يشهد العالم طفرة لافتة في تقنيات النقل البحري مع عودة الاهتمام بالقوارب الهوائية أو "القوارب المحلقة"، التي وُلدت في الأساس من الرغبة في زيادة سرعة القوارب، قبل أن تتحول اليوم إلى وسيلة نقل مائي أنظف من خلال رفع السفن فوق سطح الماء وتقليل احتكاكها بالأمواج.
تعود جذور الفكرة إلى ستينيات القرن التاسع عشر، حين ظهر في فرنسا قارب تجديف يرتفع عن سطح الماء بواسطة أوتاد تشبه الأجنحة، في مشهد غير مألوف آنذاك، نقلاً عن "BBC".

براءة اختراع القارب الهوائي
ويُرجح أن هذا التصميم استلهم براءة الاختراع التي قدمها الباريسي إيمانويل دينيس فاركوت عام 1869، وعلى مدى العقود التالية، واصل رواد الابتكار تطوير القارب الهوائي، ومن أبرزهم الإيطالي إنريكو فورلانيني الذي أبحر عام 1906 فوق بحيرة ماجوري، ثم المخترع الإسكوتلندي ألكسندر جراهام بيل الذي طور نماذج متقدمة، أبرزها القارب المحلق HD-4 الذي حقق سرعة فاقت 70 ميلاً في الساعة، مسجلاً رقماً قياسياً عالمياً.
ويرى البروفيسور جاكوب كوتينكيولر، أستاذ الهندسة البحرية في المعهد الملكي للتكنولوجيا بالسويد، أن القوارب ذات الأجنحة المائية قدمت خصائص غير مسبوقة مثل السرعة العالية وانخفاض مقاومة الماء، وهي السمات التي يعاد استثمارها اليوم في خدمة النقل النظيف.
فبعد موجة اهتمام محدودة في ستينيات القرن الماضي، عاد القارب الهوائي بقوة في العصر الحالي مدفوعاً بالتحول العالمي نحو الكهرباء، وتراجع الاعتماد على الوقود الأحفوري.

تطور البطاريات والقوارب الهوائية
أسهمت التطورات في البطاريات خفيفة الوزن والمواد المركبة وأجهزة الاستشعار الدقيقة في إحياء هذه التقنية، ما أتاح تطوير نماذج حديثة يعتمد فيها القارب على جناح انسيابي واحد يُدار إلكترونياً ويوازن هيكله تلقائياً.
ويُعد كوتينكيولر الملقب بـ"عراب القارب المحلق"، أحد أبرز مطوري هذه التكنولوجيا، وصاحب الاختراع الشهير eFoil الذي اجتذب الرياضيين والمشاهير حول العالم.
وعلى صعيد النقل العام، دفع استهلاك القوارب التقليدية لكميات ضخمة من الوقود المهندس السويدي جوستاف هاسيلسكوج إلى تأسيس شركة كانت رائدة في تطوير عبارات كهربائية محلقة.
وقد بدأت ستوكهولم تجارب فعلية على هذه العبارات التي تقلل استهلاك الطاقة بنسبة تصل إلى 80%، وتخفض زمن الرحلات إلى النصف تقريباً.
وامتد نجاح هذه التقنية إلى الهند، والسعودية، والمالديف، والولايات المتحدة، بينما تعمل جهات أمريكية على تصميم أول مركبة محلقة قادرة على نقل 150 راكباً.
ورغم تحديات تتعلق بالمسافات الطويلة وإمكانية الاصطدام بالأجسام العائمة، يتوقع الخبراء أن تواصل القوارب الهوائية توسعها مع التقدم في المواد والكهربة والذكاء الاصطناعي، لتصبح أحد أعمدة النقل البحري المستدام في العقود المقبلة.