نعمة أم نقمة؟.. مزارع نخيل الزيت تجذب نوعين من الثدييات


سلمى عرفة
الخميس 31 اغسطس 2023 | 06:50 مساءً

ثمَّة ارتباط قائم بين زراعة نخيل الزيت وإزالة مساحات شاسعة من الغابات المطيرة، لكن ذلك لم يكن المتغير البيئي الوحيد؛ إذ رصدت إحدى الدراسات زيادة كبيرة في أعداد اثنَين من أنواع الثدييات حول مزارع نخيل الزيت في جنوب شرق آسيا.

ووفق بيانات مصايد الكاميرات التي تُستخدَم في توثيق الحياة البرية، تم اكتشاف وجود مفرط لـ4 أنواع من الخنازير والقردة بالقرب من مزارع نخيل الزيت، وهي: الخنزير الملتحي، والخنزير البري، وقرود المكاك ذات الذيل الطويل، والمكاك الخنزيري الذَّنَب.

وأشار جوناثون مور باحث الدكتوراه في جامعة إيست أنجليا البريطانية والمؤلف الرئيسي للدراسة، إلى توثيق هجوم الخنازير البرية وقرود المكاك على مزارع نخيل الزيت من أجل الحصول على الثمار، وتفضيلها بوجه عام الموائل الموجودة على حافة الغابات.

قرود المكاك

لكن الدراسة الجديدة رصدت كيف بات انجذابها إلى ذلك النخيل يفوق بشدة كافة المناطق الأخرى مقارنةً بالبيانات السابقة.

وفي حديث إلى موقع "Mongabay"، قال مور إن هذه الأنواع يمكنها العيش في المناطق المتدهورة، ولكن نخيل الزيت يجعل هناك انفجاراً سكانياً لتلك الأنواع؛ حيث بات لديها مصدر غير محدود من الغذاء، ومن ثم التكاثر وزيادة الأعداد.

وحلَّل مور وزملاؤه في الفريق البحثي ما يزيد عن 164 ألف عملية رصدتها مصايد الكاميرات في 58 منطقة، واحتلت تلك الأنواع الأربعة نسبة 80% منها.

تأثير إيجابي

والنتائج التي نُشرت في دورية Biological Reviews تشير إلى أن المناطق التي زادت بها نسبة نخيل الزيت عن 60% كانت نسبة وجود الخنزير البري وقرود المكاك الخنزيري الذَّنَب فيها أكبر بفارق 337% و447% على الترتيب، مقارنةً بالمناطق التي تحتوي على نسبة قليلة منه، لكن ظهور هذه الأعداد الضخمة يمكن أن يكون له تأثيرات متتالية على النظام البيئي للغابات السليمة التي تحيط بتلك المزارع.

ووفق الدراسة، فإن كلاً من النوعين يمكنه التفوق على الكائنات الحساسة داخل الغابات وافتراسها، وتبيَّن أن زيادة أعداد الخنزير البري أكثر من اللازم أدَّت إلى تدهور الغطاء الغابي المحيط بالمزارع بشدة.

الخنزير البريلكن علماء آخرين أشاروا إلى التأثير الإيجابي لوجود تلك الكائنات على النظم البيئية؛ حيث يتم الاستفادة منها في نشر البذور وتقليب التربة وازدهار النباتات والتحكم في الآفات، من خلال التغذي على عدد كبير من الفرائس، مثل الفئران.

بدورها قالت نادين روبرت عالمة الأحياء في جامعة العلوم الماليزية، التي لم تشارك في الدراسة، إن هذه الأنواع من الثدييات لا تعيش بمنأى عن الخطر؛ إذ إنها تعاني من مجموعة واسعة من التهديدات، مثل التدهور البيئي، وفقدان الموائل التي تعيش بها، وتفشي الأمراض، علاوة على الصيد الجائر لأغراض تجارية أو بحثية.

وانهارت أعداد نوعَي الخنازير التي تناولتها الدراسة بسبب تفشي حمى الخنازير الأفريقية التي اجتاحت أجزاء من جنوب شرق آسيا منذ عام 2018، كما أدرج الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة كلاً من النوعين من قرود المكاك ضمن الأنواع المهددة بالانقراض في قائمته الحمراء؛ وذلك في الوقت الذي تشير فيه بيانات المراقبة، التي جرى جمعها خلال فترات طويلة، إلى تراجع حاد لها في العديد من المناطق التي تعيش بها.

انقراض محتمل

وفي حديث إلى موقع "Mongabay" يقول الباحث كورنيا إلهام في جامعة أندلس في إندونيسيا، إن بلاده تشهد تراجعاً كبيراً في أعداد قردة المكاك ذات الذيول الطويلة، وهي ظاهرة ترتبط بالتغيرات التي تطرأ على الموائل التي تعيش بها، والاستغلال المفرط الذي تتعرض له في الأغراض البحثية، وإقدام السكان المحليين على قتلها بسبب دورها في إتلاف المحاصيل، ومن ثم يجب القيام بالإجراءات الضرورية العاجلة لتخفيف خطر انقراض هذا النوع.

وبحسب رأيه، يحتاج هذا النوع إلى حماية أفضل، لا سيما في ظل رصد ارتفاعٍ لحالات النفوق بين صغاره إلى يصل 100% في السنة الواحدة.

ويعتقد الباحثون أن هناك مشكلات تتعلق باستخدام مبيدات الآفات في المناطق الزراعية، ويمكن أن يكون لها آثار طويلة المدى على صحة الثدييات، وهي آثار قد تمثل تهديداً يثير القلق خلال جيلَين أو 3 أجيال.

.وتقول نادين روبرت عالمة الأحياء في جامعة العلوم الماليزية، إن من غير المرجح أن يكون تصاعد أعداد تلك الحيوانات حول مزارع زيت النخيل علامة على تحسن معدلات التكاثر، لكن الأرجح أنها تغادر نحو حواف الغابة؛ حيث يوجد البشر، ومن ثم فإن أعدادها داخل الغابة نفسها تنكمش.

وتضيف: "من وجهة نظرنا، إذا رأينا 40 من قرود المكاك في منطقة بعينها قرب حافة الغابة، فسنفترض تلقائياً أن هناك ما يزيد عن 400 آخرين في المناطق التي لا نراها، لكن في الحقيقة فإن كامل عددهم في المنطقة هو 40، حتى في ذلك داخل الغابة نفسها".

قرود المكاك

مستودع أمراض

المؤلف الرئيسي للدراسة حذر من أن تجمعات الحيوانات البرية القريبة من البشر قد تتحول إلى مستودعات محتملة للأمراض؛ ما يزيد خطر انتقالها إلى البشر، لكنَّ ثمة رأياً آخَر لعدد من الخبراء أكدوا أنه لم يثبت علمياً أن تلك الأنواع يمكنها نقل الأمراض إلى الإنسان.

لكنَّ جوناثون مور وزملاءه دعَوا القائمين على مزارع نخيل الزيت، والحكومات في الدول المنتجة، إلى تجنب التعدي على الغابات السليمة، وإلى إقامة مناطق عازلة حول المزارع، باعتبار ذلك طريقة لمنع الكائنات البرية من الوصول إلى ثمار النخيل، فتقل احتمالية زيادة تجمعاتها وآثار وجودها على البشر والغابات المحيطة.