لا مكان على سطح هذا الكوكب بعيد عن مغبة التغيرات المناخية، ولكن ماذا لو تحدثنا عن سطح الأرض ذاته حرفيًا، حتى القشرة الأرضية تتأثر بارتفاع درجات الحرارة وذوبان الجليد بشكل مباشر، وقد يصل الأمر في كثير من الأوقات إلى زيادة معدلات الزلازل المدمرة والانفجارات البركانية.
مناخ الأرض يتأثر بسرعة كبيرة بما يحدث من كوارث، فأصبحت الظواهر المناخية غير متوقعة، ومن المرجح أن تفاجئ سكان الأرض في أي وقت، وهذا ما حدث بالأمس، عندما ضرب زلزال المغرب خلال الساعات المتأخرة من الليل؛ ما أسفر عن قتلى وجرحى، وتسبب في تدمير بعض المباني والمرافق، ولكن هل التغير المناخي هو السبب حقاً؟
الأمطار وذوبان الجليد
الأكثر قراءة
الظواهر المناخية المتطرفة تؤثر بشكل واضح على الكوكب، على سبيل المثال الموجات الحارة تؤدي إلى تصاعد ارتفاع معدلات حرائق الغابات والجفاف، كما أن زيادة شدة هطول الأمطار والعواصف تُسرع من وتيرة ذوبان الأنهار الجليدية.
ومن المؤكد أن البشر شاهدوا تأثيرات تلك الظواهر بشكل واضح من خلال ما حدث في أجزاء من أوروبا وكندا وبعض الدول العربية، وسجلت بكين أكبر هطول للأمطار منذ 140 عامًا على الأقل، وعند العودة إلى الماضي لقياس مدى تدهور التغيرات المناخية، سنجد أن بين عاميّ 2000 و2019، فقدت الأنهار الجليدية في العالم نحو 267 جيجا طن من الجليد سنوياً؛ ما ساهم في ارتفاع منسوب مياه البحر - الذي يرتفع حاليا بنحو 3.3 ملم سنويا- وحدوث الفيضانات.
الأمطار والنشاط الزلزالي
ولم تتوقف الأضرار عند ذلك الحد فقط، بل أكدت الأبحاث أن ارتفاع معدلات هطول الأمطار وذوبان الأنهار الجليدية، قد يفاقم الكوارث الطبيعية التي تحدث تحت سطح الأرض مثل الزلازل والانفجارات البركانية، وتوصل الجيولوجيون منذ فترة إلى وجود علاقة بين معدلات هطول الأمطار والنشاط الزلزالي، في جبال الهيمالايا على سبيل المثال، يتأثر تكرار الزلازل بدورة هطول الأمطار السنوية لموسم الرياح الموسمية الصيفية، نقلاً عن "The Conversation".
ظواهر مناخية زلزالية
وفق The Conversation، كشفت دراسات أيضاً أن 48% من زلازل جبال الهيمالايا تحدث خلال الأشهر الأكثر جفافاً، التي تسبق الرياح الموسمية في مارس وأبريل ومايو، في حين أن 16% فقط تحدث في موسم الرياح الموسمية، ومن ثم خلال موسم الرياح الموسمية الصيفية، يؤدي سقوط ما يصل إلى 4 أمتار من الأمطار إلى ضغط القشرة رأسياً وأفقياً؛ ما يؤدي إلى استقرارها.
وعندما تختفي هذه المياه في الشتاء، فإن "الارتداد" يزعزع استقرار المنطقة ويزيد من عدد الزلازل التي تحدث.
وفقاً للإحصائيات خلال عام 2021، تم تسجيل إجمالي 2206 زلازل بقوة 5 درجات أو أكثر في جميع أنحاء العالم، ومازلت هذه الأعداد في تزايد، نقلاً عن "Statista".
كما تتوقع النماذج المناخية - وهي أنظمة تستند إلى القوانين الأساسية؛ لمحاكاة تفاعلات العوامل المناخية في غلاف الأرض الجوي والمحيط - أن شدة هطول الأمطار الموسمية في جنوب آسيا ستزداد في المستقبل نتيجة لتغير المناخ، وهذا بدوره سيؤدي إلى المزيد من الأحداث الزلزالية.
وبالنسبة لتأثير وزن الماء على القشرة الأرضية، فهو يتجاوز الحد المتعارف عليه بمجرد هطول الأمطار؛ ويمتد إلى الجليد أيضاً، وهذا ما حدث منذ قديم الزمن، فمع انتهاء العصر الجليدي الأخير منذ ما يقرب من 10000 عام، تسبب ذوبان الكتل الجليدية الثقيلة في ارتداد أجزاء من القشرة الأرضية إلى الأعلى.
حللت دراسة جديدة نُشرت في مجلة Geophysical Research Letters، بيانات الأقمار الصناعية عن ذوبان الجليد من عام 2003 إلى عام 2018، وقد قام الباحثون بربط هذه البيانات بنموذج يوضح كيفية تأثير التغيرات في كتلة الجليد على القشرة، وأظهر النموذج أن جزءاً كبيراً من نصف الكرة الشمالي يتحرك أفقياً بسبب ذوبان الجليد في جرينلاند والقطب الشمالي، نقلاً عن "Gizmodo".
ورصد الباحثون باستخدام مجموعة متنوعة من بيانات الأقمار الصناعية، بما في ذلك الشبكة التي تساعد في توفير نظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، الحركة الدقيقة التي حدثت بسبب ذوبان الجليد، وتبين أن القشرة الأرضية الواقعة تحت غرب كندا والولايات المتحدة تحركت أفقيًا بمقدار يصل إلى 0.3 ملم (0.01 بوصة) سنوياً.
المغرب آخر ضحايا الزلازل
بالأمس وفي ساعة متأخرة من الليل دوى صراخ الشعب المغربي في أنحاء البلاد، بعدما ضرب زلزال وسط المغرب وتتراوح قوته بين 6.8 إلى7 درجة، وفقاً لمركز الأبحاث الألماني لعلوم الأرض (GFZ).
وأشارت هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية إلى أن مركز الزلزال كان في جبال الأطلس الكبير على بعد 71 كيلومتراً جنوب غرب مراكش، وتبعته هزة ارتدادية بقوة 4.9 بعد 19 دقيقة من الهزة الأولى؛ ؛ ما أسفر عن مقتل 1000 شخص، ومازلت الأعداد في تزايد، نقلاً عن "BBC".
ولم تكن هذه هي الظواهر المناخية الأولى في المغرب خلال هذا العالم، ولكن قد بدأ الأمر مبكراً؛ إذ شهدت المغرب موجات حارة غير مسبوقة، وتراوحت درجات الحرارة بين 37 و45 درجة مئوية في محافظات وسط وجنوب المغرب، كما أوضحت المديرية العامة للأرصاد الجوية أن درجة حرارة ببعض المدن المغربية، تجاوزت المعدل الموسمي بـ5 إلى 13 درجة مئوية، نقلاً عن "مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي".
وسبق موجة الحر شتاء جاف بشكل ملحوظ؛ بالإضافة إلى انخفاض كبير في هطول الأمطار السنوي خلال السنوات الخمس الماضية، ونتيجة لذلك، فإن السدود المغربية ممتلئة حالياً بنسبة ثلث طاقتها فقط، وفقًا للبيانات الحكومية الرسمية.