في الوقت الذي تواجه فيه كافة بلدان العالم خطر التغيرات المناخية، فإن الآثار الناتجة عن تلك الظاهرة تتفاوت شدتها من منطقة إلى أخرى بفعل عوامل قد تُصعِّب مهمة نشر الوعي البيئي بين سكانها، فتزداد أهمية المبادرات الإعلامية التي تعمل بكل جهدها لمواجهة هذه الصعوبات.
على مدى السنوات، اجتمعت الأزمات على اليمن واحدةً تلو الأخرى، حتى وصلت به في عام 2022 إلى المرتبة الثالثة في قائمة البلدان الأكثر هشاشةً أمام التغيرات المناخية، والأقل استعداداً لمواجهة الصدمات الناتجة عنه، وفقاً لمؤشر إدارة المخاطر التابع للأمم المتحدة "INFORM".
مصدر الصورة: رويترز
حملة تحذيرية
إحدى المؤسسات الإعلامية التي تحاول نشر الوعي البيئي في اليمن، ومواجهة التحديات التي تحول دون ذلك، هي مؤسسة "الصحافة الإنسانية" التي أطلقت مؤخراً حملة #اليمن_خطر_المناخ، التي بدأت منذ منتصف أكتوبر عام 2023، وشملت إجراء تحقيقات معمقة، ومقابلات، وتنظيم فعاليات بهدف مواجهة التغير المناخي.
في حديثه إلى "جرين بالعربي"، يقول الإعلامي بسام القاضي مؤسس منظمة الصحافة الإنسانية إن الحملة جاءت تتويجاً لأنشطة المؤسسة منذ عام 2020، التي تناولت العديد من القضايا البيئية، ومن بينها ارتفاع مستوى البحر الناتج عن تأثيرات التغيرات المناخية، والصيد الجائر للسلاحف في المحميات، علاوةً على السفن المتهالكة المهددة بالغرق، وهي القضايا التي امتدت في محافظات مختلفة؛ من بينها محافظات يمنية مختلفة مثل عدن ولحج وحضرموت.
يقول "القاضي" إن المؤسسة نجحت من خلال أنشطتها في تحويل مثل هذه القضايا إلى "قضايا رأي عام"، وأحدثت أثراً كبيراً ظهر في عدة وقائع، من بينها صدور حكم قضائي بإزالة تلك السفن، علاوةً على صدور قرار حكومي بإعلان منطقة خور عميرة، الواقعة ضمن محافظة لحج، محمية طبيعية.
مؤسسة الصحافة الإنسانية في "COP 28"
خلال الدورة الثامنة والعشرين من مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ "COP 28"، قامت المؤسسة، ضمن أنشطة الحملة، بإطلاق عريضة توقيعات عبر منصة صوت التابعة لمنظمة "غرينبيس" الشرق الأوسط، لدعم مطلبها الموجه إلى قادة العالم بدعم الاستثمار في مشروعات التكيف والاستدامة، علاوة على إطلاق بيان من داخل مقر القمة وقعت عليه أكثر من 20 مؤسسة مدنية من أبرز منظمات المجتمع المدني الفاعلة في اليمن لدعمه في مواجهة التغير المناخي.
عدة مؤسسات عربية وإقليمية شاركت المؤسسة في تنظيم الفعاليات، خلال المؤتمر، ومنها المنتدى السعودي للأبنية الخضراء، وشبكة الشباب العربي للتنمية المستدامة، ومجلس الشباب العالمي في اليمن.
ومنذ انطلاقها، نجحت المؤسسة في تدريب العشرات من الصحفيين والصحفيات في محافظات مختلفة حول كتابة وإنتاج القصص الإنسانية.
يقول مؤسس منظمة الصحافة الإنسانية: "نحن سعداء بأننا أول منظمة مجتمع مدني مستقلة وغير ربحية في اليمن والوطن العربي، متخصصة في تطوير وأنسنة الصحافة والإعلام امتدت تدريباتها النوعية خارج اليمن عن بُعد عبر مدربين وخبراء صحفيين عرب لتشمل أكثر من ٢٥ دولة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا".
تحديات إعلامية
ويشير إلى أن "كل ملف صحفي جرى نشره قد فشلنا في إنجازه مرة ومرتين وثلاثًا، واستغرقت أغلب التحقيقات الصحافية المنتَجة أشهرًا طويلة من العمل نتيجة غياب المعلومات والمصادر والأبحاث والدراسات".
هناك قائمة من الطرق التي ذكرها "القاضي" في محاولة التغلب على التحديات، وتشمل المزيد من الصبر والبحث، واستخدام التقنيات الرقمية، وموارد المصادر المفتوحة بجانب التشبيك والتقصي والوصول المباشر إلى المصادر الأولية وإجراء الحوارات المفتوحة مع المختصين والمسؤولين واقناعهم بأهمية تسليط الضوء الإعلامي على القضايا البيئية وآثار التغيرات المناخية وانعكاساتها في اليمن.
الفئات المهمشة في اليمن احتلت مكانة هامة في الموضوعات التي أنتجتها المؤسسة، وعلى رأسهم سكان المناطق الريفية؛ إذ يشير "القاضي" إلى أن ما يزيد عن نصف القوى العاملة في اليمن من المزارعين، كما أن 75% من السكان يعتمدون على هذا القطاع.
إحدى التحقيقات التي نشرتها نقلت إحصائيات صادمة بأن ما يزيد من 60% من المربين في اليمن يعانون من تراجع أعداد الرؤوس الحيوانية.
خطة مبكرة لـ"COP 29"
يقول القاضي إن المؤسسة تسعى بشكل مبكر للتنسيق مع الجهات الحكومية اليمنية لضمان المشاركة الفاعلة في مؤتمر المناخ "COP 29" المقرر عقده في أذربيجان؛ إذ تطمح إلى خلق تحالف مدني تحت إشراف حكومي من أجل إنشاء جناح خاص باليمن، واستعراض آثار التغيرات المناخية.
ومن المقرر أن تشمل الفعاليات على عرض أفلام وثائقية، ومعارض للصور، والفنون التشكيلية عن الأضرار التي خلَّفتها الزوابع والفيضانات والأعاصير من جراء التعرض الكبير لتأثيرات التغيرات المناخية المدمرة بجانب إقامة ورش العمل النوعية وندوات النقاش وإطلاق واستعراض التقارير والتحقيقات والدراسات والبحوث المعنية بملف المناخ والبيئة والاستدامة في اليمن وغيرها.
وعلى مدى عام 2024، ستقوم المؤسسة في إطار الحملة بمضاعفة أنشطتها من خلال نشر سلسلة موضوعات معمقة مدفوعة بالبيانات، وباللغتين العربية والإنجليزية، وفقاً لـ"القاضي".
خطة نشر الوعي المناخي تبدأ من مرحلة مبكرة، وفقاً للخطة التي شاركها معنا "القاضي"؛ وذلك بتنظيم دورات تدريبية لطلاب كليات وأقسام الصحافة والإعلام حول عدة قضايا؛ من بينها أساسيات صحافة المناخ والبيئة، وكيفية أنسنة التغطيات من هذا النوع، علاوةً على تدقيق المعلومات، بجانب تقديم الدورات التدريبية للصحفيين؛ وذلك بالشراكة مع جهات حكومية وغير حكومية.
النساء والتغير المناخي
التركيز على الفئات الأكثر تضرراً من التغير المناخي كان كذلك الأمر الذي ركزت عليه الصحفية اليمنية سحر محمد، خلال عملها الإعلامي، في ظل تفاقم هذه الأضرار.
في حديثها إلى "جرين بالعربي"، تروي "محمد" كيف بدأت رحلتها في مجال الصحافة بعدما تخصصت في بادئ الأمر في الفيزياء، قائلةً إنها لمست الاهتمام التدريجي بصحافة البيئة عمومًا، وتغير المناخ بشكل خاص من قبل وسائل الإعلام، والمنظمات الداعمة على المستويين الإقليمي والدولي؛ الأمر الذي يشجع المهتمين بالكتابة حول تلك المواضيع، لكنها ترى أن "الوضع لا يزال يحتاج لمزيد من الفرص والدعم خاصة للمحتوى العربي".
في عام 2020، حصلت الصحفية اليمنية على جائزة Blue Peace Open Eye Award المقدمة من مؤسسة "CEWAS"، وهي منظمة غير ربحية معنية بالمياه، ومؤسسة كونراد أديناور، وهي مؤسسة ألمانية سياسية غير ربحية معنية بالتنمية؛ وذلك عن قصتها الصحفية التي تناولت قضايا المرأة والمياه في اليمن.
ونجحت الصحفية اليمنية في توثيق قصص فتيات بادرن لعقد تسوية وحل نزاع حول أحد آبار المياه في إحدى المناطق الريفية باليمن، بعد 3 عقود من الصراع، مشيرةً إلى أن قوة وإلهام هذه الفتيات تكمن في قدرتهن على كسر الحاجز الاجتماعي والثقافي الذي يحظر على النساء في اليمن، خاصةً في المناطق الريفية، التدخل ومناقشة الرجال في مجالسهم الخاصة.
رغم ذلك، ترى "محمد" أن الموضوعات البيئية، وقضايا تغير المناخ تظل لا تشكل أولوية في التغطية في وسائل الإعلام المحلية، خاصةً في بلد يعيش أوضاعاً أمنية وإنسانية صعبة، وهو ما ينعكس على التمويل الموجه الإعلامي، فلا يحظى دعم الإعلام البيئي أولوية.
وتشير إلى التحديات التي تواجه الصحفيين في الدولة العربية، والتي تشمل صعوبة الوصول إلى مصادر بشرية مثل الخبراء والأكاديميين، علاوة على تحدي في الحصول على بيانات محدثة متعلقة بتغير المناخ، مشيرةً إلى فجوة البيانات التي تقترب من عشر سنوات منذ بدء الاضطرابات في البلاد، وهو ما جعل الدراسات العلمية المواكبة للظواهر المناخية شحيحة.