتات جرى جمعها من مختلف أنحاء العالم.

ونجح الباحثون في إنتاج نوع مستخلص من فلفل "الهابانيرو" المعروف باسم "PBC932"، لكنه يشبه فلفل "الكايين"، ولديه قدرة على مقاومة آفة الـ"أنثراكنوز"، وعدوى أخرى تسمى "البياض الطبقي"، لكن الثمار الحارة التي نتجت بدت مشوهة الشكل، لكنها ظلت تمثل تقدماً.

وفي عام 2004، لاحظت الباحثة سوزان لين أثناء وجودها في المزرعة آفات على الثمار التي تمكنوا من إنتاجها، وخلصت الفحوصات التي أجراها قسم الباثولوجي إلى أن الجين المقاوم للمرض، المستخلص من بذرة جمعوها في عام 1991، فقد مميزاته بعدما تمكن الفطر من التغلب عليه.

أهدر تطور الفطر العديد من السنوات التي استغرقها العلماء في إجراء الأبحاث، لكنها علمتهم درساً بالغ الأهمية، وهو أن المحاصيل التي تنمو في النظام البيئي دائماً ما تخضع لتغيرات، ومن ثم فإن الحفاظ عليها هدف متحرك.

أسباب التراجع

في دراسة نشرتها دورية PNAS، رصد العلماء المخاطر التي تهدد إمدادات الخضراوات والفواكه حول العالم، وكيف يمكن لتغير المناخ، وفقدان التنوع البيولوجي، وندرة المياه أن يؤدي إلى تراجع كميات المحاصيل التي ننتجها بمقدار الثلث بحلول عام 2050.

وتزدهر الآفات التي تصيب المحاصيل مثل "أنثراكنوز" في الأجواء الحارة والرطبة، ومن المتوقع أن يتفاقم انتشارها مع زيادة متوسط الحرارة، في الوقت الذي يتعرض فيه 25٪ من الخضراوات المعروفة في العالم لخطر شديد؛ لعدم الاحتفاظ ببذورها في البنوك المعنية.

ومن جانبه أشار ماركو وبيريز المدير العام للمركز، إلى أن السبب وراء التراجع في تنوع الخضراوات والفواكه، يتمثل في التوسع العمراني وعمليات التصنيع، إضافة إلى استهلاك البشر كميات كبيرة من الأنواع نفسها في كل مكان في العالم.

تاريخ الفلفل

يعود أصل أقدم أنواع الفلفل إلى مناطق سهلية في قارة أمريكا اللاتينية تتبع حالياً دولة البرازيل، وبدأ البشر في استخدامه منذ أكثر من 6 آلاف عام، قبل أن يصل إلى آسيا عبر حركة التجارة في نهاية القرن السادس عشر، حتى باتت القارة التي تضم الجزء الأكبر من زراعته حاليا.

ويرى بول بوسلاند المؤسس المشارك في معهد Chile Pepper بجامعة ولاية نيو ميكسيكو الأمريكية، أن انتقال النبات من مكان نموه الأصلي إلى مكان جديد غالباً ما يؤدي إلى نتائج أفضل.

وتختلف استجابة الفلفل للحرارة باختلاف النوع؛ حيث يتأثر الفلفل الحلو بالطقس الحار، لكن بعض الأنواع البرية يمكنها تحمل الحرارة بدرجات تصل إلى 110 درجات فهرنهايت، بل يزيد الجفاف والحرارة من مذاقها الحار.

لكن تظل مقاومة النبات للحرارة تقف عند حدود معينة؛ إذ يقول ديريك بارشينجر، الذي يدير الفريق المسؤول عن الفلفل بالمركز، إن عمليات الإنتاج تصعب كلما زادت حرارة وجفاف الأجواء؛ حيث يندرج غالبية ما نتناوله ضمن 5 أنواع فحسب بين عشرات أنواع الفلفل التي تنمو في مختلف أنحاء العالم.

في الوقت الذي تشتد فيه موجات تفشي الآفات بفعل تغير المناخ، يحتاج المزارعون إلى التعرف على مسببات الأمراض بسرعة وبدقة لحماية المحاصيل.

ويمكن استخدام المبيدات، ومضادات الفطريات لمحاربة أمراض بعينها، لكن ارتفاع تكلفة هذه الطرق تمثل مشكلة لصغار المزارعين، كما يمكن أن تلحق أضراراً بالنباتات والبشر، إذا ما جرى استخدامها بشكل عشوائي وغير مدروس.

تحسين وراثي

في أبريل الماضي، استضاف المركز عدداً من المتخصصين في الزراعة من أمريكا اللاتينية وجزر الكاريبي، للتجول في بنك الجينات العملاق الذي يضم مئات الآلاف من حقائب البذور التي تحمل كود "QR"، يشمل معلومات عن أنواعها.

ويرى بارشينجر أن التدخل الوحيد الذي يتصدر قائمة الخيارات المستدامة، والأفضل اقتصادياً هو التحسين الوراثي الذي يشير إلى إنتاج نباتات محسنة من خلال التركيز على الجينات المرغوب فيها.

وخلال السنوات الأخيرة، نجح المركز في زراعة ثمار جديدة من الفلفل التي أظهرت نتائج واعدة عند تجربتها بالعديد من الدول؛ أبرزها الهند وتايلاند وفيتنام وإندونيسيا وكوريا، من أجل مقاومة العدوى، ويتوقع أن تكون متاحة بحلول عام 2024.

لكن الطريق نحو إنتاج النسخة النهائية من الثمرة ليس سهلاً؛ إذ واجه الباحثون تحدياً جديداً بوصول آفة "اللفحة الجنوبية" التي تنتشر في الأجواء الحارة والرطبة.

على الجانب الآخر، أحياناً ما تجد الطبيعة حلولها الخاصة؛ إذ اكتشف العلماء بذوراً تنتج كميات كبيرة من ثمار ملساء كريمية اللون وتقاوم العديد من الأمراض، وتعرف حالياً باسم "فلفل الموز" وبات ينمو في مختلف أنحاء العالم.