منذ آلاف السنين، كانت "يوتوبيا" أحد أحلام الفيلسوف الشهير "أفلاطون"، لكنها ظلَّت مجرد حلم لم يتحقق على أرض الواقع. أما المدينة المستدامة التي تحترم الطبيعة والبيئة البحرية فليست حلماً بعيد المنال، بل أمنية تحتاج إلى إرادة ووعي.
وفي محاولة لتحقيق هذه الأمنية المستوحاة من المدينة الفاضلة، أطلق 19 طالباً من كلية الإعلام بجامعة القاهرة المصرية، حملة "بلوتوبيا" من أجل بناء عالم مثالي مستدام، والعيش في بيئة ومجتمع أفضل.
وتستهدف الحملة في المقام الأول البيئة المائية والسلوكيات السلبية التي تؤثر على الثروة السمكية والاقتصاد البحري الذي يعد من القطاعات الهامة؛ حيث تحتل مصر المرتبة الأولى عربياً وإفريقياً في إنتاج الأسماك.
وتُلقِي الحملة الضوء على بعض السلوكيات التي تدمر البيئة المائية وتهدد التنوع البيولوجي والشعاب المرجانية والأمن الغذائي، مثل استخدام البلاستيك الذي يضر بآلاف الكائنات المائية والبحرية، ويسبب خللاً كبيراً في الأنظمة البحرية؛ حيث يحتاج إلى سنوات طويلة حتى يتحلل، بجانب المواد الكيمائية وإلقاء النفايات والصيد المفرط.
وفي حديثها إلى "جرين بالعربي"، قالت هنا إيهاب إحدى المسؤولين عن الحملة، إن شعار "التغيير بأيدينا لأزرق خيره علينا"، يعكس إيمانهم وقناعتهم بأن التغيير ليس حكراً على مؤسسة أو منظمة معينة، بل مسؤولية جميع أفراد المجتمع، عبر تغيير بعض السلوكيات البسيطة بالحياة اليومية لحماية البيئة وجميع الكائنات الحية.
مبادرة بلوتوبيا
التعاون مع المؤثرين والمبادرات البيئية
وأوضحت "إيهاب" أن الحملة تهتم بالتعاون مع مبادرات أخرى تعمل بالمجال نفسه ومشاركتها في الفعاليات، والمساعدة في نشر أفكارها؛ لأن البيئة تحتاج إلى تكاتف الجميع. وعملاً بالمبدأ نفسه، هناك بعض المؤثرين وصناع المحتوى يدعمون بلوتوبيا، ويدعون الجمهور إلى متابعة الحملة والتعرف على أهدافها، واعتماد النصائح التي تقدمها، والبعد عن السلوكيات التي تضر الطبيعة.
وأكدت أنه ما زالت هناك فرصة للتغيير، لكن كل ما يلزم هو اتخاذ القرار والبدء في طريق الاستدامة.
منصات التواصل الاجتماعي
تبسيط قضية الاستدامة البيئية وعرضها بطريقة شبابية وغير تقليدية من أهم أهداف الحملة مع توعية المجتمع والشباب تحديداً بالسلوكيات البيئية الضارة. واهتمَّ القائمون على الحملة باستغلال وسائل التواصل الاجتماعي وتوظيفها لخدمة الفكرة باعتبارها الوسيلة الأكثر انتشاراً بين هذه الفئة العمرية المستهدفة، مع ربط المعلومات والمنشورات بالمناسبات، مثل شهر رمضان والأعياد، والعادات الخاطئة التي يرتكبها البعض خلال هذه الاحتفالات وتقديم بدائل أخرى لها بهدف الوصول إلى أسلوب حياة مستدام والحفاظ على حقوق البشر وجميع الكائنات على الكوكب.
هذا بالإضافة إلى ابتكار سلاسل معلوماتية تربط بين الاستخدامات البيئية وأفكار مستوحاة من التراث، وعادات قديمة صديقة للبيئة مثل استخدام أواني الفخار، التي تعد أفضل من الزجاجات البلاستيكية.
وهنا يشير أبو بكر منير، المسؤول عن تصميمات الحملة والمطبوعات، أن الحملة تستمر في تقديم المحتوى التوعوي بشكل دوري عبر منصات التواصل الاجتماعي، حتى ترشد الجميع وتحثهم على القيام بدورهم في التغيير، مضيفاً أن الحملة تقوم حالياً بالتجهيز لإطلاق "بودكاست" خاص بها؛ لوضع المحتوى البيئي في إطار جديد وخفيف يسهل على المتابع استيعابُه، "ونأمل أن يكون له دور كبير في التغيير".
وأوضح "منير" أن بلوتوبيا تضع نفسها في تحدٍّ مستمر ضد العادات السلبية والأنماط السلوكية المترسخة في المجتمع؛ من أجل توعية الأفراد بالآثار المدمرة لهذه السلوكيات على البيئة؛ لأن الشائع لدى الكثيرين أن تغيير هذه السلوكيات البسيطة لن يقدم حلولاً حقيقية للمشاكل؛ "لذلك أخذنا على عاتقنا في الحملة أن نذكر الجميع بأهمية المشاركة الفردية في حماية الطبيعة؛ ليتحقق معها ازدهار البيئة المائية، فيتحقق – بالتبعية – النماء الاقتصادي ورفع المستوى المعيشي للعاملين بالقطاع والمجتمع ككل".
مبادرة بلوتوبيا
ورش التوعية في المدارس
وفي إطار المسؤولية الاجتماعية والاهتمام بدور المدرسة ونشر ثقافة الاستدامة لدى الأطفال من أجل مستقبل أفضل، قدَّمت الحملة ورشاً توعويةً في مدرستين، تتضمن محتوى بسيطاً عن مفهوم الاستدامة وأهمية الحفاظ على البيئة وإعادة تدوير وفصل المخلفات، ومفاهيم بيئية أخرى.
ولأن التغيير في السلوكيات البيئية يجب أن يشمل جميع الفئات العمرية، حاول طلاب كلية الإعلام التفاعل مع الأطفال، وحثهم على إدراك العادات والمنتجات الضارة، عبر مجموعة من الألعاب المسلية والفيديوهات القصيرة، التي تُقدَّم بطريقة سهلة وبسيطة، مثل قضية تلوث نهر النيل، وكيف يمكن إنقاذه والحفاظ عليه.
ومن أجل استغلال فكرة إعادة تدوير المواد وتبسيطها، قدمت الحملة للأطفال مجموعة من الهدايا البسيطة والصديقة للبيئة، تم صنعها 
مبادرة بلوتوبيامن بقايا الورق أو مواد مُعَادٍ تدويرُها، مثل فوانيس رمضان، ورسومات ومجسمات بحرية تتلاءم مع روح الحملة.
وفي النهاية، عبرت جنى طارق إحدى عضوات المبادرة وإحدى المشاركين في كتابة المحتوى بالحملة، عن سعادة جميع الطلاب وسعيهم إلى اتخاذ المزيد من الخطوات التي تُقرِّبهم من حلم "اليوتوبيا المائية" الذي يعملون على تحقيقه منذ اليوم الأول في الحملة.
ولذلك سوف تكون خطة "بلوتوبيا" في الفترة القادمة – بحسب القائمين عليها – هي المشاركة في أكثر من حدث؛ لزيادة التوعية بفكرة الحملة، بالإضافة إلى إقامة المزيد من ورش العمل للطلاب بالجامعات والمعاهد المصرية، بجانب المشاركة في الندوات، وإقامة الأحداث الخاصة داخل الحرم الجامعي وخارجه لإشراك الجماهير المستهدفة في التغيير المطلوب عن طريق تلك الفعاليات.
