الموت لمرة ثانية.. التغيرات المناخية تنبش القبور


سلمى عرفة
الاحد 19 مارس 2023 | 11:50 صباحاً
القبور تضررت من تداعيات الأزمة المناخية - مشاع إبداعي
القبور تضررت من تداعيات الأزمة المناخية - مشاع إبداعي

ربما إذا أدركت مدى تأثير الكوارث الطبيعية الناتجة عن التغيرات المناخية ليس على الأحياء فقط بل الموتى كذلك، فغالبا ستصاب بقلق يجعلك لا تنام الليل.. فما قصة ارتباط الاحتباس الحراري بالموتى في القبور؟

مليارات البشر انتهت حياتهم ودفنوا تحت الأرض التي تتعرض حاليا لمخاطر لم يعاصروها لكن صداها يصل إلى أجسادهم التي واراها الثرى، فالمقابر كغيرها من بقاع الكوكب لم تنج من الفيضانات والحرائق والعواصف وغيرها من الظواهر التي تفاقمت بفعل أزمة المناخ.

في نيجيريا، التي شهدت قبل أشهر أسوأ موجة فيضانات منذ سنوات طويلة، فوجئ سكان ولاية النيجر بجثامين تطفو في نهر ماريجا، بعدما جرفتها المياه من مقبرة قريبة يعود تاريخها إلى ما قبل 500 عام، وهي أول مرة تتعرض لها المقبرة لمثل هذا الحدث.

لم تكن الأمطار الغزيرة والفيضانات، المتهم الوحيد في جرف 1500 جثمان تحت الثرى، فأعمال التنقيب عن الذهب التي شهدتها المنطقة أضعفت تربتها، وفقا لصحيفة Dateline النيجيرية.

تحطمت شواهد القبور في كاليفورنيا بفعل الحرائق، وغرقت توابيت ألاسكا بفعل ذوبان التربة‘‘

رفات عائمة وتوابيت بالشوارع

حالة الرفات التي تنجرف من مرقدها الأخير بعد تحللها، يساهم في سرعة التمييز بينها وبين من فارقوا الحياة جراء الكارثة نفسها، كما حدث في فيضانات وعواصف جبال الألب التي ضربت أوروبا في عام 2020.

عشرات الجثامين خرجت من مقبرة جنوبي فرنسا، ليستقر عدد منها على الساحل الإيطالي، تاركة خلفها المقبرة التي ابتلعت المياه الجزء الأكبر منها، حسبما نقلت وكالة "رويترز".

في ولاية لويزيانا الأمريكية، التي لا ترتفع كثيرا عن سطح البحر، حيث يدفن الموتى في توابيت توضع داخل أقبية فوق الأرض، لكن الولاية شهدت على مدار سنوات حالات انجراف هذه التوابيت بسبب ظواهر مختلفة.

حاولت الولاية مواجهة الأزمة بتأسيس فريق طوارئ للتعامل مع حوادث القبور في 2018، بعدما تسبب أحد الفيضانات في انجراف المئات من التوابيت، وفق ما ذكرته شبكة PBS الأمريكية.

أما المهمة الأصعب لهذا الفريق فهي إعادة الرفات، على سبيل المثال، استغرقت عمليات دفن التوابيت التي عثر عليها بعد إعصار لورا 2020، أكثر من عام.

رحلة طويلة خاضها الفريق انتهت بالعثور على 80 تابوتا وقبرا، لكن لم يتمكن الأعضاء من التعرف سوى على نصف أصحابها، بينما انتهى مصير بعض الجثامين إلى المجهول وأدرجوا في عداد المفقودين.

لويزيانا ليست الولاية الوحيدة التي تواجه مقابرها مخاطر التغيرات المناخية، إذ تحطمت أيضا شواهد القبور في كاليفورنيا بفعل الحرائق، وغرقت توابيت ألاسكا بفعل ذوبان التربة، وفقا لموقع Scientific American.

مقابر العالم العربي

آثار الظواهر المناخية على عالم الأموات في العالم العربي لا تزال محدودة بالمقارنة مع مناطق العالم الأخرى، في شتاء 2022، ألحقت الأمطار الغزيرة أضرارا في عدد من مقابر محافظة بني سويف (جنوب مصر)، وأظهرت صورا تداولها مستخدمو التواصل الاجتماعي تهدم أجزاء منها.

في ولاية الدار البيضاء المغربية، تسببت الأمطار في انهيارات بإحدى المقابر، بعدما غمرتها المياه، لدرجة أعجزت عائلات الموتى عن التعرف على قبور ذويهم، وفقا لجريدة العمق المغربية.

أما المملكة العربية السعودية فشهدت في عام 2016، تسرب مياه الأمطار إلى إحدى مقابر محافظة "أبو عريش" قبل تركيب السور الخاص بها، ما أدى إلى سقوط المقابر، وتحرك السكان لإعادة الوضع إلى ما كان عليه.

)في 2014، بلغ الاستهلاك الأمريكي للأخشاب من أجل صناعة التوابيت في فترة من الفترات إلى ما يعادل 4 ملايين فدان من الغابات سنويا‘‘

التكلفة البيئية للموت

العلاقة بين التغيرات المناخية وجثامين الموتى، لا تقتصر على آثار الكوارث الطبيعية، بل في بعض الأحيان تؤدي إلى رحلة الميت إلى مثواه الأخير إلى أضرار بيئية.

عاشت العديد من دول العالم جدلا حول طريقة وداع الموتى ودفنهم، لكن السنوات الأخيرة شهدت انتشار حرق الجثث التي أعتقد كثيرون أنها صديقة للبيئة مقارنة بمراسم الدفن التي تستهلك مساحات أكبر من الأرض، لكن الإقبال على تحويل الجثامين إلى رماد له عوامل أخرى بخلاف التأثير على الكوكب.

في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، أدى انخفاض التكلفة إلى ارتفاع معدل الحرق على مدار الـ15 عاما الماضية إلى 57% من الوفيات بفارق الضعف، ويقتصر عدد الأمريكيين الذين يغطي التأمين تكلفة مراسم دفنهم على 20% فحسب، بحسب بيانات رابطة حرق الجثث في أمريكا الشمالية.

تقدر انبعاثات الولايات المتحدة سنويا من تشغيل المحارق إلى 360 ألف طن متري من ثاني أكسيد الكربون، في وقت تقدر انبعاثات حرق الجثمان الواحد الذي يستغرق 3 ساعات بنحو 600 رطل منه، وفقا لموقع "هاف بوست".

بلغ الاستهلاك الأمريكي للأخشاب من أجل صناعة التوابيت في فترة من الفترات إلى ما يعادل 4 ملايين فدان من الغابات سنويا، بحسب إحصائيات عام 2014، أما الهند فتستخدم محارقها ما لا يقل عن 50 مليون شجرة، ما يؤدي إلى انبعاث 8 ملايين طن من غازات الدفيئة سنويا.

الدفن الأخضر

الجدل حول طريقة وداع الموتى أدت إلى ظهور مصطلح "الدفن الأخضر" الذي تُعرفه القواميس الغربية بأنه "اتباع الطريقة ذات الأثر البيئي الأخف لدفن الجثمان"، مشيرة إلى عدم تحنيطه، علاوة على استخدام تابوت مصنوع من مكونات طبيعية، ما يؤدي إلى تحلل الجسد والتابوت بطريقة طبيعية.

فكرة إقامة جنازات صديقة للبيئة بما في ذلك طريقة الدفن وجدت مكانا لها وسط المشروعات الخضراء التي يقبل عليها العالم حتى وصل حجم سوقها لأكثر من 500 مليون دولار في 2021، وفقا لـEmergene Research.

تدور تساؤلات أخرى حول تكاليف نقل المقابر المعرضة للخطر حول العالم إلى مناطق أكثر أمانا وسط سباق تمويلي لمواجهة الأضرار التي تلاحق الأحياء، دون مساحة تذكر لمن غيّبهم الموت.