الدرَّاجات الصديقة للبيئة.. هل يمكننا تكرار التجربة الهولندية بعالمنا العربي؟


سلمى عرفة
الاثنين 29 ابريل 2024 | 06:36 مساءً

رحلة يومية تقطعها (آية، 24 عاماً) حتى تصل إلى مقر عملها بمنطقة الزمالك غرب العاصمة المصرية القاهرة، على متن دراجتها الهوائية التي تحولت إلى وسيلة المواصلات الأساسية التي تعتمد عليها.

الشابة التي تدير متجراً لبيع الخضراوات والفواكه ورثته عن والدها، قررت الاعتماد على الدراجة؛ لعدة أسباب من بينها ارتفاع أسعار التنقل بسيارات الأجرة "التاكسي"، إضافة إلى حلم قديم بأن تصبح لاعبة "ترايثلون"، وهي رياضة تشمل السباحة، والجري، وركوب الدراجات، لكن ضيق الوقت ومسؤوليات العمل المتزايدة حال دون ممارسة الرياضات الثلاثة معاً.

تقول آية أنور، في حديثها إلى جرين بالعربي: "ركوب التاكسي من المنزل إلى المتجر الذي يبعد عنه 4 كيلومترات يكلف 50 جنيهاً؛ ما يعني 100 جنيه يومياً (2.09 دولار)، وهو مبلغ كبير للغاية – من وجهة نظري – للمواصلات".

وتتابع أن أصحاب الجنسيات الأجنبية الذين يشكلون معظم زبائن المتجر، والذين يستخدمون الدراجة في حياتهم اليومية، ساهموا في تشجيعها بشدة على هذا القرار، وفي الإجابة على أسئلتها بشأن الأنواع الأفضل.

تفوق غربي

رغم ملاءمتها للمعايير البيئية على خلاف وسائل النقل الأخرى التي يحتاج تسييرها إلى كميات هائلة من الطاقة، لا زالت الدراجة تحتل مكانة متأخرة في العالم العربي مقارنةً بالبلدان الغربية.

المثال الأبرز للتجارب الناجحة هو ما تمكَّنت هولندا من تحقيقه، على مدى العقود الماضية، حتى فاق عدد الدراجات عدد السكان الذي يقترب من 18 مليون نسمة، ووصلت نسبة الرحلات التي يجريها أصحابها على متن الدراجات 27% من إجمالي الرحلات، وفقاً لإحصائيات حكومية.

وفي الوقت الذي يساهم فيه قطاع النقل بكميات كبيرة من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، حاول مجموعة من العلماء في جامعة جنوب الدنمارك الإجابة عن سؤال هام: "ماذا لو عمَّمنا تجربة هولندا على العالم بأكمله؟".

وفقاً لنتائج البحث التي نشرتها دورية "Communications Earth and Environment journal"، سيتمكن العالم من وقف ما يزيد عن 680 مليون طن من الانبعاثات الكربونية سنوياً، إذا ما وصلت المسافة التي يقطعها كل شخص في العالم بالدراجة إلى متوسط الفرد الهولندي البالغ 2.6 كم يومياً.

بحسب المكتب المركزي للإحصاء في هولندا، يبلغ طول المسارات التي يمكن للدراجات السير بها في الدولة الأوروبية ما يزيد عن 150 ألف كم، في الوقت الذي تتخطى فيه المسارات المخصصة للدراجات وحدها 35 ألف كم.

كما أن ما يزيد عن 50% من ميادين الدولة الأوروبية تضم مسارات منفصلة للدراجات التي يمكن لأصحابها كذلك الصعود بها إلى داخل القطارات، وتخصيص عربة خاصة بها.

وإذا ما تجوَّلت بين الطرق المختلطة التي تتشارك فيها المركبات الأخرى مع الدراجات، فإنه دائماً ما تكون الأولوية للأخيرة، وستجد نفسك ملاحقاً بلافتات كُتب عليها: "السيارات ضيوف على الطريق".

هذا المشهد قد لا يتكرر في معظم دولنا العربية التي لا زالت السيارات لها المكانة الكبرى، وهو ما يعانيه كذلك "إسلام"، وهو شاب ثلاثيني يسكن في منطقة المعادي بالقاهرة، ويعتمد على الدراجات بصورة أساسية في حياته اليومية.

التأسيس لرحلة خضراء

في حديثه إلى "جرين بالعربي"، يشكو إسلام الخطيب – وهو مؤسس شركة ناشئة مقرها في منطقة المعادي كذلك – من التحديات التي تواجهه خلال استخدام الدراجة، ومن تجاهل أصحاب السيارات المتكرر له، اعتقاداً أن الطريق مخصص لهم وحدهم، قائلاً: "بيعتبروني مش موجود معاهم".

في 2018، وبعد عودته إلى مصر من الخارج، قرر "إسلام" بيع سيارته الخاصة، والاعتماد على الدراجة؛ لأن القيادة – وفق رأيه – مرهقة للغاية من الناحية الذهنية، في وقت تسمح له فيه الدراجة بالتنقل أسرع في أوقات الزحام، وتوفير الحاجة إلى الوقود.

من أزمة إلى فرصة

محاولة تقليل الاعتماد على الوقود ومواجهة ارتفاع أسعاره، كانت سبباً أساسياً دفع البعض في لبنان إلى اتخاذ قرارات مماثلة.

تشير الدكتورة نهى الغصيني العميدة السابقة لكلية الفنون الجميلة والعمارة في الجامعة اللبنانية والمتخصصة في تخطيط المدن، لـ"جرين بالعربي"، إلى أن ثقافة الاعتماد على الدراجات بدأت تنتشر تدريجياً مع تفاقم الأزمات والانهيار المالي الذي يواجهه لبنان، لكن استخدامها لا يزال "خجولاً" كما هو الحال في مختلف العالم العربي.

"الغصيني" التي تولت سابقاً رئاسة اتحاد بلديات الشوف السويجاني، تشير إلى أن المشكلة تكمن في غياب البنى التحتية للتنقل بالدراجات، لكنها ترى على الجانب الآخر أن عدم التزام سائقيها بقوانين السير والاتجاهات على الطرق العامة، يزيد من خطر انتشار الحوادث.

تتابع الخبيرة اللبنانية قائلة: "يمكن أن تصبح الدرَّاجة وسيلة مواصلات أساسية للكثير من الناس في بلداننا العربية. ما نحتاجه فقط هو الالتزام بقواعد وآداب المرور من قائدي السيارات والدراجات".

لكن هناك مسؤولية تقع كذلك على الدول؛ إذ تشير "الغصيني" إلى ضرورة تطوير عمليات تخطيط المدن، وتحسين البنية التحتية لتخصيص مسارات آمنة ومظللة للدراجات، والتحكم في حركة المرور لتشجيع ركوب الدراجات.

يمكن أن تصبح الدرَّاجة وسيلة مواصلات أساسية للكثير من الناس في بلداننا العربية. ما نحتاجه فقط هو الالتزام بقواعد وآداب المرور من قائدي السيارات والدراجات.. الدكتورة نهى الغصيني العميدة السابقة لكلية الفنون الجميلة والعمارة في الجامعة اللبنانية

تحديات مجتمعية ومناخية

هناك تحديات مجتمعية كذلك قد تعيق الإقبال على زيادة الإقبال على الدراجات الصديقة للبيئة؛ إذ يشير الأستاذ الدكتور جمال النسور الأستاذ في كلية الأعمال بجامعة البلقاء التطبيقية بالأردن إلى أن العادات والتقاليد تُصعِّب على النساء استخدام الدراجات، في وقت يمكن فيه للجنسين استخدامها في البلدان الغربية.

ولفت إلى أن طبيعة تنقُّل الأفراد في بلدان العالم العربي تركز على التنقل بين العمل والمنزل، التي غالباً ما تحتاج المسافة بينها إلى فترة زمنية تستدعي استعمال وسيلة نقل أخرى.

ووفقاً لرأيه، تتحكم الظروف المناخية كذلك في اختيار وسيلة التنقل؛ فطبيعة الطقس في منطقة الخليج العربي، على سبيل المثال، لا تشجع على استخدام الدراجات.

"النسور" يتوقع أن استهداف طلاب الجامعات سيلاقي نجاحاً، وسيؤثر في البيئات المحيطة بهم، كما يمكن – وفقاً لرأيه – تسويق الفكرة من خلال قيام المنظمات أو الجهات المانحة المعنية بالبيئة بتقديم دعم مالي للجامعات التي تتولى شراء الدراجات، وتقديمها مجاناً إلى الطلاب، شرط التزامهم باستخدامها.

كما اقترح – في حديثه إلى "جرين بالعربي" – فكرة التدريج في التحول نحو وسائل النقل الصديقة للبيئة، بدايةً من التخلي عن المركبات التي تستخدم مصادر الطاقة غير المتجددة، والانتقال إلى المركبات الكهربية؛ وذلك من خلال تقديم تسهيلات ضريبية وجمركية على هذه المركبات وبأسعار منخفضة، ومن ثم يمكن الانتقال إلى فكرة استخدام الدراجات.