رغم اجتياحها كافةَ مناحي الحياة، فإن ظاهرة التغيرات المناخية لا تزال غير معروفة نسبياً لدى ذوي الاحتياجات الخاصة، لا سيما ذوي الإعاقات السمعية، الذين يواجهون العديد من العقبات عند الحصول على معلومات بشأن الظاهرة الكونية.
وبحسب إحصائيات الأمم المتحدة، يعاني 70 مليون شخص حول العالم من الصمم، وتعيش النسبة الكبرى منهم في بلدان نامية، ومن المتوقع أن تطال المشكلات السمعية نحو 2.5 مليار شخص بحلول عام 2050.
ويصل عدد لغات الإشارة التي يستعين بها أصحاب الإعاقات السمعية إلى 300 لغة، لكن شرح المصطلحات المتعلقة بظاهرة الاحتباس الحراري، يظل تحدياً صعباً.
وترصد "جرين بالعربي" دور لغات الإشارة في تعزيز دور الصم في المحادثات المتعلقة بأزمة المناخ، بمناسبة الاحتفال باليوم الدولي للغات الإشارة في 23 سبتمبر من كل عام.
الصم وتغير المناخ
يشكل الصم جزءاً من مجتمع أكبر من ذوي الهمم المصنفين بين أكثر الفئات عرضةً لمخاطر التغيرات المناخية.
وفي دراسة أسترالية نشرتها دورية International Journal of Disaster Risk Reduction، اكتشف الباحثون أن عدة أسباب وراء زيادة خطر تعرض الصم للآثار الناجمة عن الكوارث الطبيعية، منها عدم الوعي بالمعلومات المتعلقة بها، أو الاستعداد لها، وعدم الإلمام بخدمات الطوارئ، والاضطرار إلى الاعتماد على الآخرين من عائلة وأصدقاء.
وكشف استطلاع للرأي عام 2021 عن معاناة فاقدي السمع مع الكوارث المناخية، التي تتمثل في عدم معرفتهم بمواقع الإجلاء، وعدم قدرتهم على التعامل مع الفِرَق المعنية بالإنقاذ، وهو ما ينتهي بهم إلى مناطق غير آمنة.
ووفق مكتب الإحصاء الأمريكي في يناير 2023، ظل 70% من الصم في ظروف لا تلائم المعايير الصحية لشهر كامل بعد عمليات الإجلاء، مقابل 7% ممن لا يعانون من فقدان السمع، كما لم يتمكن 59% من العودة إلى مناطقهم الأصلية، وهو أكثر من 4 أضعاف مقارنةً بالفئات الأخرى.
إشارات جديدة
في المملكة المتحدة، نجح العلماء وعدد من مستخدمي لغة الإشارة البريطانية "بسل" مؤخراً في ابتكار ما يزيد عن 200 إشارة جديدة للتعبير عن مصطلحات التغير المناخي والبيئة، مثل البصمة الكربونية، وغازات الدفيئة، بدلاً من شرحها حرفاً بحرف.
وجاء الابتكار في إطار مشروع للمركز الحسي الاسكتلندي المعني بتعليم ذوي الهمم، بالتعاون مع الجمعية الملكية (علمية غير ربحية).
وترى أودري كاميرون الزميلة في جامعة أدنبرة باسكتلندا ومنسقة المشروع، أن تلك الإشارات الجديدة ستوسع دائرة مشاركة الصم في المناقشات المتعلقة بالبيئة، وفق مقابلة مع صحيفة الجارديان البريطانية.
وخاضت كاميرون، على مدى أكثر من 20 عاماً، رحلة طويلة عانت خلالها أحياناً من صعوبة التواصل داخل الوسط العلمي؛ بسبب فقدانها للسمع؛ إذ روت كيف اضطرت إلى حضور العديد من اللقاءات دون أن تشارك فيها بالفعل؛ لأنها لم تكن تفهم ما يقوله الآخرون، ولم تكن قادرة على شرح ما تود قوله، وفق موقع "بي بي سي".
قاموس موحد
وأجرى "جرين بالعربي" مقابلة مع رئيسة المؤسسة المصرية لحقوق الصم وضعاف السمع بمصر نادية عبد الله، بشأن التحديات التي تواجه تبسيط علوم المناخ في لغات الإشارة.
وقالت نادية عبد الله إن الخبراء من الصم ومترجمي الإشارة في الوطن العربي وضعوا قاموساً إشارياً موحداً منذ ما يزيد عن 10 سنوات، وهو القاموس الذي ضم بعض الإشارات المتعلقة بالبيئة، لكن هذا القاموس رفضته غالبية مدارس الصم.
ورجحت عبد الله عدم تطبيق القاموس العربي الموحد إلى عدة أسباب، منها عدم وجود قوانين ملزمة للمدارس بتطبيقه، علاوةً على قيام مقرر الصم في منطقة الشرق الأوسط التابع للاتحاد العالمي للصم بتقديم مذكرة بضرورة الالتزام بما نصت عليه الاتفاقية الدولية لحقوق ذوي الإعاقة فيما يخص الاحتفاظ بالهوية الإشارية الوطنية.
كما أشارت إلى لجوء مترجمي الإشارة إلى الشرح المكثف عند الحديث عن المصطلحات البيئية، علاوةً على الاستعانة بالصور في محاولة لتقريب المعنى.
تحدٍّ جديد
وقالت نادية: "هناك تحدٍّ آخر بشأن ابتكار لغة إشارية عالمية موحدة تتعلق بمصطلحات البيئة، وهي أن اللغات الأجنبية محدودة مقارنةً باللغة العربية التي يتغيَّر فيها معنى المصطلح الواحد مع اختلاف التشكيل والقواعد، ومن ثم قد تؤدي عملية توحيد الإشارات إلى فرض اللغات الأجنبية واندثار اللغة الإشارية العربية".
وأشارت إلى عدم اهتمام وسائل الإعلام، والمنصات المرئية على وسائل التواصل الاجتماعي بضرورة توعية الصم، فيما يخص وقوع الكوارث الطبيعية، ومن ثم يعتمد الأمر على اجتهاد بعضهم في محاولة اتخاذ الحذر قبل وقوع الكارثة.
وترى رئيسة المؤسسة المصرية للصم، ضرورة اللجوء إلى مترجمين أكفاء في الفعاليات المتعلقة بأزمة المناخ؛ لتسهيل التواصل بالنسبة إلى الصم من خلال استخدام أبسط الإشارات المتداولة لتوصيل المعنى، ومن خلال لغة الجسد كذلك.