بعد برغر الحشرات.. هل يصبح الجراد وجبة عربية صديقة للبيئة؟


مروة بدوي
الاربعاء 05 يوليو 2023 | 08:08 مساءً

ضوء أخضر أعطى الاتحاد الأوروبي به فرماناً غذائياً باستخدام صرصور الحقل المعروف بالكريكيت، غذاءً لشعوب القارة العجوز، والسماح ببيعه في شكل مسحوق أو أشكال أخرى مجففة بغرض الاستهلاك البشري؛ إيماناً من المفوضية الأوروبية بأن استهلاك الحشرات يساهم بشكل إيجابي في الحفاظ على البيئة والصحة وسبل الاستدامة.

فور دخول هذه اللوائح الجديدة حيز التنفيذ رسمياً في نهاية شهر يناير الماضي، أعلن مطعم Pane & Trita بمدينة ميلانو الإيطالية عن تقديم أول شطيرة تشيز برغر تعتمد على دقيق الكريكيت في قائمة الطعام، وأطلق عليها جريللو تشيز برغر؛ حيث يتم خلط مسحوق الكريكيت بحبوب الكانيليني ولفائف البطاطا المطهية على البخار، وزيت عباد الشمس، وفتات الخبز.

ويقدم البرغر على خبز محضر يدوياً من طحالب سبيرولينا التي تكسبه لونه الأخضر مع بعض المقبلات مثل جبن سكامورزا الذائب وبطاطا مقرمشة وملفوف بنفسجي وصلصة خاصة. وبجانب البرغر أعلن بعض الطهاة الطليان عن نيتهم إضافة دقيق الكريكيت إلى عجينة البيتزا والسباغيتي في وصفاتهم الجديدة.

قد يبدو الأمر صادماً، لكن ليس لك وحدك؛ فمنذ الإعلان عن هذا الخبر والمجتمع الإيطالي يعيش حالة من الجدل وانقسم بين مؤيد ومعارض، وأظهر استطلاع للرأي حول تقبل "الطليان" وجود الحشرات على مائدة الطعام أن 54٪ ضد الفكرة، بينما يؤيدها 16% فقط، و24٪ لا يبدون اهتماماً بالأمر.

سر الإجازة الأوروبية

منذ بضعة أعوام اعتمد الاتحاد الأوروبي قائمة تسمى 'novel food' أو "الطعام الجديد"، باعتباره مصطلحاً يُستخدم للإشارة إلى الأطعمة أو المكونات والتقنيات "الجديدة" التي لا تعد جزءاً من المطبخ الأوروبي التقليدي. ويمكن القول إن أي طعام لم يتم تناوله على نطاق واسع قبل مايو 1997 يعتبر طعاماً جديداً. وتحتوي هذه القائمة حالياً على أربع حشرات صالحة للأكل (يرقات الخنفساء الصفراء، والجراد المهاجر، ويرقات الدودة القشرية، والصراصير المنزلية).

تمثل قائمة الطعام الجديد جزءاً من استراتيجية الاتحاد الأوروبي لتوفير مصدر بديل للبروتين الحيواني مع ضرر بيئي منخفض؛ ما يتيح أنظمة غذائية أكثر استدامة، ويبدو أنه وجد ضالته في الحشرات التي يعتمد عليها مليارات الأشخاص في أماكن أخرى بالعالم مثل الدول الآسيوية وأمريكا الجنوبية.

من هنا أصبحت مصادر البروتين التقليدية هدفاً لانتقادات شديدة مع زيادة الوعي بالتغيرات المناخية في جميع أنحاء العالم، وبات الكثيرون منفتحين على فكرة تغيير عاداتهم الغذائية لأسباب بيئية، والبحث عن بدائل مستدامة غنية بالطاقة.

وفقاً لمنظمة الأغذية والزراعة (الفاو) يتسبب قطاع الثروة الحيوانية في 14.5٪ من انبعاثات غازات الدفيئة العالمية، وتمثل عملية إنتاج الأعلاف ومعالجتها وصناعة لحوم الأبقار وحليب الماشية، المصادر الرئيسية لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري، كما تعتبر الماشية المسؤول الأول عن كمية كبيرة من هذه الانبعاثات التي يمثل غاز الميثان، الناتج عن عملية هضم الطعام، نحو ٤٤% منها.

تحتاج تربية الماشية إلى مساحات كبيرة من الأراضي وكميات من المياه والأعلاف؛ ما يستهلك الموائل الطبيعية ويلوث المجتمع بمخلفات الحيوانات. على الجانب الآخر، تتطلب تربية الحشرات الغنية بالبروتين موارد بيئية أقل.

قطاع الثروة الحيوانية يقف وراء 14.5٪ من انبعاثات غازات الدفيئة العالمية وتمثل عملية إنتاج الأعلاف ومعالجتها وصناعة لحوم الأبقار وحليب الماشية المصادر الرئيسية لتلك الانبعاثات

وتوضح الأبحاث التي أجرتها منظمة الفاو، أن الصراصير تتطلب غذاءً أقل بستة أضعاف من الماشية لإنتاج الكمية نفسها من البروتين، كما تعتبر مزارع الحشرات خياراً منخفض الكربون بدلاً من إنتاج اللحوم التقليدية.

وبعيداً عن الفوائد البيئية، يرى البعض أن تناول الحشرات يمكن أن يساعد في معالجة مشكلة الأمن الغذائي، في ظل النمو السكاني المتزايد الذي بات من الصعب تأمين البروتين الحيواني له باسعار مناسبة للجميع.

تناول الحشرات علمياً

في يناير 2021، نشرت الهيئة الأوروبية لسلامة الأغذية (EFSA) أول تقييم مكتمل لمنتج غذائي مشتق من الحشرات، واعتبرته آمناً للاستهلاك البشري؛ حيث أوضحت الهيئة، بناء على الآراء العلمية، أنها تدعم الاتحاد الأوروبي للسماح بتداول هذه المنتجات في السوق الأوروبية.

لكنها حذرت من المبالغة في تقدير بروتينات الحشرات في بعض الأحيان، مشددة على وجوب توعية المصابين بالحساسية تجاه القشريات والرخويات وعث الغبار؛ فقد تسبب بروتينات الحشرات أو الجلوتين الموجود في علف الحشرات ردود فعل تحسسية لهؤلاء الأفراد.

بعد فترة من خروج هذا التقييم إلى النور، تمت الموافقة على قائمة الطعام الجديد من الحشرات، واشترط الاتحاد الأوروبي وضع ملصق واضح على جميع المنتجات الغذائية التي تحتوي على الحشرات، ومنها مسحوق الكريكيت؛ إذ يجب أن تذكر العبوة أن "هذا المكون قد يسبب ردود فعل تحسسية لتوعية المصابين بحساسية تجاه القشريات والرخويات وعث الغبار".

تجدر الإشارة هنا إلى أن أهمية ملصق المكونات على العبوة لا تتعلق بالسلامة الصحية فقط، بل أيضاً لتنبيه الرافضين للفكرة من الأوروبيين أو السائحين؛ لذلك إذا كنت تنوي السفر إلى القارة العجوز فعليك قراءة ملصقات المنتجات الغذائية المعروضة في الأسواق بعناية، وتأكد أنها خالية من كلمات مثل مسحوق الكريكيت أو دقيق الحشرات أو مسحوق Acheta domesticus، وهو الاسم العلمي للصرصور المنزلي.

ورداً على التساؤلات حول الأضرار الصحية لدقيق الكريكيت، قالت صحيفة لاجازيتا الإيطالية، إنه مسحوق خاص يتم الحصول عليه عن طريق طحن الصراصير الطبيعية والمجففة، ويحتوي على نسبة عالية من البروتين الطبيعي 100٪، أي نحو ثلاثة أضعاف محتوى اللحوم، وعند مقارنته بمصادر البروتين الحيواني الأخرى، نجد أن دقيق الكريكيت يحتوي على كمية مهمة من الألياف؛ ما يجعله صحياً بشكل خاص لجسم الإنسان، ومثالياً لصنع المخبوزات مثل البسكويت والخبز والمقرمشات، علاوة على أنه غني بالكالسيوم والحديد وفيتامين ب 12؛ ما يعزز نمو العظام ويساعد على منع نقص الحديد وفقر الدم.

مستقبل البروتينات البديلة

وفقًا لآخر تقرير صادر عن معهد الإيطالي area studi Mediobanca، بعنوان "الأطعمة الجديدة بين الصحة والاستدامة 2022"، الذي نشرته مجلة Regioni & Ambiente، تستحوذ البروتينات البديلة للمصادر الحيوانية التقليدية حالياً على نسبة 2% من السوق العالمية، ومن المتوقع أن تصل إلى 11٪ من إجمالي سوق البروتين بحلول عام 2035.

ومن المتوقع أن تزداد قيمة صناعة الحشرات العالمية إلى نحو مليار دولار، في العام الحالي، قبل ارتفاعها إلى 4.6 مليار دولار في عام 2027 بمتوسط ​​معدل نمو سنوي يبلغ 44٪.

أما قطاع اللحوم الصناعية، والذي يعمل به نحو 100 شركة ناشئة، فقد جمع رأسمال بقيمة 370 مليون دولار عام 2020، ولكنه يواجه العديد من التحديات حالياً تجعل التوقعات الخاصة بالقطاع متقلبة للغاية.

يبدو من معدل النمو أن مستقبل صناعة الحشرات العالمية بديل بروتيني مزدهر ومستقر، فما د السبب؟ ربما تكون كلمة السر هي أن تكلفة وجهد إنتاج الحشرات منخفضين مقارنة بالبدائل الأخرى مثل اللحم المصنع مخبرياً، الذي يحتاج إلى تكاليف مرتفعة وتقنيات حديثة وتطوير مستمر.

وقد تكون أكثر الانتقادات الموجهة لصناعة الحشرات حالياً هي سعرها المرتفع نسبياً مقارنة بالبروتينات التقليدية؛ فعلى سبيل المثال، سعر شطيرة البرغر الإيطالية المصنوعة من دقيق الكريكيت 13,90 يورو، ويبلغ سعر كيلو دقيق الكريكيت نحو 70 يورو في السوق الإيطالية.

وربما يرتبط ارتفاع التكلفة بقلة مصادر إنتاج الحشرات في الوقت الحالي؛ لأن دقيق الكريكيت الوحيد المعتمد والمصرح باستخدامه داخل أوروبا، يتم استيراده من شركتين فقط: الأولى هولندية والثانية فيتنامية، وحتى الآن لا يوجد أي شركة محلية حصلت على ترخيص صناعة الطعام الجديد أو "Novel Food" من مفوضية الاتحاد الأوروبي.

ولعل هذا ما أكدته صاحبة أول شركة ناشئة في قطاع الحشرات الصالحة للأكل في إيطاليا "كارلوتا توتارو فيلا" التي أوضحت في حوارها الصحفي أن دقيق الكريكيت المحلي يجب أن يأتي من مزارع معتمدة وسلسلة إمداد خاضعة للرقابة؛ بدءاً من تربية الحشرات إلى التوزيع، لافتةً إلى أنها قدمت ملف اعتماد شركتها وتنتظر الرد في نهاية شهر مارس المقبل.

وبذلك يمكن القول إنه إذا تم اعتماد شركات أوروبية أخرى فسوف يرتفع الإنتاج ومن ثم ستزداد حصة السوق من الحشرات؛ ما يؤدي إلى انخفاض التكلفة، بخاصة أن مشاريع تربية الحشرات لا تتطلب الكثير من الجهد أو رأس مال؛ فالحشرات الصالحة للأكل تتكاثر بسرعة، ولا تحتاج مساحات شاسعة من الأراضي، ويمكن إقامتها في الحضر أو الريف؛ ما يوفر فرصاً كبيرة للربح

وأخيراً، مع مرور الوقت قد يمثل قطاع الحشرات الصالحة للأكل مصدراً بروتينياً مغرياً، ويستطيع أن يحقق المعادلة الصعبة في صناعة الأغذية الجديدة من حيث ارتفاع القيمة الغذائية وانخفاض الضرر البيئي مع سعر مناسب، لكن تبقى المشكلة الأساسية هي عدم التقبل.

رغم عدم تقبل الأوروبيين، وخاصة الإيطاليين للفكرة، من المتوقع أن يرتفع بشكل كبير عدد مستهلكي الطعام المصنوع من الحشرات في القارة العجوز خلال العقد المقبل ليصل إلى 390 مليون شخص بحلول عام 2030.

البروتين البديل والعرب

يبحث العالم أجمع عن بدائل مستدامة في كل المجالات، وخاصة الطعام، بهدف الحفاظ على البيئة ومواجهة التغيرات المناخية والتغلب على مشكلة توفير الغذاء لسكان العالم بعد تخطيهم حاجز ثمانية مليارات نسمة.

وهناك عدة حلول عالمية مقترحة باعتبارها مصدر البروتين البديل؛ منها اللحوم الصناعية ذات التكلفة العالية، واللحوم النباتية التي تمثل حلاً بيئياً مستداماً ويمكن أن توفر العناصر الغذائية الأساسية والألياف وتتمتع بمستوى منخفض من الدهون المشبعة عند مقارنتها باللحوم.

ومع ذلك، قد تحتوي على مستويات أقل من بعض العناصر الغذائية، مثل البروتين وفيتامين ب 12 أو الزنك، مقارنة بمنتجات اللحوم العادية، وفقاً لموقع Medical News Today.

حتى نصل إلى بروتين الحشرات الذي يعد ضيفاً تقليدياً على مائدة الطعام الآسيوية، لكنه زائر جديد على مائدة الطعام الأوروبية، ويجمع بين القيمة الغذائية والأثر البيئي والسعر المناسب، فإنه لا بد من إزالة العائق الرئيس، وهو تقبل الفكرة وعدم الاشمئزاز من تناول الحشرات، لكن عندما نتحدث عن العالم العربي فإن الأمر يتعدى فكرة النفور وينتقل إلى حكم الشرع في تناول الحشرات.

ربما يصبح الجراد بديلاً من الحشرات كغذاء حلال آمن بيئياً فقد سبق أن أفتى بذلك الشيخ الراحل عطية صقر الرئيس الأسبق للجنة الفتوى بالأزهر الشريف والعضو السابق بالمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية

هذا ما حدث بالفعل فور إجازة أكل الحشرات في الاتحاد الأوروبي؛ حيث حظرت قطر منتجات الحشرات، وأصدرت وزارة الصحة بياناً أن هذه المنتجات لا تلبي "متطلبات الأغذية الحلال". ووفقاً للوائح دول مجلس التعاون الخليجي "والرأي الديني" للجهات المختصة فإنه "لا يجوز استخدام الحشرات المحرمة أو البروتينات والمكملات المستخلصة منها"، ثم لحقت بها هيئة الغذاء والدواء بالسعودية التي أكدت عدم السماح بدخول هذه المنتجات في أسواق المملكة.

فهل جميع الحشرات مرفوضة مجتمعياً ودينياً؟ أم علينا البحث عن بدائل بروتينية مستدامة وفي الوقت نفسه تتلاءم مع المجتمعات العربية؟ ذلك ما يدفعنا إلى التفكير في استخدام الجراد كحل وسط لعدة أسباب.

يعتبر أكل الجراد حلالاً باتفاق، ولم يختلف العلماء حوله، وفقاً لفتوى الشيخ المصري الراحل عطية صقر الرئيس الأسبق للجنة الفتوى بالأزهر الشريف والعضو السابق بالمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، وهي الفتوى المنشورة في كتاب فتاوى دار الإفتاء المصرية.

الفائدة الصحية والبيئية

الجراد – واسمه العلمي Locust – من الحشرات التي وافق الاتحاد الأوروبي على إدراجها في قائمة الطعام الجديد عام ٢٠٢١، وتمت إتاحته بالأسواق، سواء بشكل مجمد أو مجفف أو على هيئة مسحوق، ومن الممكن بيعه كوجبة خفيفة، أو كمكون في المنتجات الغذائية.

وتبعاً لهذا القرار الأوروبي، ينطبق على الجراد كل ما تم ذكره سابقاً عن باقي الحشرات من مزايا بيئية وصحية وأيضاً اشتراطات لتربية الحشرات بطريقة آمنة بعيدة من الملوثات والمبيدات، واستخدام الملصقات على المنتجات الغذائية لتوعية الأفراد المصابين بحساسية القشريات.

تجدر الإشارة إلى أن الجراد الصحراوي يعتبر من أكثر الآفات المهاجرة تدميراً في العالم، وقد يتسبب في هلاك المحاصيل الزراعية؛ ما ينتج عنه خسائر هائلة في قطاع الزراعة والاقتصاد. ويستطيع سرب الجراد الواحد، الذي يتكون من ملايين الجراد، أن يستهلك في يوم واحد كمية من الطعام بقدر ما يستهلكه 35.000 فرد، ومن ثم فإن تناول الجراد باعتباره مصدراً بديلاً للبروتين قد يجعلنا نحل مشكلة مهمة ونتفادى تكاثر الجراد وتهديده للأمن الغذائي.

وأخيراً فإن أهم مزايا تناول الجراد كبديل بروتيني مستدام، أنه لا يعد غريباً على المائدة العربية؛ فهو يمثل وجبة خفيفة لبعض الكويتيين، ومن الأكلات المفضلة في السعودية واليمن، ومن ثم يمكن تقبل فكرة تناوله مجتمعياً؛ ما يوفر مصدراً بروتينياً بديلاً للحوم التقليدية، فهل يقدم الجراد حلاً ملائماً للمجتمعات العربية؟