يُعرف زيت الزيتون بفوائده الصحية، فهو غني بالدهون الجيدة والمركبات الحيوية النشطة المفيدة ذات الخصائص المضادة للأكسدة والالتهابات ويرتبط بتحسين صحة القلب والأوعية الدموية والتمثيل الغذائي، كما تتيح صناعة زيت الزيتون فرصاً مهمة للعمل في قطاع الزراعة وقطاع الطحن والتجهيز.
ويمثل الزيتون جزءاً أصيلاً من الثقافة والنظام الغذائي والتراث المحلي لمنطقة البحر المتوسط، لذلك سنجد أن قائمة الدول الأكثر إنتاجاً لزيت الزيتون على مستوى العالم خلال العام الماضي تشمل إسبانيا واليونان وإيطاليا وتونس والمغرب والجزائر ومصر، وفقاً للمجلس الدولي للزيتون "IOC".
معالجة نفايات زيت الزيتون
رغم الفوائد الاقتصادية والغذائية الكبيرة لصناعة الزيتون لكنها تملك جانباً سلبياً يتمثل في الضرر البيئي، حيث تنتج عمليات استخراج زيت الزيتون العديد من المنتجات الثانوية تسمى نفايات معالجة زيت الزيتون.
وهناك نوعان من هذه المنتجات الثانوية الناتجة عن طحن الزيتون وفصل الزيت وتصفيته؛ الأولى هي النفايات الصلبة التي تعرف باسم كعكة عصر الزيتون (OPC) أو المواد المتبقية بعد عصر البذور، والثانية هي النفايات السائلة المعروفة بـ "olive mill wastewater"، أو مياه الصرف الصحي لمعاصر الزيتون واختصارها OMW، ويمكن لهذه المخلفات أن تسبب أضراراً كبيرة للبيئة والمجتمعات المحلية إذا لم يتم التعامل معها بشكل صحيح، بما في ذلك تدمير المحاصيل الزراعية، وتلوث المياه الجوفية، وانتشار الأمراض.
لذلك غالبًا ما يبحث المصنعون عن طرق لإعادة استخدام أو إعادة تدوير ومعالجة مخلفات مصانع الزيتون، بهدف تقليل الأثر البيئي السلبي لهذه المخلفات وتحويلها إلى موارد مفيدة، مثل تحويل النفايات الصلبة إلى سماد عضوي غني بالمغذيات يستخدم في الزراعة وعلف للحيوانات، أو الاستفادة من الطاقة الحيوية الموجودة في المخلفات وإنتاج طاقة كهربائية أو وقود حيوي.
أما النفايات السائلة أو OMW، الناتجة عن عملية الضغط على الزيتون والتى تحمل الكثير من المواد العضوية والزيوت، فهي سائل داكن اللون، مر وحامض الطعم قليلاً، ويتم إنتاج ملايين اللترات منه سنوياً، لكنه يعتبر أكثر المنتجات الثانوية ضرراً لأنه يحتوي على كميات كبيرة من المركبات العضوية والفينولية، والتي يمكن أن تحمل خصائص تجعلها سامة للنباتات والحيوانات، وتعمل على تلويث التربة والمجاري المائية، إذا لم تتم معالجتها وإدارتها بشكل صحيح.
الحل الايطالي
استطاعت مزرعة صغيرة في منطقة توسكانا الإيطالية استغلال هذه النفايات السائلة الناتجة عن عصر الزيتون، وجعلها وسيلة لتحسين صحة الإنسان، عبر تحويلها إلى مكملات غذائية ومستحضرات تجميل حيوية تسمى OliPhenolia، وفقا لموقع BBC Science Focus.
وقد بدأت القصة كما روتها الصحف الايطالية مع الجدة "كاترينا"، التي توفيت عام 2000، عن عمر يناهز 98 عاماً، لكن طول عمرها وعاداتها الخاصة في الاهتمام برفاهيتها، جعلها رمزاً للمزرعة الإيطالية، التي تنتج هذه المياه الناتجة عن عصر الزيتون، والمعروفة في توسكانا بـ"أكوا مورا"، وهو اسم إيطالي قديم يعني "المياه السوداء أو الداكنة"، وقد كانت الجدة كاترينا تشربها مرتين يومياً، بعد أن تشتريها من مطحنة المزرعة أثناء معالجة الزيتون واستخراج الزيت، وقد تحول مشروب الجدة، الذي يشبه عصير الزيتون المخفف والمعبأ في برطمانات تقليدية، إلى "إكسير الحياة".
ويعلق البروفيسور ماوريتسيو سيرفيلي، الأستاذ بكلية علوم وتكنولوجيا الأغذية في جامعة بيروجيا الإيطالية، في حواره مع صحيفة "لا ريبوبليكا"، أن فكرة الجدة التوسكانية في استخدام الجزء المائي الذي يتم فصله عن الزيت كغذاء خارق كانت فكرة جيدة، لأن المركبات النشطة بيولوجياً تكون موجودة في المياه أكثر بكثير من زيت الزيتون نفسه، والذي يحمل حوالي 2% فقط من المواد النشطة بينما يوجد 50% في الجزء المائي أو OMW
ما هي المواد المفيدة الموجودة في ال " OMW"
تحتوي هذه النفايات السائلة على مستوى عالي من المركبات العضوية والفينولية، ،المعروفة باسم المغذيات النباتية، مما قد يجعلها مصدر ضرر للبيئة، لكنه على العكس بالنسبة للبشر قد يحمل العديد من الفوائد الصحية، فهي مركبات تنتجها النباتات كدفاعات طبيعية ضد الضغوط البيئية والحيوانات المفترسة، لكن يتوقع العلماء أنها قد تكون ذات تأثير إيجابي على صحة الإنسان، لذلك باتت تعرف ب المركبات النشطة بيولوجيًا.
وتشمل هذه المركبات نحو 30 مركباً فينولياً بالإضافة إلى الألياف الغذائية، وتتمتع جميع هذه المركبات بخصائص مضادة للأكسدة والالتهابات والميكروبات، ويمكنها أيضًا خفض نسبة السكر في الدم والكوليسترول، وتقليل خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، والوقاية من بعض الأورام.
كما يمكن استهلاك مياه النفايات السائلة كمشروب أو منشط أو إكسير، وهناك أيضاً طرق استخلاص يمكنها تركيز المواد النشطة بيولوجياً والمغذيات، مما يسمح باستخدامها في منتجات أخرى.
وتركز معظم الأبحاث حول OMW واستخدامها المحتمل كمصدر لـ "المواد الغذائية العلاجية"، وهي عبارة عن مزيج معقد من العناصر الغذائية والمواد النشطة بيولوجياً، والتي يمكن اعتمادها كمكملات غذائية أو إضافتها إلى الأطعمة لتعزيز فوائدها الصحية، أو استخدامها كمواد حافظة طبيعية في صناعة المواد الغذائية، كبديل للمواد الاصطناعية، بسبب تأثيرها المضاد للأكسدة والميكروبات.