د. يوسف الكمري أستاذ باحث وناشط في المجتمع المدني (المغرب)
يذكِّر اليوم العالمي للمحيطات الجميع بالدور الرئيس للمحيطات في المعايش اليومية؛ حيث تُعد المحيطات مصدراً رئيساً للغذاء، فضلاً عن كونها جزءاً مهمّاً من المحيط الحيوي. والمُراد من الاحتفال بهذه المناسبة هو توعية سكان الأرض بأثر الأنشطة البشرية في المحيطات، وتحفيز كل الفاعلين على المستوى العالمي في أفق حماية المحيطات من مصادر التلوث، وتعبئة جهود المجتمع المدني وتوحيدها مشروع لتحقيق التنمية المستدامة لمحيطات العالم. وإلى جانب زيادة الوعي المجتمعي بقضايا المحيطات، يعتبر هذا اليوم بمنزلة فرصة للاحتفال بمهد البشرية: دعونا نعمل من أجل الحفاظ على المحيطات بحيث نتمكن معاً من تحقيق الهدف الـ14 من أهداف التنمية المستدامة 2030، التي من شأنها حماية النظم البيئية البحرية.
فالمحيطات تغطي أكثر من 70٪ من سطح الأرض، وهي مصدر من مصادر معايشنا؛ حيث تدعم مصدر المجتمعات البشرية، وكل كائن حي آخر على وجه الأرض. وتنتج المحيطات ما لا يقل عن 50٪ من الأكسجين الموجود على الأرض، وهي فضلاً عن ذلك مواطن لفئة واسعة من أحياء التنوع البيولوجي لهذه الأرض، كما أنها المصدر الرئيس للبروتين لأكثر من مليار إنسان في العالم، ناهيك عن أن المحيطات هي مفاتيح الاقتصاد الأزرق؛ نظراً لعمل ما يُقدر بزهاء 40 مليون شخص — مع حلول عام 2030 — في الصناعات المعتمدة على المحيطات.
ومع منافعها المتعددة، فالمحيطات تحتاج في الوقت الحاضر إلى الدعم والحماية من كل مظاهر التلوث؛ فنحن – حسبما يؤكد الموقع الرسمي للأمم المتحدة “un.org” – نأخذ من المحيطات أكثر مما يمكن تعويضه، وبخاصة مع استنفاد 90٪ من التجمعات السمكية الكبيرة، وتدمير 50٪ من الشعاب المرجانية، ونحتاج إلى العمل معاً لتحقيق توازن طبيعي جديد مع المحيطات للحد من استنفاد منافعها، والعمل على استعادة حيويتها وتجديد معايش الكائنات الحية فيها.
ونظراً إلى كل تلك الأسباب، كان من الضروري إذكاء الوعي بمناسبة احتفالية خاصة، وهو ما حدا الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى اعتماد القرار 111/63 المؤرخ 5 كانون الأول/ديسمبر 2008 الذي حدد يوم 8 حزيران/يونيه بوصفه اليوم العالمي للمحيطات.
وكان مفهوم ’’اليوم العالمي للمحيطات‘‘ اقتُرح لأول مرة في عام 1992 في أثناء قمة الأرض في ريو دي جانيرو بوصفه طريقة للاحتفال بمحيطنا العالمي المشترك وعلاقتنا الشخصية بالبحر، وكذلك إذكاء الوعي بالدور الحاسم للمحيطات في حياتنا، والطرق المهمة التي يمكن للناس بها المساعدة في حمايتها.
ولإذكاء الوعي بالدور الذي يمكن أن تضطلع به الأمم المتحدة والقانون الدولي في التنمية المستدامة للمحيطات واستخدامها هي ومواردها الحية وغير الحية، تنسق شعبة الأمم المتحدة لشؤون المحيطات وقانون البحار تنسيقاً فعالاً للأنشطة المختلفة المقررة للاحتفال باليوم العالمي للمحيطات.
ترعى اللجنة الأوقيانوغرافية الحكومية الدولية التابعة ليونسكو شبكة المحيطات العالمية التي ما فتئت منذ عام 2002 تعمل على دعم الفعاليات التثقيفية بالمحيطات في 8 حزيران/يونيه.
وإلى جانب اليونسكو، تعمل وكالات الأمم المتحدة الأخرى على حماية النظم البيئية البحرية والساحلية لتجنب الآثار السلبية الكبيرة؛ فعلى سبيل المثال، يشرف برنامج الأمم المتحدة للبيئة على القضايا البيئية، بينما تعزز منظمة الأغذية والزراعة الحوكمة العالمية والقدرات الإدارية والتقنية للأعضاء، وتقود بناء التوافق في الآراء نحو تحسين حفظ الموارد المائية واستخدامها. ويضطلع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بإدارة مشاريع التنوع البيولوجي والتنمية البشرية، في حين تضطلع المنظمة البحرية الدولية بمسؤولية سلامة وأمن الشحن ومنع التلوث البحري والجوي بواسطة السفن.
من هنا، جاء اليوم العالمي للمحيطات، الذي يُحتفَل به كل عام في 8 حزيران / يونيو على مدار أكثر من 25 سنة؛ إذ يعتبر هذا الاحتفال جزءاً من جهد كبير للسعي إلى إذكاء الوعي وإعلام المجتمع الدولي بقضايا المحيطات. هذا ويرتبط الحفاظ على المحيطات واستخدامها بشكل مستدام ارتباطاً وثيقاً برفاهية الإنسان واستمرار وجوده على الأرض، وقد بات هذا الأمر ملحّاً أكثر من أي وقت مضى.
واحتفالاً بهذه المناسبة لهذه السنة 2023 تحت شعار "المياه لم تعد راكدة"، تتعاون الأمم المتحدة مع صناع القرار وقادة الشعوب الأصلية والعلماء والمديرين التنفيذيين في القطاع الخاص والمجتمع المدني والنشطاء الشباب لتصدير المحيطات بوصفها أولوية من الأولويات.
وهنا نود الاستدلال بكلمة الأمين العام أنطونيو غوتيريش؛ بحيث قال: "إن الهدف الـ14 من أهداف التنمية المستدامة - الحفاظ على موارد المحيطات واستخدامها على نحو مستدام - يمر حاليًاً بمنعطف حرج. وبمناسبة هذا اليوم؛ اليوم العالمي للمحيطات، دعونا نواصل الإلحاح على العمل. ولنجعل المحيطات على رأس الأولويات، اليومَ وغداً، وفي كل يوم".
وقال أيضاً إن تغير المناخ الناجم عن الأنشطة البشرية يعمل على ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض، وتعطيل أنماط الطقس والتيارات المحيطية، وتغيير النظم الإيكولوجية البحرية والأنواع التي تعيش هناك.
ولفت غوتيريش إلى أن التنوع البيولوجي البحري يتعرض أيضاً لهجوم بسبب الصيد الجائر، والاستغلال المفرط، وتحمض مياه المحيطات، واستنزاف الأرصدة السمكية، وتلوث المياه الساحلية بالمواد الكيميائية واللدائن والنفايات البشرية.
لهذا يجب أن يظل إنقاذ المحيطات والبحار أولوية؛ فالتنوع البيولوجي البحري أمرٌ بالغ الأهمية لصحة الإنسان وصحة كوكبنا الأزرق؛ لذا يتعين علينا تدبير المناطق البحرية المحمية بشكلٍ فعال، وتزويدها بالموارد الكافية ووضع اللوائح اللازمة للحد من الصيد الجائر والتلوث البحري وتحمُّض المحيطات؛ هذا بالإضافة إلى دعم اقتصاد أزرق مستدام يحمي فوائد المحيطات الاقتصادية والأمنية والبيئية. ويشتمل ذلك على دعم الحلول المناخية القائمة على المحيطات، على غرار مبادرات تعزيز الطاقات المتجددة البحرية، والحد من انبعاثات قطاع الشحن والنقل البحري وتعزيز السياحة الساحلية المستدامة ومصايد الأسماك وحماية المجالات البحرية والنظم البيئية للكربون الأزرق واستعادتها.