كونُه أحد أكثر المهرجانات السينمائية روعةً وتاريخاً، ومناسَبةً تحتفي بالتنوع الثقافي حول العالم، فهذا يجعل مشاركة مهرجان "كان" في مكافحة التغير المناخية استثنائية وغير تقليدية.
القرار البيئي المدعوم بالفن السابع يعني أن صناع السينما بدؤوا يدركون التأثير البيئي لهذه الصناعة الضخمة، والفعاليات المصاحبة لها، كما أن إعلان إدارة "كان" عن ميثاق بيئي للحدث يحفز باقي المهرجانات على أن يحذوا الحذو نفسه، ووضع صحة البيئة في قلب الأعراس السينمائية؛ ما يعود بالفائدة على الكوكب، ويجعل قضية المناخ حاضرةً دائماً في أجندة العالم.
السياسة البيئية لمهرجان "كان"
منذ فترة، بدأ المهرجان ينفذ سلسلة من الإجراءات للحد من بصمته الكربونية، لكن هذا العام أعلن المنظمون عن ميثاق بيئي شامل يحدد المبادئ التي توجه أنشطة وفعاليات المهرجان من الناحية المناخية، وطرق تقليل البصمة الكربونية للحدث.
وتماشياً مع اتفاق باريس بشأن المناخ، ومن أجل احتواء ظاهرة الاحتباس الحراري، اختار مهرجان "كان" ترسيخ سياسته البيئية بناءً على خارطة الطريق التي تبنَّتها الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ "IPCC"، التي تتبلور في خفض انبعاثات غازات الدفيئة لعام 2030 بنسبة 21% مقارنةً بعام 2019، كحد أدنى، والعمل على تحقيق التخفيض المثالي المستهدف، وهو 43٪ أقل من 2019.
وسوف يلتزم مهرجان كان، خلال فعالياته، باتباع خارطة الطريق نفسها، وبما أن البصمة الكربونية للمهرجان قد تم تقييمها بـ49 ألف طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون عام 2019، فإن الإدارة ملتزمة بخفض ما لا يقل عن 10 آلاف طن من الانبعاثات بحلول عام 2030.
وأعلنت الإدارة إمكانية تحقيق هذه الخارطة بناءً على العمل على تقليل المصادر الرئيسية لبصمة المهرجان الكربونية، ومنها حضور المشاركين بالفعاليات إلى مدينة كان عبر الرحلات الجوية، ويمثل هذا المصدر نحو 90٪ من البصمة المهرجان، بجانب تنظيم وتجهيزات المهرجان.
مهرجان كان يدعم البيئة
6 إجراءات خضراء في مهرجان "كان"
بهدف الحد من البصمة الكربونية، يرتكز الميثاق البيئي للمهرجان على عدة محاور أساسية؛ منها الحد من انبعاثات الكربون والنفايات، وإعادة استخدام الموارد، وإعادة التدوير مع إصدار تقرير سنوي مفصل عن البصمة الكربونية للمهرجان وتقديمه على العلن، بجانب دعم المشاريع البيئية حول العالم.
ومن أجل تطبيق هذه المحاور، تتبنى إدارة المهرجان عدة إجراءات بيئية، يجري تنفيذها خلال الدورة الحالية التي من المقرر أن تستمر حتى 25 مايو الجاري.
وسائل النقل
أسطول المركبات الرسمية المستخدم في الحدث يتكوَّن بالكامل من سيارات كهربائية لخفض الانبعاثات، كما تشجع الإدارة جميع الحضور والفرق الفنية على ممارسة المشي، وتجنُّب وسائل المواصلات للوصول إلى قاعات العرض أو المشاركة في الأحداث، وخاصةً مع تقارب أماكن الفعاليات داخل مقر المهرجان.
وبالنسبة إلى التنقل داخل مدينة كان، يتمتع جميع المشاركين بالمهرجان بإمكانية استخدام نظام النقل العام في المدينة مجاناً، عبر استعمال بطاقة مرور مخصصة ومتاحة على الإنترنت؛ لتقليل استخدام وسائل النقل الخاص.
مهرجان كان يدعم البيئة
السجادة الحمراء
درج طويل مغطى بنحو 60 متراً من السجادة الحمراء يؤدي إلى القمة؛ حيث تقع بوابة قصر المهرجانات في شارع لاكروازيت الشهير على سواحل خليج كان مقر إقامة المهرجان، وعلى مدى عقود طويلة تحوَّل صعود هذا الدرج والمشي على السجادة الحمراء إلى أحد الطقوس المميزة لنجوم السينما ورمز خاص للمهرجان.
ولأسباب بيئية، قررت الإدارة التخلي عن بعض تقاليد المهرجان العريقة، مثل تغيير السجادة الحمراء ثلاث مرات يومياً قبل كل العروض الرسمية في مسرح لويس لوميير، والاكتفاء بتغييرها مرة واحدة فقط يومياً؛ ما يوفر 1400 كيلو من المواد المستعملة في الصنع، وهو ما يمثل 59% من الحجم التقليدي للسجادة.
وفي الوقت نفسه، تتواصل الجهود المبذولة لتقليص حجم السجاد في جميع مساحات المهرجان والفعاليات سنوياً، وقد انخفض بالفعل إجمالي حجم السجاد المستخدم بوجه عام بنسبة 12٪ مقارنة بعام 2019.
مهرجان كان يدعم البيئة
المطبوعات الورقية
نجح المهرجان في تقليل المطبوعات بنسبة 79%، بفضل تحوله إلى نظام غير ورقي لإصدار المنشورات والتذاكر والمواد الترويجية للأفلام والبيانات الصحفية؛ ما يخفض عمليات الطباعة والتلوث وهدر المواد.
تقديم الطعام وحفلات الكوكتيل
طالبت الإدارة مقدمي الطعام في المهرجان بالالتزام بمتطلبات الاستدامة والغذاء المسؤول، والاعتماد على المنتجات المحلية والموسمية، وسلاسل الإمداد الغذائي القصيرة، وتقديم الخيارات النباتية وزيادة عددها، والتوقف عن تقديم لحم البقر، الذي يعد أكبر مصدر لانبعاثات غازات الدفيئة، ومكافحة هدر الطعام والحد من الهدر بشكل عام.
مهرجان كان يدعم البيئة
تقليل النفايات وإعادة التدوير
قرر المهرجان إلغاء توزيع زجاجات المياه البلاستيكية بالكامل، وتم إنشاء نوافير مياه في مختلف مساحات المهرجان، كما تتعاون الإدارة مع منظمة غير ربحية متخصصة في تنمية الاقتصاد الدائري وإعادة استخدام المواد في القطاعَين الثقافي والتعليمي في فرنسا؛ من أجل تجنب أطنان من المواد التي تنتهي في مدافن النفايات. وتخدم هذه الشراكة نهج "صفر نفايات" الذي يعتمده المهرجان عبر التقليل، وإعادة الاستخدام، وإعادة التدوير.
وعلى سبيل المثال، تعمل المنظمة المتخصصة في تنمية الاقتصاد الدائري، على إعادة استخدام السجادة الحمراء بعد تنظيفها وتجديدها؛ ما يوفر عدة أطنان من القماش في مكبات النفايات، وأحياناً أخرى يتم التبرع بها واستخدامها في قطاعي الثقافة والتعليم مثل حفلات التخرج، وأخيراً قد يُعَاد تدوير السجادة الحمراء لصنع عناصر جديدة داخل صناعات أخرى مثل قطاع السيارات.
مهرجان كان يدعم البيئة
دعم المشاريع المفيدة للبيئة
يلتزم المهرجان أيضًا بدعم المشاريع البيئية، سواء عن طريق تبرع الإدارة بمبلغ سنوي ثابت، أو عبر مشاركة المهرجان في برنامج المساهمة الطوعية في سوق الكربون، الذي تم تنظيمه من خلال تقديم مساهمة بيئية بقيمة 20 يورو من جميع الزوار المعتمدين بالمهرجان؛ لتعويض الانبعاثات الناتجة عن رحلات الطيران وأماكن الإقامة، التي تمثل 90٪ من البصمة الكربونية للحدث. وتذهب جميع هذه المساهمات البيئية من قبل حضور المهرجان إلى مشاريع تعويض الكربون.
وقد أتاح هذا النهج جمع أكثر من مليوني يورو على مدى ثلاث سنوات، ويتم التبرع بالأموال بالكامل للمساعدة في إنقاذ الكوكب عبر المشاريع البيئية، مثل مشروع مكافحة فقر الطاقة في أحياء مرسيليا أو مشروع حماية التنوع البيولوجي في جبال الألب الجنوبية.